![]() |
|
خيارات الموضوع |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الخطبة تم إلقائها بجامع المغيرة بن شعبة اليوم 9/ 6 / 1429هـ وهي حول مناسبة الاختبارات فأحببت نشرها رجاء الفائدة . أيها المسلمون، هذه الدار دار الدنيا هي دار امتحان واختبار وابتلاء، قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) . وهذا الاختبار نهايته تكون بالموت، ونتيجته يوم القيامة، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور ِ) ونحن في هذا الاختبار مراقَبون، وكل حركاتنا مرصودة، قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وكل قول نتلفظ به فإنه مسجل علينا، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . أيها المسلمون: هذه الدنيا دار ابتلاء، فلنحذر أن تلهينا عما خلِقنا له، فمَثَل طالب الدنيا كمثل شارب ماء البحر، كلّما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله. وقيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز قد سقطت بعض أسنانها ، عليها من كلّ زينة، فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحفظهم، قال: فكم مات عنك أم كلّهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلتُ، فقال عيسى عليه السلام: بؤسًا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين؟! كيف تهلكينهم واحدًا بعد واحد ولا يكونون منك على حذر؟! وقال عليه الصلاة والسلام كما جاء في البخاري: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع)). إنَّ مِنَ الشَّقَاءِ الوَاضِحِ وَالخَسَارَةِ الفَادِحَةِ ـ أيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أنَّ يَظَلَّ اهتِمامُ الإِنْسانِ مُنصَبًّا على هذهِ الدُّنيا وَزَخَارِفِها، وَأَن لا يَظْهَرَ حِرصُهُ إلا عليها وَمِن أَجلِها، لا يُسعِدُهُ إلا نَجَاحُهُ في اختِبارِها، وَلا يُحزِنُهُ إلا إِخفَاقُهُ في جَمعِ حُطامِها، ثم لا يُهِمُّهُ بَعدَ ذَلكَ أَمرُ الآخِرَةِ ولا أَينَ مُوقِعُهُ مِنها، مَعَ عِلمِهِ أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يَصيرَ إليها يَومًا ما، وَأَنَّها هِيَ المَقَرُّ وَفِيها البَقَاءُ، إِنْ في سَعَادَةٍ وَإِنْ في شَقَاءٍ. إنَّ كُلَّ مُوَفَقٍ مِنَ العِبَادِ ـ أيُّها الإخوَةُ ـ لا يَمُرُّ بِهِ مُوقِفٌ حتى وَإنْ كان دُنيويًا بَحْتًا إلا تَذَكَّرَ بِهِ الآخِرةَ وَيَومَ الحِسَابِ. وَنحنُ مُقبِلونَ على امتحِانَاتِ الطُّلابِ، فَإِنَّ هَذِهِ الأيامَ العَصِيبَةَ على أبنَائِنا بل وَعَلى كَثيرٍ مِنَ الآباءِ لا بُدَّ أنْ نَتَذَكَّرَ بهَا يَومَ السُّؤَالِ والحِسَابِ وما أَعَدَّ اللهُ فَيهِ مِنَ الثَّوَابِ والعِقَابِ، (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ومن هذا المقام فإني أوجه رسائل للطلاب والأباء : (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) أيها الطلاب والأباء، العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، فقال: "إني أرى أن الله قد ألقى في قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية"، وقال الشافعي: شكوت إلى وكيـع سوء حفظـي فأرشدني إلى ترك المعاصـي وقـال: اعلم بـأن العلم فضـل وفضل الله لا يؤتاه عاصـي فترك الصلاة أو جمعها أو تأخيرها بالنوم عنها بحجّة الإرهاق والتعب مع الاختبارات أو التخلف عنها في الجماعة، كل ذلك من الآثام والمعاصي التي تطفئ نور العلم الذي في قلبك. أيها الطلاب والطالبات، حافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها، وستجدون العون والتوفيق من الله تعالى. أيضًا في هذه الأيام نلاحظ أن بعضًا من أبنائنا قد انشغل بتناول المنبهات والمسكرات، والتي ينشط مروِّجوها في هذه الأيام في صفوف البنين والبنات، فهذه معصية حذّر الشرع منها وعاقب عليها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . والخمر وإن سميت بغير اسمها فهي أم الخبائث، ومن شربها لا تقبل صلاته أربعين يومًا، وإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية كما جاء في الحديث الصحيح، وقال النبي : ((ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)) وهي صديد أهل النار. فاحذروا معصية المسكر والمخدّر؛ لأنها تطفئ نور العلم وتفسد الجسم وتمرضه. أيها الطلاب والأباء: في أيام الاختبارات تكثر التجمعات الطلابية خارج المدارس، وتزداد جلسات الأنس على الأرصفة والمطاعم الشعبيّة والبوفيات وعلى شاطئ البحر وغير ذلك، وهذه فرصة ثمينة يستغلها ضعفاء النفوس للتغرير بأبنائنا ودعوتهم إلى سيئ الأخلاق، ودعوتهم إلى التعرف على بعض أصدقاء السوء، ودعوتهم على تعاطي الدخان وغيره، بل هذه فرصة أيضًا لاستعراض المهارات والعضلات من خلال التفحيط والعبث بالسيارات، أو التجوال حول مدارس البنات. ورجال الهيئة ورجال الأمن ـ وفقهم الله ـ يشتكون من كثرة المصائب والحوادث والمعاصي في هذه الأيام القليلة، فيا أيها الطلاب والأباء احذروا رفقاء السوء، وعليكم بالعودة للبيوت والخلود للراحة، ولا تطفئوا نور العلم بهذه المعاصي. أيها الطلاب والإباء: إنّ حرص المسلم على مستقبله أمر مهم، والمؤمن كيس فطن، والمؤمن يحرص على ما ينفعه ويترك ما يضره. فيا أيها الأبناء، احرصوا على مستقبلكم، أنتم الآن في وضع يتطلب منكم الجد والاجتهاد، فلا تفرح وتأنس بالتجمعات والتفحيط بدقائق يتبعها الندم والحسرة بقية العمر. فعيبٌ والله أن تنافسنا أمم الكفر في التدبير والتخطيط ونحن في التضييع والتفحيط ، عيبٌ وعيبٌ ونحن أمة العظماء أيها المسلمون، في هذه الأيام قد تظهر معصية محرمة، ألا وهي ظاهرة الغش من الطلاب ، لب قد تكون بمباركة بعض الآباء والأمهات عياذاً بالله من ذلك ، أو من قبل فزعة بعض المعلمين والمعلمات، وذلك بإتاحة الفرصة للطلاب أثناء الاختبارات بمزاولة الغش وغض الطرف عنهم، والرسول قال: ((من غشنا فليس منا)). والغش له نتائج سيئة على المجتمع؛ فتخيل طبيبًا نجح بالغش فكيف سيكون ناصحًا للمرضى؟! ولماذا في هذه الأيام نسمع كثيرًا عن الأخطاء الطبية حتى ذهبت أنفس بريئة؟! لعله من الأسباب ظهور بعض الأطباء وبعض المهندسين وبعض الإداريين وبعض الفنيين وبعض المختصين الذين درسوا وتخرجوا ولكنهم بالغش، فغضّ المجتمع بأكمله حتى وجدنا النتيجة فيما نقرؤه في الصحف وفيما نسمعه في الإذاعات، وصدق رسول الله : ((من غشنا فليس منا)). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخطبة الثانية أيها المسلمون، ما أشبه اليوم بالغد! أترون أيّ غد أعني؟ إنه يوم الامتحان الأكبر، يوم السؤال عن الصغيرة والكبيرة، السائل ربّ العزة سبحانه، والمسؤول أنت يا عبد الله، ومحل السؤال وهو كل ما عملت أنت في حياتك من صغير وكبير. يا له من امتحان! ويا له من سؤال! يا له من يوم يجعل الولدان شيبا. عند مسلم في الصحيح عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال : ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشقّ تمره)). نعم، إنه امتحان مهول، يدخله كل الخلائق في يوم مهول. عباد الله، تذكروا وأبناؤكم في قاعات الامتحانات الفسيحة، تذكروا عرصَات يوم القيامة والناس شاخصة أبصارهم، قد ألجمهم العرق من هول يوم السؤال ورعب يوم الحساب، قال : ((إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس)) أو قال: ((غالى أنافهم)) أو قال: ((إلى مناخرهم)). تذكروا عند إلقاء السؤال في الامتحان سؤال الملكين في تلك الحفرة الضيقة، تذكروا إذا وضع الواحد منا في قبره وتولى وذهب عنه أصحابه حتى وإنه ليسمع قرع نعالهم، ثم بعد ذلك جاء الممتحنون وما أدراك ما الممتحنون، من هما؟ هما الملكان، يقعدانه فيقولان له من ضمن الأسئلة: من هذا الرجل محمد ؟ فيقول ذلك الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقولان له: انظر يا عبد الله، انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا في الجنة. وهذا حال الفائز الناجح، أما الراسب الذي لم يستعدّ للامتحان فيقول: ها ها ها لا أدري، كنت أقول كما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة من بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين الإنس والجن. تذكر ـ يا عبد الله ـ عند إلقاء السؤال في قاعة الامتحان سؤالَ الله يوم القيامة يوم يدنيك ربّ العزة فيقرّرك بذنوبك ويقول: عبدي، أتذكر ذنبَ كذا في يوم كذا؟ تذكر ـ يا عبد الله ـ يوم توزيع الشهادات على الطلاب، تذكر ذلك اليوم العظيم الذي توزّع فيه الصحف، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ ). نسألك ـ يا رب ـ أن تعاملنا بعفوك لا بعدلك، أنت أهل التقوى وأهل المغفرة. ![]() الموضوع الأصلي: ((الاختبارات )) خطبة الجمعة لهذا اليوم 9/6/1429هـ | | الكاتب: الداعية | | المصدر: شبكة بني عبس
آخر تعديل بواسطة ابوفهد العويمري ، 13-06-2008 الساعة 06:14 PM.
|
|
اخي الداعيه جزاك الله خيرا على هذا النقل المفيد نسال الله التوفيق لنا ولجميع ابناء المسلمين
تقبل احترامي وتقديري
|
|
السلام عليكم
أخي الفاضل وشيخي القدير الداعيـــــــة جزاك الله خير الجزاء على هذا الموضوع القيّم والمفيد جعله الله في موازين حسناتك وعذراً على التأخيــر اخي الفاضل ننتظر جديدك الجزل المفيد ... وتقبل فااااااااااااائق احترامي وتقديري
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
أسندت إليه الإمامة والخطابة بعد حريق الجامع الكبير .. الحواشي يلقي اليوم خطبة الجمعة | البعيد الهادي | المنتدى الإسلامـــي | 3 | 13-07-2009 04:44 PM |
خطبة عيـد الأضحـى لعام 1429هـ | خالد العويمري | المنتدى الإسلامـــي | 1 | 09-12-2008 12:37 AM |
خطبة الجمعة اليوم ((( وصايا للمسافرين ))) | الداعية | المنتدى الإسلامـــي | 4 | 10-07-2008 10:03 PM |
المحاورات لهذا اليوم الخميس الموافق 08/01/1429هـ | صحفي | منتدى المحــــــــــــــاوره | 3 | 18-01-2008 05:17 PM |
القبيلة في خطبة الجمعة | قلم شفاف | المنتدى الإسلامـــي | 5 | 15-04-2007 02:39 AM |