![]() |
|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع |
|
والله مو مقلب اقسم بالله هذي قصة للكاتبة : (تمر حنة) ما اعرف منو هذي اول مرة اعرف اسمها بس هذا اللي عرفته والقصة تتعدى الأربعين حلقة الله يحميها ...... ![]()
|
|
الحلقة الرابعة عشر هدوء العاصفة طريق العودة لم يكن بأقل مشقة من طريق الذهاب ... ألا أنني بسبب التعب و الإجهاد النفسي نمت معظم ساعات النهار الأول . حطام الأشياء التي أراها من حولي لا يختلف عن حطام قلبي ... ألا أن الجماد لا ينزف دما التلاوة المنبعثة من مذياع السيارة بصوت قارئ رخيم عذب هي الشيء الوحيد الذي خفف على قلبي آلام التمزق و التقطع و الاحتراق ... توالت الساعات ، و كنت أتابع باهتمام مزيف كل ما أسمعه من المذياع هروبا من التفكير في الطريق الذي ولى ... و الطريق القادم ... في الماضي ... و المستقبل ... بلغنا مدينتنا قبيل غروب الشمس الثالثة التي أنارت دربنا ... " خذني إلى بيتي " قلت ذلك و نحن أمام مفترق طرق ، يؤدي أحدهم إلى بيتي و آخر إلى بيت سيف " الآن ؟ دعنا ننزل بيتنا و نرتاح من عناء المشوار الطويل ... " " أرجوك يا سيف ... إلى بيتي ... " لم أكن هذه المرة أشعر بأي شوق أو حماس لدخول المنزل المهجور و سيف هم ّ بالحضور معي أل أنني قلت : " لأبد أن والديك في انتظارك الآن ... سأشكرك كما ينبغي لاحقا ، بلغهما تحياتي " كان سيف قلقا بشأني و لكنني صرفته ، و دخلت المنزل المظلم وحيدا . رفعت يدي لإنارة المصباح ، بل المصابيح واحدا تلو الآخر فاكتشفت أن الكهرباء مقطوعة . و على الضوء الباقي من آخر خيوط الشمس ، سرت في منزلي الكئيب الساكن و صعدت إلى الطابق العلوي ... ذهبت رأسا إلى غرفة نومي ... أخرجت المفاتيح ، ثم فتحت الباب ببطء ... و خطوت خطوة إلى الداخل ... سرعان ما عادت بي السنين إلى الوراء ... حين كنت فتى مراهقا في بداية التاسعة عشر من العمر ... أجلس على هذا الكرسي أذاكر بشغف ... يا إلهي ! لا تزال كتبي التي تركتها على المكتب في مكانها ! مفتوحة كما تركتها قبل ثمان سنين ! جلت ببصري في الغرفة ... و فوجئت برؤية الأشياء كما هي ... تقدمت خطوة بعد خطوة ... السرير ... نفس البطانية و الأغطية التي كانت عليه قبل رحيل ... اقتربت من المكتب ... إنه كتاب الرياضيات الذي كنت أقرأه آخر ليلة قبل الرحيل ، استعدادا لامتحان الغد ! و قلم الرصاص لا يزال موضوعا على الصفحة المفتوحة ... و بقية الكتب مبعثرة على الطاولة تماما كما تركتها منذ ذلك الزمن ... مددت يدي فلمست الغبار الذي يغطي الكتاب ، و كل شيء ... فتحت الأدراج لألقي نظرة ... لا شيء تغير ! لا يبدو أن أحدا قد وطأ أرض هذه الغرفة مذ هجرتها استدرت نحو سريري ... لطالما احتضنني هذا السرير و امتص تعبي و أرقي ... ألا زال يصلح للنوم ؟ أ أستطيع رمي أثقال صدري و جسدي عليه ؟؟ كان أيضا غارقا في الغبار ... و مع ذلك رميت بجسدي المهموم عليه و سمحت لسحابة الغبار أن تحلق ... و تنتشر ... و تهاجم أنفي و تخنقني أيضا ... داهمتني نوبة من العطاس أثر استنشاقي لغبار الزمن ، فنهضت و تلفت من حولي بحثا عن علبة المناديل لأبد أنها ستكون مدفونة تحت طبقات من الغبار هي الأخرى ... لكن أنظاري التصقت فجأة بشيء يقف على أحد أرفف مكتبتي القديمة ... شيء أسطواني الشكل ، مغطى بطوابع و ملصقات صغيرة طفولية ... و من بين تلك الملصقات ، يظهر جزء من كلمة مكتوبة عليه : ( أمـاني ) سرت ببطء شديد ، بوصة بوصة ، نحو هذا الصندوق الصغير ... أكان حلما أم حقيقة ؟؟ لقد رأيته أمامي مباشرة ، و لمسته بيدي ... و رججته ، و سمعت صوت قصاصات الورق تتضارب داخله ! صندوق أماني رغد ... لا يزال حيا ؟؟ أمسكت بالصندوق الأسطواني ، و قربته من عيني ، ثم من صدري ، و أرخيت جفني ، و سحبت نفسا عميقا مليئا بالغبار ... رأيت الصغيرة مقبلة نحوي بانفعال و فرح ، حاملة كتابها بيدها : " وليد اصنع صندوق أماني لي " و رأيتها تساعدني في صناعته ... ثم تغطيه بالملصقات الصغيرة ... ثم تجلس هناك على سريري ، قرب المنضدة ، و تكتب أمنيتها الأولى ... (( عندما أكبر سوف أتزوج .... )) عند هذا الحد ... ارتفع جفناي فجأة ، و انقبضت يدي بقوة ... ضاغطة على الصندوق بلا رحمة حتى خنقت أنفاسه ... تدحرجت عبرة كبيرة حارقة من مقلتي اليمنى ، فاليسرى ، تبعها سيل عارم من الدموع الكئيبة التائهة ، تغسل ما علق بوجهي و أنفي من الغبار العتيق ... شقت نظرتي طريقا سالكا بين الدموع ، مسافرة نحو صندوق الأماني المخنوق ... محرضة يدي ّ على التعاون للفتك به ... و تمزيقه كما تمزقت كل آمالي و أحلامي ... و صورة رغد و رسالتها ... و قلبي و روحي ... لكنني توقفت في منتصف الطريق ... لم أعد أرغب في رؤية ما بداخله ... فأنا أعرف كل شيء ... ( أتمنى أن أصبح رجل أعمال كبير و مهم ! ) ( أريد أن تصبح ابنة عمي رغد زوجة لي ) ( يا رب اشف سامر و أعده كما كان ) ( عندما أكبر سوف أتزوج .... ؟؟؟ ) سامر قطعا ... كم كنتُ غبيا ! ضغطت على الصندوق بقوة أكبر فأكبر ... و لو كان شيئا مصنوعا من الحديد لتحطم في قبضتي ... " أيتها الخائنة ... رغد " رميت الصندوق بعنف بعيدا عني ... إلى أبعد زاوية في الغرفة ، ثم خرجت هاربا من الذكرى الموجعة أول شيء التقيت به في طريقي كان غرفة رغد ! فهي الأقرب إلي ... وقفت عند الغرفة لدقائق ... و يدي تفتش عن المفتاح بتردد ... رفعت يدي ... و طرقت الباب طرقا خفيفا ثم مددتها نحو المقبض و أمسكت به و بقيت في هذا الوضع لزمن طويل ... سأفتح الباب ببطء و حذر و هدوء ... قد تكون صغيرتي نائمة بسلام ... لا أريد إزعاجها أريد فقط أن ألقي نظرة عليها كما أفعل كل ليلة ... لا أحب إلى قلبي من رؤيتها نائمة بهدوء كالملاك .. و ملامسة شعرها الناعم بخفة ... نظرة أخيرة ... واحدة فقط ... أريد أن ألقيها على طفلتي ... رغد ... لقد اشتقت إليك كثير! ... منذ أن رأيتك و أنت نائمة ... هنا قبل ثمان سنين ، و جفناك متورمان أثر البكاء الشديد الذي بكيته ذلك اليوم المشئوم ... أتذكرين كيف لعبنا يومها ؟؟ أتذكرين البطاطا التي أطعمتك إياها ...؟؟ ما كان يدريني أننا لن نلتقي بعد تلك اللحظة ... و أنها كانت المرة الأخيرة التي أتسلل فيها إلى غرفتك ، و ألقي عليك نظرة ، و أداعب خصلات شعرك ، و أقبل جبينك ... ارتجفت رجلاي و كذا يداي و جسمي كله ، و فقدت أي قدرة على تحريك أي عضلة في جسدي ، حتى جفوني لم أجسر على فتح الباب ... عدت أطرقه و أنادي ... " رغد ... صغيرتي ... افتحي ! أنا وليد ... " لكنها لم تفتح و أخذت أطرق بقوة أكبر ... " افتحي يا رغد ... لقد عدت إليك " و بقي الباب ساكنا جامدا ... لم تعد رغد موجودة و لم يعد وليد موجود ... و لم يعد لفتح هذا الباب ... أي داع ... هويت على الأرض ... كسقف أزيلت أعمدته فجأة ... و رفعت ذراعي إلى الباب و صرخت ... " رغد ... عودي إلي ... " ******************************** من تتوقعون زارنا قبل أسبوع ؟؟ إنها عائلة اللاعب الشهير ( نوّار ) ! و هل استنتجتم ما سبب الزيارة ؟؟ أجل ! مشروع زواج ! بصراحة أنا فوجئت بشدة ! لم أكن أعتقد أن الأمر سيسير حسبما كانت دانة ترسم ! و لكن يبدو أن هناك أمور أخرى لا أعلم عنها شيئا ... زيارتهم كانت بعد رحيل وليد بثلاثة أسابيع ... خلال الأسابيع الثلاثة تلك ، كان الجميع يعيش حالة كآبة و حزن مستمرين لم تطلع أو تغرب علي شمس دون أن أفكر بوليد ... و بلقائنا الحميم ، ثم نظراته القاسية ، ثم رحيله المفاجئ ... والدتي أصابها حزن شديد لازمت بسببه الفراش فترة من الزمن ... أنا أيضا حزنت كثيرا جدا ... أنا لم أكد أره ... لم أكد أشعر بوجوده ... إنني لا أصدق أنه عاد بالفعل ... لقد كبرت على الاعتقاد بأنه لن يعود ... و حقيقة ... هو لم يعد ... " رغد ! ألم تنهي حمّامك بعد ؟؟ " جاءني صوت دانة من الخارج ، تحثني على الخروج بأقصى سرعة ... كنت لا أزال أمشط شعري القصير المبلل أمام المرآة المغطاة بطبقة من الضباب ! فتحت الباب فانطلق بخار الماء متسربا للخارج ، و وجدت دانة واقفة و ذراعاها مضمومان إلى صدرها ، تنظر إلي بحنق ! " أهو حمام بخاري ؟ هيا اخرجي يكاد ضيوفي يصلون و أنا لم أستعد بعد ! " سرت ببطء شديد ، متعمدة الإطالة أقصى ما يمكن ... ! دانة تحدق بي بغضب و نفاذ صبر و تصرخ : " أوه يا لبر ودك ! هيا أخرجي ! " " لم كل هذا الانفعال !؟ كأنك ستقابلين جلالة الملكة ! " " أنت لا تفهمين شيئا ! لا يمكنك أن تحسي بمثل أحاسيسي الآن ! لم تجربي ذلك و لن تجربيه ! " قالت هذا ثم دفعتني قليلا بعيدا عن الباب ، و دخلت الحمام الغارق في البخار و صفعت بالباب بقوة ! ذهبت إلى غرفتي بكسل ... و أخذت أتابع تمشيط شعري المبلل أمام مرآتي ... هل تحس كل فتاة على وشك مقابلة أهل عريسها بكل هذا التوتر ؟؟ أنهم سيعلنون الموافقة الرسمية و يناقشون شروط العقد هذه الليلة ، و سنقيم حفلة صغيرة بعد أيام لعقد القران ... دانة أصبحت لا تطاق بسبب توترها و عصبيتها ، لكنها سعيدة ! سعيدة جدا ... أنا لم أجرب هذا الإحساس ... و لا أعرف كيف يكون ... إنني فقط أعرف أنني مخطوبة لابن عمي سامر لأنني يجب أن أكون مخطوبة له ... و سأتزوج منه لأنني يجب أن أتزوج منه ... سامر في الوقت الحالي مسافر إلى مدينة أخرى ، من أجل العمل موضوع زواجنا تم تأجيل النقاش فيه ، بسبب حضور و رحيل وليد الذي أربك الأجواء ، ثم خطبة دانه التي شغلتنا أواخر الأيام ... وليد لم يتصل بنا منذ رحيله ، و والدي يحاول جاهدا الاتصال به بطريقة أو بأخرى من أجل إبلاغه عن خطبة دانه و حفلة العقد مجرد تفكيري بهذا الأمر يشعرني بالسعادة ... فوليد سيأتي و لا شك ... لحضور حفلة شقيقته و المشاركة فيها ... ألقيت بالمشط جانبا و خرجت من الغرفة في طريقي إلى المطبخ ، و وصلني صوت دانه و هي تغني داخل دورة المياه ! أنا لم أغنِّ عند خطبتي ! حين وصلت ، كانت أمي تتبادل الحديث مع والدي بشأن دانه ... لكنهما توقفا عن الكلام لدى رؤيتي ! " أمي ... ماذا عن وليد ؟؟ " فهو كان شغلي الشاغل منذ أن رحل ... بل منذ أن وصل ! أمي و أبي تبادلا نظرة سريعة ، قال والدي بعدها : " لقد استطعت التحدث إلى سيف ، و أوصيته بزيارة وليد بأقصى ما يمكنه ، و إبلاغه بأنتا ننتظر مكالمة ضرورية منه " فرحت بذلك ، و قلت تلقائيا : " إذن سأعتكف عند الهاتف ! " في ذات اللحظة رن هذا الأخير ، و قفزت مسرعة إليه ! " مرحبا ! هنا منزل شاكر جليل ... من المتحدث ؟ " كانت ابتسامتي تعلو وجهي ، و حين وصلني صوت الطرف الآخر : " رغد ! أهذه أنت ؟؟ " تلاشت الابتسامة بسرعة ، و قلت بشيء من الخيبة : " نعم ... سامر ، إنها أنا " و بعد بضع عبارات تبادلناها ، دفعت بالسماعة إلى والدي : " إنه سامر ... لن يحضر الليلة " و انصرفت عن المطبخ . حين سافر سامر ... لم أبك كما بكت أمي ... و كما بكيت لسفر وليد ... لم يكن هناك أي هاتف في غرفة نومي ، لذا جلست في غرفة المعيشة قريبة من التلفاز ، و كلما رن هاتف بادرت برفع السماعة قبل أن تنقطع الرنة الأولى ! و في كل مرة أصاب بخيبة أمل .... لكن ... لماذا أنا متلهفة جدا للتحدث إليه ؟؟ بعد فترة ، حضر الضيوف المرتقبون ، العريس و والداه و أخته الوحيدة ، صديقة دانه لو أؤلف كتابا في وصف دانه لسببت أزمة ورق ! سألخص ذلك بقول : كانت غاية في الجمال ، و الخجل ، و اللطف ، و السعادة ! تم الاتفاق على كل شيء ، و تعين تحديد يوم ليلة الخميس المقبلة لعقد القران ! لم أجلس مع ضيفتينا غير دقائق متفرقة ، و تمركزت عند الهاتف في انتظار اتصال من اتصل رجال العالم كلهم ببيتنا سواه ! عند العاشرة و النصف ، استسلمت ... و ذهبت في اتجاه غرفتي .. مررت بغرفة دانه ، فوجدتها مشغولة بإزالة المساحيق و الإكسسوارات التي تزين بها شعرها ! " كنت جميلة ! " نظرت إلي بغرور ، و قالت : " اعرف ! " ثم استطردت : " و سأكون أجمل في الحفلة ! علي أن أذهب للسوق غدا لشراء الحاجيات ! " " عظيم ! أنا أيضا سأشتري فستانا جديدا و بعض الحلي ! " ابتسمت دانه بسعادة ، و قالت : " كم أنا متوترة و قلقة ! ستكون حفلة رائعة " ثم أضافت ببعض الخبث : " أروع من حفلتك " لم أكن في السابق أتضايق كثيرا لتعليق كهذا ، ألا أنني الآن شعرت بالانزعاج ... قلت : " أنا لم تقم لي حفلة حقيقية ... لم يكن يوما مميزا " قالت : " وضعي أنا يختلف ! سأتزوج من أشهر لاعبي الكرة في المنطقة ، و أغناهم أيضا ... شيء مميز جدا ! ... والدي وعدني بليلة لا تنسى ! " أصابني كلامها بشيء من الخذلان و الحزن ، فأنا لم يعمل والدي لأجلي شيئا يذكر ليلة عقد قراني ... هممت بالانصراف ، توقفت قبل أن أغلق الباب ، و سألت : " هل سيكون وليد موجودا ؟؟ " شيء ما برق في عينيها و قالت : " نعم ، بالتأكيد سيكون موجودا ... لا يمكنه أن يتخلى عني أنا ! " ذهبت إلى غرفتي و أنا حزينة ... فوليد لم يتصل و دانه تسخر مني و من الطريقة التي تمت خطبتي بها ... رغم أنها كانت أكثر من أقنعني بأنه لأبد لي من الزواج من سامر ... فهو أقرب الناس إلي ، و هو يحبني كثيرا ، و هو مشوه بشكل يثير نفور بقية الفتيات ... و بسببي أنا .. ************************** فيما كنت أسخن بعض الفاصوليا على لهيب الموقد في المطبخ ، حضر صديقي سيف . لم أكن أتوقع زيارته ،كانت الساعة السادسة مساءا ، لكنني سررت بها " تفضل ! إنني أعد بعض الفاصوليا ... عشاء مبكر ! ستشاركني فيه " قلت ذلك و أنا أقوده إلى المطبخ ... حينما وصل و شم رائحة الفاصوليا قال بمرح : " تبدو شهية ! سأتناول القليل فقط ، فلدي ضيوف على العشاء هذا المساء " وضعت مقدارين منها في طبقين صغيرين ، مددت بأحدهما نحو صديقي و قلت : " جرب طهو ـ أو بالأحرى تسخين يدي ! " تناول سيف بعضها و استساغ الطعم ... ثم قال : " لكنها لا تقارن بأطباق والدتي ! يجب أن تشاركنا العشاء الليلة يا وليد " ابتسمت ابتسامة باهتة ، و لم أعلق ... " هيا يا وليد ! سأعرفك على زملائي و أصدقائي في العمل " قلت : " كلا لا يمكنني ، لدي ارتباطات أخرى " سيف نظر إلي باستنكار ... " أية ارتباطات ؟؟! " ابتسمت و قلت : " سآخذ الأطفال إلى الملاهي ! فقد وعدتهم بذلك " سيف كان يحرك الملعقة باتجاه فمه ، فتوقف في منتصف الطريق و قال : " أي أطفال ؟؟ " قلت بابتسام و أنا أقلب الفاصوليا في الطبق لتبرد قليلا : " رغد و دانة و سامر ! سأجعلهم يستمتعون بوقتهم ! " أعاد سيف الملعقة و ما حوت على الطبق ... و ظل صامتا بضع ثوان ... " ما بك ؟ ألم يعجبك ؟ " أعني بذلك الفاصوليا سيف تنهد ثم قال : " وليد ... ما الذي تهذي به بربك ؟؟ " تركت الملعقة تنساب من يدي ، و قد ظهرت علامات الجدية على وجهي الكئيب و قلت : " أتخيل أمورا تسعدني ... و تملأ فراغي ... " هز سيف رأسه اعتراضا ، و قال : " ستصاب بالجنون إن بقيت هكذا يا وليد ! بل إنك أصبت به حتما ... ينبغي أن تراجع طبيبا " دفعت بالكرسي للوراء و أنا انهض فجأة و أستدير موليا سيف ظهري ... سيف وقف بدوره ، و تابع : " لا تفعل هذا بنفسك ... أتريد أن تجن ؟؟ " استدرت إلى سيف ، و قلت : " ما الفرق ؟ لم يعد ذلك مهم " " كلا يا وليد ... لا تعتقد أن الدنيا قد انتهت عند هذا الحد ... لا يزال أمامك المستقبل و الحياة " قاطعته بحدّة و زمجرت قائلا : " المستقبل ؟؟ نعم المستقبل ... لرجل عاطل عن العمل متخرج من السجن لا يحمل سوى شهادة الثانوية المؤرخة قبل ثمان سنين ! و يخبئ بعض النقود التي استعارها من أبيه في جيب بنطاله ليشتري بها الفاصولياء المعلبة فيسد بها جوعه ... نعم إنه المستقبل " سيف بدأ يتحدّث بانفعال قائلا : " تعرف أن فرص العمل في البلد ضئيلة بسبب الحرب ، لكنني سأتدبر الأمر بحيث أتيح الفرصة أمامك للعمل معي ... " قلت بسرعة : " معك ؟ أم عندك ؟؟ " استاء سيف من كلمتي هذه و همّ بالانصراف . استوقفته و قدمت إليه اعتذاري ... لقد كان اليأس يقتلني ... و لا شيء يثير اهتمامي في هذه الدنيا ... قال سيف : " المزيد من الصبر ... و سترى الخير إن شاء الله " ثم تقدّم نحوي و قال : " و الآن ... تعال معي ... فالأشخاص الذين سيتناولون العشاء معنا سيهمك التعرف إليهم " لكنني رفضت ، لم أشأ أن أظهر أمام رجال الأعمال و أحرج صديقي ، لكوني شخص تافه خرج من السجن قبل أسابيع ... " كما تشاء ... لكنك ستحضر غدا ! عشاء خاص بنا نحن فقط ! " أومأت إيجابا ، إكراما لهذا الصديق الوفي ... قال سيف : " يا لك من رجل ! لقد أنسيتني ما جئت لأجله ! " " ما هو ؟؟ " " تلقيت اتصالا من والدك اليوم ، يريد منك أن تهاتفه للضرورة " شعرت بقلق ، فلأجل ماذا يريدني والدي ؟؟ " أتعرف ما الأمر ؟؟ " " لا فكرة لدي ، لكن عليك الاتصال بهم فورا " و أشار إلى الهاتف المعلق على الجدار ... قلت : " الخط مقطوع ! " " حقا ؟؟ " " كما كانت الكهرباء و المياه أيضا ! تصور أنني عشت الأيام الأولى بلا نور و لا ماء ! " ضحك سيف ثم قال : " معك أنت يمكنني تصور كل شيء ! هل تريد هاتفي المحمول ؟ " " لا لا ، سأتصل بهم من هاتف عام " سار سيف نحو الباب مغادرا ، التفت قبل الانصراف و قال : " موعدنا غدا مساءا ! " " كما تريد " و عدت إلى طبقي الفاصوليا التي بردت نوعا ما ، و أفرغتهما في معدتي ... لم يكن في المنزل أي طعام ، و كنت اشتري المعلبات و التهم منها القدر الذي يبقيني حيا ... تعمدت عدم الاتصال بأهلي طوال الأسابيع الماضية ، و عشت مع أطيافهم داخل المنزل حاولت البحث عن عمل و لكن الأمر كان أصعب من أن يتم في غضون بضع أسابيع أو أشهر ... في ذلك المساء ذهبت إلى أحد المحلات التجارية لشراء بعض الحاجيات ، قبل أن أجري المكالمة الهاتفية . حين حان دوري للمحاسبة ، أخذ المحاسب يدقق النظر إلي بشكل غريب ! نظرت إليه باستغراب ، فقال : " ألست وليد شاكر ؟؟ " فوجئت ، فلم يبد لي وجه المحاسب مألوفا ... قلت : " بلى ... هل تعرفني ؟؟ " قال : " و هل أنساك ! متى خرجت من السجن ؟؟ " عندما نطق بهذه الجملة أثار اهتمام مجموعة من الزبائن فأخذوا ينظرون باتجاهي ... شعرت بالحرج ، و تجاهلت السؤال ... فعاد المحاسب يقول : " ألم تعرفني ؟ لقد كنت ُ زميلا للفتى الذي قتلته ! عمّار " أخذ الجميع ينظر باتجاهي ، و شعرت بالعرق يسيل على صدغي ... جاء صوت من مكان ما يقول : " أ تقول أن المجرم قد خرج من السجن ؟؟ " تلفت من حولي فرأيت الناس جميعا ينظرون إلي بعيون حمراء ، يقدح الشرر من بعضها ، و ينطلق الازدراء من بعضها الآخر ... شعرت بجسمي يصغر ... يصغر ... يصغر ... ثم يختفي ... خرجت من المكان بسرعة ... دون أن آخذ حاجياتي ، و ركبت سيارتي و انطلقت مسرعا تشيعني أنظار الجميع ... لقد أصبحت ذا سمعة سيئة تشير إلي أصابع الناس بلقب مجرم ... توقفت عند أحد الهواتف العامة ، و اتصلت بمنزل عائلتي في المدينة الأخرى ... كانت الساعة حينئذ الحادية عشر ... و رن الهاتف عدة مرات و لم يجب أحد ... و أنا واقف في مكاني أراقب بعض المارة ، تخيلتهم ينظرون إلي و يتحدثون سرا ... ربما كانوا يقولون : إنه وليد المجرم ! و مرت مني سيارة شرطة تسير ببطء ... شعرت برعشة شديدة تسري في جسدي لدى رؤيتها ، كانت النافذة مفتوحة و أطل منها الشرطي و أخذ ينظر باتجاهي كدت أموت فزعا ... و تخيلته مقبلا نحوي ليقبض علي و يزج بي في السجن من جديد ... شعور مرعب مفزع ... ظلت يدي تضغط على أزرار عشوائية ، تتصل ربما بالمريخ أو المشتري ، دون أن أملك القدرة على التحكم بها ... حتى ابتعدت السيارة شيئا فشيئا و استعدت بعض الأمان ... أعدت الاتصال بمنزل عائلتي و بعد ثلاث رنات أو أربع ، أجاب الطرف الآخر ... " نعم ؟ " لم أميز الصوت في البداية ، لكنه عندما كرر الكلمة أدركت أنها كانت رغد ... " نعم ؟ من المتحدث ؟؟ " كان فكي الأسفل لا يزال يرتجف أثر رؤية سيارة الشرطة ... و ربما سمعت رغد صوت اصطكاك أسناني بعضها ببعض ... قربت السماعة من فمي أكثر ، و بيدي الأخرى أمسكت بفكي و طرف السماعة كمن يخشى تسرب صوته للخارج ... ربما سمع رجال الشرطة صوتي و عادوا إلي ! قلت : " أنا وليد " لم أسمع أي صوت فظننت أن الطرف الآخر قد أقفل السماعة ، قلت : " رغد ألا زلت معي ؟؟ " " نعم " ارتحت كثيرا لسماع صوتها أو ربما ... تعذبت كثيرا ... " وليد كيف حالك ؟ " " أنا بخير ، ماذا عنكم ؟ " " بخير . كنت أنتظرك ، أقصد كنا ننتظر اتصالك " قلت بقلق : " ما الأمر ؟؟ " رغد قالت : " لقد نام الجميع ، والدي يريد التحدث معك ، يجب أن تحضر " أقلقني حديثها أكثر ، سألت : " ما الخطب ؟؟ " " إنه موضوع زواج دانه ! لن أخبرك بالتفاصيل و إلا وبختني ! يجب أن تحضر قبل مساء الأربعاء المقبل " كان أمرا فاجأني ، و هو أكبر من أن أناقشه مع رغد و رغد بالذات على الهاتف في مثل هذا الوقت ... و المكان ... لذا اختصرت المكالمة بنية الاتصال نهار اليوم التالي لمعرفة التفاصيل ... " حسنا ، سأتصل غدا ... إلى اللقاء " " وليد ... " حينما سمعت اسمي على لسانها ارتجف فكي أكثر مما كان عند رؤية سيارة الشرطة .... خرجت الكلمة التالية مبعثرة الحروف ... " نـ ... ـعم ... صـ ... ـغيـ ... ـرتي ؟؟ " " عد بسرعة ! " و التي عادت بسرعة هي ذكريات الماضي ... و الذي طردها بسرعة هو أنا لم أكن أريد لشيء قد مات أن يعود للحياة ... قلت : " سأرى ، وداعا " و بسرعة أيضا أغلقت السماعة ... كم شعرت بقربها ... و بعدها ... حينما عدت إلى المنزل ، وقفت مطولا أمام غرفة رغد أحدق ببابها ... حتى هذه اللحظة لم أجرؤ على فتحها هي بالذات من بين جميع غرف المنزل الموحش ... دخلت إلى غرفتي الغارقة في الظلام ، و تمددت على سريري بهدوء ... ( عد بسرعة ... عد بسرعة ... عد بسرعة ... ) ظلت تدور برأسي حتى حفرت فيه خندقا عميقا ! سمعت طرقا على الباب ... طرقا خفيفا ... جلست بسرعة و ركزت نظري ناحية الباب ... كان الظلام شديدا ... شيئا فشيئا بدأ الباب ينفتح ... و تتسلل خيوط الضوء للداخل و عند الفتحة المتزايدة الحجم ، ظهرت رغد ! رغد وقفت تنظر إلي و وجهها عابس ... و الدموع منحدرة على خديها الناعمين ... هتفت ... " رغد ! " بدأت تسير نحوي بخطى صغيرة حزينة ... مددت ذراعي و ناديتها : " رغد تعالي ... " لكنها توقفت ... و قالت : " وليد ... عد بسرعة " ثم استدارت عائدة من حيث أتت جن جنوني و أنا أراها تغادر قفزت عن سريري و ركضت باتجاهها و أنا أهتف : " رغد انتظري ... رغد لقد عدت ... رغد لا تذهبي " لكنني عندما وصلت إلى الباب كانت قد اختفت ... أسرعت إلى غرفتها أطرق بابها بعنف ... كدت أكسره ، أو أكسر عظامي ... لكنه ظل موصدا ... كما هي أبواب الدنيا كلها أمام وجهي ... أفقت من النوم مذعورا ، فوجدت الغرفة تسبح في الظلام و الباب مغلق ... لم يكن غير كابوس من الكوابيس التي تطاردني منذ سنين ... و رغم أنها تعذبني ، ألا أنها تمنحني الفرصة لرؤية صغيرتي التي حرمت منها منذ سنين ... و لم يعد لها وجدود ... في اليوم التالي ، اتصلت بوالدي و عرفت منه تفاصيل الموضوع ... و لكم أن تتصوروا اللهفة التي كان هو و أمي و دانة أيضا ... يخاطبوني بها أختي الصغيرة ... التي كبرت بعيدا عن أنظاري و رعايتي و اهتمامي ، أصبحت عروسا " وليد يجب أن تحضر و تجلب لي هدية أيضا ! " و الآن ... و بعد مرور شهر واحد من هروبي منهم ، و عزلتي في المنزل، صار علي أن أعود إليهم من جديد ... أجر أذيال الخيبة و الفشل ... في المساء ، ذهبت لسيف و أخبرته بما جد من أمري ، و أخبرني بأنه استطاع تدبير وظيفة لي في الشركة التي يعمل فيها و يملك جزءا منها و بدأ أول أبواب الدنيا ينفتح أمامي أخيرا ... " يجب أن تعود بأسرع ما يمكن لتباشر العمل "
|
|
الحلقة الخامسة عشر أكاد أطير من الفرح ... لأن وليد سيأتي اليوم ... إنني منذ وقعت عيناي عليه يوم حضوره قبل شهر ، و أنا أحس بشيء غريب يتحرك بداخلي ! أهي كريات الدم في عروقي ؟؟ أم شحنات الكهرباء في أعصابي ؟؟ أم تيارات الهواء في صدري ؟؟ بين الفينة و الأخرى ، أخرج إلى فناء المنزل ... و أترقب حضوره متى سيصل ؟؟ سامر أيضا سيعود هذه الليلة ، فمنذ سافر للمدينة الأخرى قبل أسابيع من أجل العمل لم نره ... استدرت للخلف ، فإذا بأمي واقفة عند المدخل الرئيسي ، تنظر إلي ! " رغد ... ما ذا تفعلين ؟؟ " اضطربت قليلا ، ثم قلت : لا شيء ... والدتي ابتسمت ، و قالت : " لقد قال سامر إنه سيصل ليلا ! لا تُقلقي أعصابك ! " شعرت بغضة في حلقي و كدت أختنق ! إنني لم أر سامر منذ أسابيع ... و أعلم أنه سيعود ليلا ... لكنني ... لكنني كنت أرتقب وليد ! كان هذا يوم الأربعاء ... ، و في هذا المساء سيتم عقد قران دانة ... إنها مشغولة جدا هذا اليوم ، و كذلك هي أمي ... و الاضطراب يسود الأجواء ... " تعالي و ساعدينا ! " ألقيت نظرة على الباب الخارجي للمنزل ، و مضيت مذعنة لطلب أمي ! كانت دانة تجفف شعرها بمجفف الشعر الكهربائي المزعج ، قلت : " فيم أساعدك ؟؟ " و يبدو أن صوته الطاغي منعها من سماعي ، فكررت بصوت عال : " دانة فيم أساعدك ؟؟ " انتبهت لي أخيرا ، و قالت : " تعالي رغد و جففي هذا المتعب ! " دانة كان لها شعر طويل و كثيف مع بعض التموج ، على العكس من شعري القصير الأملس الناعم ! تناولت المجفف الساخن من يدها و بدأت العمل ! صوت هذا الجهاز قوي و أخشى أن يعيق أذني عن سماع صوت جرس الباب ! مرت الدقائق و أنا أحاول الإسراع من أجل العودة للفناء ! " رغد ! جففي بأمانة ! " قالت ذلك دانة و هي تنظر إلي عبر المرآة ... فابتسمت ! فستان دانة كان جميلا و أنيقا جدا ، و موضوعا على سريرها بعناية لدانة ذوق رائع جدا في اختيار الملابس و الحلي و أدوات التجميل ! لدى عبور هذه الفكرة برأسي تذكرت طقم الحلي الذي رأيته ليلة الأمس و أثار إعجابي الشديد و أردت اقتنائه ، غير أن نقودي لم تكن كافية فأجلت الأمر لهذا اليوم " يجب أن أذهب مع آبى لشراء ذلك الطقم قبل أن يحل الظلام ! " " حقا ستشترينه ؟ إنه باهظ الثمن ! " " طبعا سأشتريه ! ماذا سأضع هذه الليلة إذن ؟؟ " " لم لا تضعين العقد الذي أهدتك إياه والدتي قبل أسابيع ؟؟ " لم تعجبني الفكرة ، فلقد رأته لمياء ـ شقيقة نوّار ، خطيب دانة ـ يوم حفلتي ! إنها أمور نكترث لها نحن الفتيات ! أو على الأقل ، معظمنا ! قلت : " بل سأشتري شيئا جديدا ! يليق بقرانك ! " و ضحكنا ! لمحت والدتي مقبلة من ناحية الباب فأوقفت تشغيل الجهاز و قلت بسرعة : " هل حضر ؟ " ثم أضفت بسرعة ، تغطية على الحقيقة : " أقصد والدي ؟ أريد أن يصحبني لسوق المجوهرات ! " قالت والدتي : " ماذا تودين من سوق المجوهرات ؟؟ " " سأشتري عقدا جديدا أرتديه الليلة ! " بدا على والدتي بعض الاستياء ... ثم قالت : " أليس لديك ما يناسب ؟ سأعيرك مما عندي إن شئت " عرفت من طريقة كلامها أنها لا تريد مني شراء المزيد . أعدت تشغيل الجهاز و واصلت تجفيف شعر دانة الطويل حتى انتهيت ... بصمت ... بعدها خرجت من الغرفة قاصدة الذهاب إلى غرفتي ، إذ أن بي شحنة استياء أريد إفراغها ... و أنا أمر من والدتي قالت : " رغد اذهبي للمطبخ و أتمي تحضير الكعك ، سأوافيك بعد قليل " أذعنت للأمر ... و قضيت قرابة الساعة في عمل المطبخ الممل ، حتى أتت والدتي وتقاسمنا العمل ... بعد فترة همت بالانصراف ، فبالي مشغول بانتظار وليد ، و حين رأتني أمي سائرة نحو الباب : " إلى أين رغد ؟؟ " " سأذهب للاستحمام ! " " انتظري ! تعرفين ما من مساعد لي غيرك اليوم ... ! اغسلي الأطباق و الصواني و رتبي الأواني في أماكنها ، ثم تولي كي و طي الملابس ! العمل كثير هذا اليوم ! " شعرت بالضيق ! لم أكن أحب العمل في المطبخ و كنت أتولى أقل من ثلث العمل المقسم بيننا نحن الثلاث ، أمي و دانة و أنا ، لكنني اليوم مضطرة للتضحية بنعومة يدي ! أثناء ترتيبي للأواني سمعت صوتا مقبلا من جهة مدخل المنزل الرئيسي ربما يكون وليد ! أسرعت بوضع الأواني على عجل فانزلق من يدي بعضها و تحطم على الأرضية الملساء الصلبة ! " أوه رغد ! ماذا فعلت ! " والدتي نظرت إلي بانزعاج ، فزاد ضيقي .. " انزلقت من يدي ! " و تركت كل شيء و هممت بالانصراف " إلى أين ؟؟ " " سأرى من عند الباب أمي ! " و لم أكد أغادر ، إذ أن والدي قد وصل ، و دخل المطبخ يحمل الكثير من الأغراض عدت إلى الأواني المحطمة أرفعها عن الأرض و أنظف الأرضية من شظايا الزجاج ثم كان علي ترتيب الأغراض التي جلبها أبي في أماكنها المخصصة ... و الكثير الكثير قمت به فيما دانة في غرفتها ، تسرح شعرها و تتزين ! حالما انتهيت من جزء من عمل المطبخ ، قلت لوالدي و الذي كان يجلس على المقعد عند الطاولة يكتب بعض الملاحظات على ورقة صغيرة : " أبي ... هل لا اصطحبتني إلى أحد محلات الحلي ؟ لي حاجة سأشتريها و أعود " أمي نظرت إلي و قالت مباشرة : " عدنا لذلك ؟ خذي ما تشائين من حليي و لا داعي لإضاعة المال و الوقت ! لدينا الكثير لنفعله الآن ! " قلت : " و لكن ... إنه جميل جدا و أريد أن أرتديه الليلة ! " قالت : " هيا يا رغد ! عوضا عن ذلك رتبي الملابس أو غرفة الضيوف و الصالة ... النهار يودعنا " لم أناقش أمي ، بل نظرت إلى أبي و هو منهمك في تدوين كلمات على الورقة و قلت : " أبي ... لن أتأخر ! سأشتريه و نعود فورا ! " والدي قال دون أن يرفع عينيه عن الورقة : " فيما بعد رغد ، لدي مهام أخرى أقوم بها الآن " خرجت من المطبخ و أنا أشعر بالخيبة و الخذلان ... و ذهبت إلى الغرفة الخاصة بالملابس ، أكويها و أطويها و أرتبها ، و دمعة تتسلل من بين حدقتي من حين لآخر ... كنت أكوي فستاني الجديد الذي سأرتديه الليلة بشرود و أسى ... لماذا علي أن أعمل بهذا الشكل !؟ لماذا لا يجلب والدي خادمة للمنزل ؟؟ هنا سمعت صوت جرس الباب يقرع ... لأبد أنه وليد ! تركت كل شيء بإهمال و طرت نحو باب المخرج ، في نفس اللحظة التي أقبل فيها والدي نحو الباب ... قال : " اذهبي و ارتدي الحجاب ، قد يكون وليد ! " رجعت فورا إلى غرفة الملابس و سحبت حجابا لي من كومة الملابس ( المجعدة ) و لبسته كيفما اتفق ، و هرعت نحو المدخل ... فتحت باب المدخل لأطل على الفناء الخارجي ، و أرى أبي و وليد متعانقين عند البوابة الخارجية ... أقبلت أمي مسرعة و فتحت الباب و خرجت مهرولة إلى وليد ... وقفت أنا عند الباب الداخلي أنظر و دموعي تفيض من عيني رغما عنها ... لقد كان وليد واقفا بطوله و عرضه و جسده العظيم ، يحجب أشعة الغروب عن وداع ما غطاه ظله الكبير ، يضم والديه إلى صدره و ينهال برأسه البارز على رأسيهما بالقبل ... وقفت أراقب ... و أنتظر ... لقد طال العناق و الترحيب ... و لم يلتفت أو لم ينتبه إلي ! و فيما أنا كذلك ، و إذا بالباب يفتح ، و تنطلق منه دانة مسرعة كالقذيفة الموجهة نحو وليد ! تعانقا عناقا حميما جدا ، و دانة تقول بفرح : " كنت واثقة من أنك ستحضر ! كنت واثقة من ذلك " و وليد يضمها إلى صدره ثم يقبل جبينها و يقول : " طبعا سآتي ! كم شقيقة لدي ؟؟ ... ألف مبروك عزيزتي " كل هذه الحرارة المنبعثة من اللقاء الحميم أمام عيني جعلتني أن صهر ! و بدا أن دموعي على وشك التبخر من فرط حرارة خدي ّ وليد ! من أي طينة خلقت أنت ؟؟ و لماذا تنبعث منك حرارة حارقة بهذا الشكل ! ألا تحس الأشجار أن الشمس قد ارتفعت بعد الغروب !؟ و أخيرا ، تحرك الثلاثة مقبلين نحوي ... نحو المدخل ... أخيرا لامست نظراتي الجمرتين المتقدتين ، المتمركزتين أعلى ذلك الرأس ... مفصولتين بمعقوف حاد ، يزيدهما شرارا ... و حدة ... و اشتعالا ! توهج وجهي احمرارا و تلعثم قلبي في نطق دقاته المتراكضة ... و شعرت بجريان الأشياء الغريبة في داخلي ... الدماء سيا لات الأعصاب و الأنفاس ! و هو يخطو مقتربا ، و حجمه يزداد ... و رأسه يعلو ... و عنقي يرتفع ! سقطت أنظاري فجأة أرضا و كأن عضلات عيني قد شلت ! لم أستطع رفعهما للأعلى لحظتها ... و جاء صوته أخيرا يدق طبلتي أذني ... بل يكاد يمزقهما ! " كيف حالك صغيرتي ؟؟ " و كلمة صغيرتي هذه تجعلني أحس أكثر و أكثر بصغر حجمي و ضآلتي أمام هذا العملاق الحارق ! رفعت عيني أخيرا ببعض الجهد و أنا أضم شفتي مع بعضهما البعض استعدادا للنطق ! " بخير ... " و لكن ... حين وصلت عيناي إلى جمرتيه ، كانتا قد ابتعدتا ... لم يكن وليد ينظر إلي ، و لا حتى ينتظر جوابي ! لقد ألقى سؤاله بشكل عابر و أشاح بوجهه عني قبل أن يسمع حتى الإجابة ... و هاهي دانة تفتح الباب ... و ها هو يدخل من بعدها ... و يدخل والداي من بعده ... و ينغلق الباب من بعدهم ! وقفت متحجرة في مكاني لا شيء بي يتحرك ... حتى عيناي بقيتا معلقتين في النقطة التي ظنتا أنهما ستقابلان عيني وليد عندها ... مرت برهة ... و أنا أحدق في الفراغ ! هل كان وليد هنا ؟؟ هل مر وليد من هنا ؟؟ هل رأته عيناي حقا ؟؟؟ لم أجد جوابا حقيقيا ... بدا كل شيء كالوهم و الخيال ! أفقت من شرودي و استدرت ، و فتحت الباب فدخلت ... و وصلتني أصوات أفراد أسرتي من غرفة المعيشة ... حركت قدمي بإعياء شديد متجهة إلى حيث هم يجلسون ... كان وليد يجلس على مقعد كبير ، و هم إلى جانبيه ... لا أظن أن أحدا انتبه لوجودي ! وقفت عند مدخل الغرفة أراقبهم و جميعهم مسرورون و أنا تعيسة ! بعد قليل ، أمي قالت فجأة : " أتشمون رائحة شيء يحترق ؟؟ " الشيء الذي قفز إلى رأسي هو المقعد الذي يجلسون عليه ! ربما احترق من حرارة وليد ! و بالفعل شممت الرائحة ! " إنها قادمة من هناك ! " و أشارت والدتي نحوي ... طبعا كانت تقصد من خارج الغرفة ألا أنني ألقيت نظرة سريعة على ملابسي لأتأكد من أنها لا تقصدني ! و قفت أمي و كذلك وقف الجميع ، و أقبلت هي مسرعة قاصدة التوجه نحو المطبخ ... لم تجد ما يحترق هناك ... ثم سمعت صوتها تنادي بقوة: " رغد تعالي إلى هنا " ذهبت إليها ، كانت في غرفة الملابس ... تفصل سلك المكواة عن مقبس الكهرباء ! صحت : " أوه ! يا إلهي ! " و أسرعت إلى الفستان الذي نسيت المكواة فوقه و خرجت مسرعة لاستقبال وليد ! " انظري ما فعلت ! سترتدينه الليلة محروقا بهذا الشكل ! " أخذت الفستان و جعلت أدقق النظر في البقعة المحروقة ، و أعض شفتي أسفا و حسرة ... " ماذا سأفعل الآن ؟؟ " قلت بيأس ... فأجابت أمي بغضب : " ترتدينه محروقا ! فنحن لم نشتره لنرميه " عند هذا الحد ... و لم أتمالك نفسي ... و انخرطت في بكاء شديد رغما عني ... في نفس اللحظة التي كانت أمي تغادر فيها الغرفة كان البقية مقبلين يتساءلون عما حدث و ما احترق ... والدي قال : " ماذا حصل ؟؟ " أمي أجابت باستياء : " تركت فستانها يحترق ! و قبل قليل كسرت الأطباق ! لا أعرف متى ستكبر هذه الفتاة " كان الأمر سيغدو مختلفا لو أن وليد لم يكن موجودا يرى و يسمع ... كم شعرت بالحرج و الخجل ... إنني لست طفلة و مثل هذه الأمور لم تكن لتحدث لو أنني لم أكن مضطربة و مشتتة هذا اليوم ... كما و أن أمي لم تكن لتصرخ بوجهي هكذا لو لم تكن هي الأخرى مضطربة و قلقة ، بسبب الليلة ... رميت بالفستان جانبا و أسرعت الخطى قاصدة الهروب و الاختفاء عن الأنظار ... كان وليد يقف عند الباب و يسد معظمه ، و حين وصلت عنده لم يتحرك ... كنت أنظر إلى الأرض لا أجرؤ على رفع نظري إلى أي منهم ، ألا أن بقاء وليد واقفا مكانه دون أن يتزحزح جعلني أرفع بصري إليه .... الدموع كانت تغشي عيني عن الرؤية الواضحة ... وليد نظر إلي نظرة عميقة دون أن يتحرك ... " إذا سمحت ... " قلت ذلك ، فتنحى هو جانبا ، و انطلقت أسير بسرعة نحو غرفتي ... في غرفتي ، أطلقت العنان لدموعي لتفيض بالقدر الذي تريد كان يومي سيئا ! كم كنت سعيدة في البداية ! و الآن ... حزينة ... محرجة ... مجروحة الخاطر ... مخذولة ... بدموع جارية ... و قلب معصور ... و فستان محروق ! و بلا حلي ! أكثر ما أثر بي ... هو الاستقبال البليد الذي استقبلني به وليد ... و أنا من كنت أحترق شوقا لرؤيته ! غمرت وسادتي البريئة من أي ذنب بالدموع الحارة المالحة ... و بقيت حبيسة الألم و الغرفة فترة طويلة .... بعد مدة سمعت طرق الباب ... قمت بتململ و فتحته ، فرأيت أمي ... تحاشيت النظر إليها ، فأنا خجلة منها و لست مستعدة لتلقي أي توبيخ هذه الساعة ... أمي قالت : " رغد ! على الأقل ابدئي الاستعداد ! ألم تستحمي بعد ؟؟ " وجدت نفسي أقول بغضب و انفعال : " لن استحم ، و لن أحضر معكم و سأنام حتى الغد " أمي صمتت قليلا ثم قالت بنبرة عطوفة : " يا عزيزتي لم أقصد توبيخك ، لكنك تتصرفين بشكل غريب اليوم ! هيا ابدئي الاستعداد ... " رفعت رأسي إليها و قلت : " بم ؟ لا فستان و لا حلي ! " تنهدت أمي و قالت : " ارتدي أي شيء ! ما أكثر ما لديك " لم اقتنع ، فأنا أريد أن أظهر جديدة في كل شيء الليلة ! أليست ليلة مميزة؟ إنه عقد قران أختي دانه ! قلت : " لن أحضر دون فستان جديد و مجوهرات ! دعوني أبقى في غرفتي فهذا أفضل و متى ما انتهيتم سأساعدكم في تنظيف المنزل " و بكيت بكيت بشدة ، و ليس سبب بكائي هو الفستان أو الأواني المكسورة ! إنه قلبي الذي يعتصر ألما من تجاهل وليد لي بهذه الطريقة ! لماذا فعل ذلك ؟؟ ألم أعد مهمة لديه ؟؟ ألم يعد بألا يسمح لدموعي بالانهمار ؟؟ إنه الذي يفجرها من عيني بغزارة هذه اللحظة ... أعرف أن أمي تحبني و تدللني ، مثل أبي ... و هذا ما اعتدته منهما ... لذلك حين قالت : " حسنا ... اذهبي بسرعة مع أبيك لشراء شيء مناسب على عجل " لم أفاجأ ، بل مسحت دموعي مباشرة خصوصا و هي تنظر إلى الساعة بقلق ... أخرجت حقيبتي من أحد الأدراج ... و قلت : " لا أملك مبلغا كافيا " ذهبت أمي و عادت بعد قليل تحمل بعض الأوراق المالية ، و قالت : " سأخبر أبيك كي يشغل السيارة ، أسرعي رغد " و ذهبت ، و ارتديت عباءتي و خرجت بعدها ... و فيما أنا أجتاز الردهة ، إذا بها مقبلة نحوي تقول : " لا فائدة يا رغد لقد خرج والدك ! " كان والدي مشغولا طوال اليوم ، و ها قد غادر من جديد ... أطلقت تنهيدة يأس مريرة و رميت بالحقيبة جانبا و قلت : " قلت لك أنني لن احضر ... دعوني و شأني " و أوشكت على البكاء أمي قالت : " قد يعود بعد قليل ... " لكنني كنت قد فقدت الأمل ! جلست على المقعد و أسندت خدي إلى يدي في أسى ... " أي مكنني فعل شيء ؟؟ " كان هذا صوتا رجاليا جعلني أسحب يدي فجأة من تحت خذي فينحني رأسي للأسفل ثم يرتفع للأعلى ... للأعلى ... للأعلى ! العملاق وليد ! أمي و وليد تبادلا النظرات ، ثم قالت أمي : " ننتظر أن يعود والدك ليصحبها إلى السوق ! " قال : " لدي سيارة ... إذا كان الأمر طارئا ... " الأشياء الغريبة الثلاثة بدأت تجري في داخلي و تتسابق ! أمي قالت : " أنت ... قدمت لتوك ! اذهب و نم قليلا في غرفة سامر ... " " لست متعبا جدا " " ... ثم أنك لا تعرف المنطقة ! " قال و هو ينقل بصره بيني و بين أمي : " لكنكما تعرفان ! " أي نوع من الأفكار تعتقدون أنني رأيتها ؟؟ مجنونة ! قالت أمي بتردد : " إنني مشغولة في المطبخ " فاستدار وليد إلي و قال : " و أنت ؟ تحفظين الطريق ؟؟ " ربما كان سؤاله عاديا أو ربما استهانة بي ! فهل أنا طفلة صغيرة لا أعر ف الطرق ؟؟ قلت : " نعم ! طبعا " ثم نظرت إلى أمي أحاول قراءة رأيها من عينيها ... أمي بدت مترددة ... لكنها قالت بعد ذلك موجهة كلامها لي أنا: " ما رأيك رغد ؟؟ " أنا أقرر قبل أن أفكر في أحيان ليست بالقليلة ! قلت : " حسنا " و وقفت و سحبت حقيبتي ... التفتت أمي نحو وليد و قالت : " انتبه لها " وليد دخل على غرفة المعيشة و أحضر مفتاح سيارته ، و الذي كان قد تركه على المنضدة ... تقدمت نحو باب المنزل و وقفت في انتظاره ، حتى إذا ما أقبل فتحت الباب و خرجت قبله ! خطواتي أنا قصيرة و بسيطة ، كيف لها أن تضاهي خطواته الواسعة الشاسعة !؟ سبقني و خرج من البوابة الخارجية لفناء المنزل ... و سمعت صوت باب سيارة ينفتح ... ما أن خرجت من البوابة ، حتى وقعت عيناي على سيارة وليد ... نفس السيارة التي كان يقودها منذ سنين ... المرة الأخيرة التي ركبت فيها هذه السيارة كانت في أسوأ أيام حياتي ... شعرت بقشعريرة شديدة تجتاحني و ثبت في مكاني و لم أجرؤ على المضي خطوة للأمام ... وليد شغل السيارة و انتظرني ... و طال انتظاره ! التفت نحو الباب فوجدي واقفة هناك بلا حراك ضغط على جرس السيارة لاستدعائي لكنني لم أتحرك الشيء الذي تحرك هو شريط الذكريات القديمة البالية ... الموحشة البائسة ... التي طردتها من خيالي عنوة ... وليد فتح الباب و خرج من السيارة و نظر باتجاهي و قال : " ألن تذهبي ؟؟ " تحركت قدماي دون إدراك مني و اقتربت من السيارة مددت يدي فإذا بها تلقائيا تتوجه إلى الباب الأمامي ، فأجبرتها على الانحراف نحو الباب الخلفي ، فتحته و جلست على المقعد الخلفي فيما وليد يجلس في المقدمة و إلى اليسار مني ... يكاد شعره الكثيف يلامس سقف السيارة ! عندما كنا صغارا ، أنا و دانة ... كنا نتشاجر من أجل الجلوس على المقعد الذي أجلس خلفه مباشرة الآن ! وليد انطلق بالسيارة نحو الشارع الرئيسي ثم سألني و هو يراقب الطريق : " أين نتجه ؟ " سار وليد ببطء نسبيا يسألني عن الطرق و المنعطفات ، و أرشده إليها حتى بلغنا المكان المطلوب . كان سوقا صغيرا مليئا بالناس ... أوقف وليد السيارة ، ففتحت الباب و خرجت و تقدمت للأمام وليد لم يخرج ، و سمعت صوته عبر نافذة الباب الأمامي المفتوحة يقول : " كم ستبقين ؟؟ " تعجبت ، فقلت و أنا أقرب وجهي من النافذة بعض الشيء : " ألن تأتي معي ؟؟ " وليد صمت قليلا ، و ربما ارتبك ، ثم قال : " و هل يجب أن آتي معك ؟؟ " قلت : " نعم ! " قال : " سأنتظرك هنا ... هذا أفضل " بقيت واقفة في مكاني لحظة ، فعاد يقول : " هل يجب أن أرافقك ؟؟ " قلت : " أو تعيدني للبيت " و تراجعت للوراء و مددت يدي قاصدة فتح الباب الخلفي ... وليد فتح بابه و نزل و دار حول السيارة نصف دورة حتى صار إلى جانبي قلت : " من هنا
|
|
حينما بلغنا المتجر المقصود ، و هو متجر للملابس ، و كان يعج بالكثيرين، دخلته و توجهت نحو زاوية معينة ...
التفت إلى الخلف فوجدت وليد واقفا في الخارج ينظر من خلال زجاج المتجر ... عدت أدراجي إليه بسرعة ... ثم قلت : " ألن تدخل معي ؟؟ " وليد بدا مترددا حائرا ... ربما هو غير معتاد على ارتياد الأسواق ! لذا تحرك ببطء ... لأنني قمت بزيارة المتجر يوم أمس فأنا أعرف ما يوجد و ما يناسب ، لذا لم استغرق سوى دقائق حتى اشتريت فستانا مختلفا عن فستاني المحروق ! إنه أجمل و أغلى ! حينما هممت بالمحاسبة أخرج وليد محفظته ، و دفع الثمن ! كم أنا خجلة منه ! آمل ألا يفعل ذلك في متجر المجوهرات ! لم يكن وليد يتحدث ، بل كان يسر على مقربة مني بصمت و اضطراب ... أنا أيضا كنت خرساء جدا ! أقبلنا نحو متجر المجوهرات ، و كان الآخر مزدحما بالناس ، و معظمهم سيدات دخلناه و أخذت عيناي تفتشان عن الطقم الجميل الذي أغرمت به يوم أمس ... لم يكن موجودا في مكانه فخشيت أن تكون سيدة ما قد سبقتني بشرائه ! جلت ببصري في المتجر حتى وجدت ضالتي ، التفت للوراء فلم أجد وليد ... تلفت يمنة و يسرة و لم أجده ... أقبل صاحب المتجر يسألني : " ماذا أعجبك سيدتي ؟ " أسرعت مهرولة نحو الباب و نظرت من حولي فوجدت وليد واقفا يتأمل بعض التحف المعروضة في متجر مجاور ... " وليد " نادينه و أنا مقبلة إليه أحث الخطى ... التفت إلي : " هل انتهيت ؟ " " لا " تعجب ! و قال : " إذن ؟؟ " قلت : " لا تبتعد عني " بقي متعجبا برهة ثم أقبل معي و عدنا لذلك المتجر ... اشتريت الطقم الباهظ الثمن و حين سمع وليد بالسعر اضطرب قليلا فتح محفظته ليلقي بنظرة على ما بداخلها ألا أنني أسرعت بإخراج النقود من حقيبتي و دفعتها إليه قبل أن نغادر المتجر قال وليد : " أي شيء يصلح هدية صغيرة لدانة ؟ فأنا لا أعرف ماذا تحب ! " أما أنا فاعرف ماذا تحب ! اعتقد أن الرجال لا يحتارون كثيرا في اختيار هدية لامرأة ! لأن المجوهرات موجودة دائما ... و تتجدد دائما ... و غالية دائمة ... و نعشقها دائما ! اخترت شيئا جميلا و بسيطا ، و معتدل السعر ، فاشتراه وليد دون تردد خرجنا بعد ذلك من المتجر متجهين نحو البوابة ، و أثناء ذلك عبرنا على أحد محلات الأحذية الرجالية فقال وليد : " سألقي نظرة " و سار خطى سريعة نحو المدخل ... كان في المتجر عدد من الرجال و الأطفال ... و أنا أرى وليد يبتعد ... و يهم بدخول المتجر ... و المسافة بيننا تزداد خطوة بعد خطوة ... و الناس يتحركون من حولي ... ذهابا و إيابا ... و رجال يدخلون ... و رجال يخرجون ... و وليد يكاد يختفي بينهم ، ناديت بصوت عال : " وليد " و رغم الازدحام و الضوضاء الصادرة من حركة الناس و كلامهم ، سمعني وليد فالتفت إلي ... أنا أسرعت الخطى المضطربة باتجاهه ... و هو اقترب خطوتين ... و حين أصبحت أمامه قلت : " لا تتركني وحدي " وليد يعلوه الاستغراب ، قال مبررا : " سألقي نظرة سريعة فحسب ... لدقيقة لا أكثر " عدت أقول : " لا تتركني وحدي " عدل وليد عن فكرة إلقاء تلك النظرة ، و قال : " هل تريدين شيئا آخر ؟؟ " قلت : " كلا " قال : " إذن ... هيا بنا " عندما عدنا إلى المنزل ، و قبل أن يفتح لنا الباب بعد قرع الجرس ، التفت إليه و قلت : " شكرا ... وليد " لكن أذهلني الوجوم المرسوم على وجهه ! كأنه مستاء أو أن مرافقتي قد أزعجته إنني لم أطلب منه ذلك بل هو من عرض المساعدة ! دخلنا إلى الداخل ، فتوجه هو تلقائيا نحو المطبخ ، فسرت خلفه ... والدتنا كانت لا تزال منهمكة في العمل ، حين رأتنا بادرت بسؤالي : " هل وجدت ما أردت ؟؟ " و أخذت تنظر إلى الكيس الذي أحمله ... " نعم " و فتحت الكيس ، و أخرجت منه كيسا آخر صغير يحتوي على علبة المجوهرات ... ما أن رأتها أمي حتى هزت رأسها اعتراضا و استنكارا ... فهي لم تكن تشجعني على شراء المزيد ، فقلت بسرعة مبررة : " إنه طقم رائع جدا ! انظري ... " و قربته منها فتأملته و قالت : " نعم رائع و لكن ... " لم تتم الجملة ، بل قالت : " و لكنك اشتريته على أية حال ! " ابتسمت ابتسامة النصر ! و التفت نحو وليد الذي كان يتابع حديثنا و قلت : " أليس رائعا ؟ ما رأيك ؟؟ " وليد بدا مضطربا بعض الشيء ، ثم قال : " لا أفهم في هذه الأمور ، لكن ... نعم رائع " و توجه نحو أحد المقاعد و جلس باسترخاء ... أمي قالت : " بني ... اذهب و استرخ في غرفة سامر لبعض الوقت ! إنك مجهد " الآن وليد ينظر باتجاه والدتي ، و لا أقع أنا في مجال الرؤية لديه ... باستطاعتي أن أدقق النظر في أنفه المعقوف دون أن يلاحظ ! ما حكاية هذا الأنف يا ترى !؟ أخذت أتخيل شكل وليد قبل أن يسافر ... كم يبدو مختلفا الآن ! " رغد ألن تستعدي ؟؟ " انتبهت على صوت والدتي تكلمني ، أجبت باضطراب و كلي خشية من أن تكون شاهدتني و أنا أتأمل ذلك الأنف ! " حاضر ، نعم سأذهب " و انطلقت نحو غرفتي ... ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ بعد أن غادرت رغد ، هممت بالذهاب إلى غرفة أخي سامر و تأدية الصلاة ثم الاسترخاء لبعض الوقت ... إنني متعب بعد مشوار الحضور الطويل نظرت إلى فتحة الباب لأتأكد من أن رغد قد ابتعدت ، ثم قلت : " أمي ... لم كانت رغد تبكي ؟؟ " أمي كانت تزين قالب الكعك بطبقة من الشيك ولا ، و كانت الكعكة شهية المنظر ! قالت أمي : " لأنها حرقت فستانها كما رأيت ! تصور ! لقد اشترته يوم الأمس بمبلغ محترم ... ! " صمت برهة ثم قلت : " و الآخر أيضا غال الثمن ، و حتى هذا الطقم " ابتسمت والدتي و قالت : " إنها تبذر النقود ، هذا أحد عيوبها ! " أوه هكذا ؟ جيد ... ! لقد عرفت شيئا جديدا عن طفلتي ... أصبحت مبذرة للمال أيضا ؟؟ و ماذا بعد ...؟؟ قلت بتردد : " هل ... هل ... تحسنون معاملتها ؟؟ " رفعت أمي بصرها عن الكعكة و نظرت نحوي باستغراب ... ثم قالت : " طبعا ! بالتأكيد ! بل إننا ... ندللها كثيرا ! " تنهدت بارتياح نسبي ، و عدت أقول : " إذن ... لماذا كانت تبكي ؟؟ " أمي تعجبت أكثر ، و قالت : " قلت لك ... بسبب الفستان ! " قلت : " لا أمي ... أعني قبل ذلك " " قبل ذلك ؟؟ " " عندما خرجت لاستقبالي فور وصولي ... " في غرفة أخي سامر ، و الذي سيصل بعد قليل قادما من المدينة الأخرى حيث يعمل ، اضطجعت على السرير و سبحت في محيط لا نهائي من الأفكار ... الشيء الذي أثار قلقي هو الطريقة التي وبخت فيها والدتي رغد بعد وصولي بقليل ... فهل حقا يحسن الجميع معاملتها و يدللها ؟؟ لم أتحمل رؤيتها تبكي ... عندما كنا في منزلنا القديم ، لم أكن لأسمح لأحد بأن يحزنها بأي شكل من الأشكال ، مهما فعلت كانت دانه دائما تتشاجر معها أو تضربها ، و كنت دائما أقف في صف صغيرتي ضد أي كان ... ترى ... هل تذكر هي ذلك ؟؟ أم أنني أصبحت من الماضي المنسي ... و الأحلام الوهمية ... و الذكريات المهجورة ؟؟ حاولت النوم و لم أستطع ، لذا عدت إلى غرفة المعيشة فوجدت والديّ و رغد هناك ... تبادلنا بعض الأحاديث عن عريس دانة ، و هو لاعب كرة ذاع صيته و اشتهر في الآونة الأخيرة ... قلت : " و لكن ألا تفكر في متابعة دراستها ؟ إنها لا تزال صغيرة على الزواج ! " قال أبي : " لا تريد الدراسة ، و هو عريس جيد ! كما و أنها في سن مناسب ! فليوفقهما الله ! " لحظات و إذا بسامر يحضر ، و يحظى بترحيب لا يقل حرارة عن ترحيبهم بي ... بدأ سامر بأكبرنا ، ثم حين جاء دوري ، صافحني بحرارة و شوق كبيرين جدا ... و أطال عناقي الأخوي ... أشعرني هذا بقربه مني ، بعدما فرقت السنين بيننا ... و بأنني لازلت أملك عائلة تحبني و ترغب في وجودي في أحضانها ... شيء رفع من معنوياتي المتدهورة لكن ... سرعان ما انحطت هذه المعنويات و اندفنت في لب الأرض تحت آلاف الطبقات من الحجر و الحديد و الفولاذ ، حين أقبل إلى رغد يصافحها و يضمها إلى صدره و يقبل جبينها بكل بساطة ... لو كنت بركانا ... أو قنبلة ... أو قذيفة نارية ، لكنت انفجرت لحظتها و دمرت كوكب الأرض بأسره و نسفته نسفا و حولته إلى مسحوق غبار لكنني كنت وليد أو بالأصح ... شبح وليد ... ما الذي دعاني لتمالك نفسي ؟؟ لا أعرف ... لقد كان باستطاعتي أن أحطم رأس أي مخلوق يقف أمامي شر تحطيم و لو ضربت الجدار بقبضتي هذه لسببت زلزالا مدمرا و لهوى السقف و قضى علينا جميعا ... لكنني اكتفيت بان أحفر أسناني من شدة الضغط ، و أمزق أوتار يدي من قوة القبض ... ليت أمي لم تلدك يا سامر ليتك تتحول إلى أي رجل آخر في العالم ، لكنت استأصلت روحك من جسدك و مزقتك خلية خلية ... " أين العروس ؟؟ " سأل أخي و هو لا يزال ممسكا بيد رغد ... " في غرفتها ! تتزين ! " قالت رغد ، فقال : " سأذهب لرؤيتها " و شد رغد يحثها على السير معه ... و ذهب الاثنان و غابا عن ناظري ... ليتني لم أعد أي جنون هذا الذي جعلني أعود فاحترق ؟؟ إنني أكاد انفجر هل يحس أحد بي ؟؟ سمعت أمي تقول : " ما بك وليد ؟ أ أنت متعب بني ؟؟ " متعب ؟؟ فقط متعب ؟؟ ابتعدوا عني و إلا فأنني سأحرقكم جميعا ! رميت بجسدي المشتعل على المقعد و أخذت أتنفس بعمق أنفاس متلاحقة عل الهواء يبرد شيئا مما في داخلي مرت لحظة صامته إلا عن تيار الهواء المتلاعب في صدري أمي و أبي لا يزالان واقفين كما هما ... و أنا أشعر بحر شديد و أكاد أختنق .... رفعت رأسي فإذا بهما يراقبانني ... أظن أن وجهي كان شديد الاحمرار و يتصبب عرقا ... القلق كان باد على وجهيهما قلت : " الجو حار ... " أمي سارت نحو المكيف و زادت من قوة دفعه للهواء ... التفت إلى أبي و قلت : " و هذان ؟؟ متى ارتبطا ؟؟ " لم يجب أبي مباشرة ، ثم قال : " عقدنا قرانهما قبل ما يزيد عن السنوات الثلاث " مزيد من الاختناق و الضيق ... كأن الهواء قد سحب من الغرفة تماما ... قلت : " ألا ترى يا والدي أنهما لا يزالان صغيرين ؟ على الأقل رغد ... صغيرة جدا " أبي قال : " إننا لن نزوجهما قريبا على أية حال ، فرغد تود الالتحاق بالجامعة أولا و لا أدري إن كان سامر سيفلح في إقناعها بغير ذلك " أثارت الجملة اهتمامي ، قلت : " غير ذلك ؟؟ " قالت أمي : " قد نزوج الثلاثة في ليلة واحدة قريبا ! " و ابتسمت ، ثم قالت : " و يأتي دورك ! " وقفت مستاء ، و يممت وجهي شطر المطبخ فأنا أحس بعطش شديد و بحاجة لنهر كامل ليرويني و يخمد نيراني ... و تركت والدي ّ في حيرة من أمرهما ... تم عقد القران و انتهت الليلة بسلام أخيرا ! لقد بذلت جهودا مضاعفة في تنظيف المنزل بعد مغادرة الضيوف ! أما دانه فكان القلم مرفوعا عنها هذا اليوم ! طلبت من أمي أن تذهب للراحة و توليت أنا ، مع سامر تنظيف الأطباق ... أما الرجل الناري فلا علم لي بأي أرض يحرق هذه الساعة ! كنت واقفة أمام صنبور الماء البارد أغسل الأطباق ، و سامر إلى جانبي ... سألته : " كيف بدا العريس ؟؟ " أجاب : " مهذبا و خلوقا و بشوشا ! " قلت : " لا يعجبني ! " ابتسم سامر و قال : " و لكن لم ؟؟ " أجبت : " لا أعرف ! لكنني أجده ثقيل الظل ! إنه مغرور و يتحدث عن نفسه بزهو و خيلاء أمام الكاميرات ! كيف تتحمل دانه زوجا كهذا ؟؟ " سامر ضحك ، فضحكت معه ... قال : " ليس المهم رأيك أنت به ! المهم رأي العروس به ! " ثم غير نبرة صوته حتى غدت أكثر لطفا و رقة ، و قال : " و رأيك بي أنا ... " ارتبكت .. و اضطربت تعبيرات وجهي ، و أخفيت نظراتي في حوض الغسيل ! وصلنا هذه اللحظة صوت حركة عند الباب ، فالتفتنا للخلف فإذا به وليد ... و صدقوني ، شعرت بماء الصنبور يحرقني ! تبادلنا النظرات ... قال وليد : " هل لي بلحاف ؟ سأنام في غرفة الضيوف " نظف سامر يده و استدار نحو وليد قائلا : " أوه كلا يا أخي ، بل ستنام في غرفتي و على سريري ، سأنام أنا على الأرض أو في غرفة الضيوف أو أي مكان ! " لم يظهر على وليد أنه يرحب بالفكرة أو حتى سمعها ! قال : " أريد لحافا لو سمحت " كان وجهه جامدا صارما ، و رغم أن سامر كان يبتسم ، ألا أن وليد كان عابسا ... قال سامر : " أرجوك استخدم غرفتي ! أنا سأسافر بعد الغد على أية حال " قال وليد : " و أنا كذلك . هل لا أحضرت لحافا الآن ؟؟ " وليد شخص غريب ... نعم غريب ! نحن لا نعرفه ! و لا نعرف كيف هي طباعه و لا كيف كانت حياته في الخارج ... ربما كان صارما جدا ... قلما رأيته يبتسم مذ عودته ! انتهى الأمر بأن نام وليد في غرفة الضيوف ، على المقعد الكبير ، الذي نمت عليه ذلك اليوم ! أتذكرون ؟؟ توقعت أن أجد صعوبة في النوم ... طالما تفكيري مستعمر من قبل وليد ... ألا أنني نمت بسرعة مدهشة ! في اليوم التالي ، اجتمعت العائلة في غرفة الطعام لتناول الفطور الصباحي ، في ساعة متأخرة من الصباح ! أعددنا الأطباق في غرفة المائدة ، و جاء الجميع ليتخذوا مقاعدهم ... كالعادة جلس والداي على طرفي المائدة ، و دانة إلى يمين أبي ، و سامر إلى يساره ، و هممت بالجلوس على مقعدي المعتاد يمين أمي ، لكنني انتظرت وليد ... وليد حرك ذات المقعد و قال : " مقعدك ... " و تركه و ذهب للجهة المقابلة و جلس إلى يسار أمي ... جلست أنا على مقعدي المعتاد ، و صار وليد مواجها لي ... وضع يسمح للأشعة المنبعثة من ناحيتة لاختراقي مباشرة ! فجأة ، وقف وليد ... و خاطب دانة قائلا : " هل لا تبادلنا ؟؟ " و تبادلا المعقدين ... ربما رأى الجميع هذا التصرف عاديا ... و فسروه بأن وليد يرغب بالجلوس قرب والده .... أو أي تفسير آخر ... ألا أنني فسرته بأن وليد لا يرغب في الجلوس مقابلا لي ... صار هذا الوضع هو الوضع الذي نجلس عليه خلال الأيام التي قضاها وليد معنا ... وليد كان يلتزم الصمت ، و أنا أريد أن أسمع منه أخباره ، و لا أجرؤ على طرح الأسئلة عليه ... بين لحظة و أخرى ، ألقي نظره باتجاهه ، لكن أعيننا لم تلتق مطلقا ... بعد الفطور ، ذهب الجميع إلى غرفة المعيشة ، والدي يطالع الصحف و سامر يقلب قنوات التلفاز ، و دانه شاردة الذهن ... فيما وليد و أمي يتبادلان الحديث ، يشاركهما البقية بتعليق أو آخر من حين لآخر تركت الجميع كما هم ، و ذهبت إلى غرفة الضيوف لرفع اللحاف و ترتيب ما قد يكون مضطربا ... دخلت الغرفة ، فوجدت اللحاف مطويا و موضوعا على المقعد الكبير ، و على المنضدة المجاورة وجدت سلسة مفاتيح وليد ، و محفظته ... مشيت بخفة حتى صرت أمام المنضدة و جعلت أحدق في المحفظة بفضول ! و انتقل فضولي من عيني إلى يدي ، فمددتها و نظرت من حولي لأتأكد من أن أحدا لا يراقبني ! انفتحت المحفظة المثنية ، فظهرت بطاقة وليد الشخصية و فيها صورة حديثة له ! بأنفه المعقوف ! و الآن ... ما هي الفكرة المجنونة التي قفزت إلى رأسي ؟ سأرسمه ! لم أدع أي فرصة لعقلي ليفكر ، و أخذت المحفظة و طرت مسرعة إلى غرفتي و بدأت أرسم رسمة سريعة خفيفة لمعالم وجهه و أنظر للساعة في وجس و خوف ... ما أن انتهيت ، حتى أسرعت الخطى عائدة بالمحفظة إلى غرفة الضيوف ... و توقفت فجأة و اصفر وجهي و ارتجفت أطرافي ... حين رأيت وليد في الغرفة مقبلا نحو الباب ، يحمل في يده سلسلة المفاتيح ... أول شيء وقعت عينا وليد عليه هو محفظته التي تتربع بين أصابع يدي ! رفع وليد بصره عن المحفظة و نظر إلي ، فأسرعت بدفن أنظاري تحت قدمي قال باستنكار : " أظن أنها ... تشبه محفظتي المفقودة تماما ! " ازدردت ريقي و تلعثمت الكلمات على لساني من شدة الحرج و الخجل ... قال وليد : " خائنة ... مبذرة ... و ماذا بعد ؟ هل تسرقين أيضا ؟؟ " رفعت نظري إليه و فغرت فآهي بذهول ... من هول ما سمعت الى اللقاء مع الحلقة السادسة عشر
|
|
ايووووه يابنت العبسى
تصدفبن كنت متوقع أ نكى متزوجه والدليل علي المواضيع اللي تطرحين عن الام والا ب والطفل ـــ الله يوفقك ــــ قصة رغد من القصص اللي وصلتني عن طريق البلوتوث وهي قصه طويله جدأ جميل القصص ولكنها تدوخ الراس بنت العبسى .... ههههههههههههه ...... شكراا علي نقل هذي القصه في شبكة بني عبس بتوفيق
|
|
انا مو متزوجة انت ووجهك ههههههههههه ومواضيعي اللي انزلها لاني معلمة اولى ابتدائي يعني لابد لي من دراية بأمور كهذه الامور لاستطيع التجاوب مع مشكلات طالباتي ![]()
|
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | الكاتب | القسم | الردود | آخر مشاركة |
جوهر الروعة | محمد الرشيدي _2 | منتدى الشـــعــــر | 5 | 05-12-2012 08:08 PM |
جوهر الروعة | محمد الرشيدي _2 | منتدى الشـــعــــر | 4 | 26-11-2012 06:26 AM |
تعبت(أفكر) في حياتي مع الناس؟وتعبت أعيش بـ(عقل غيري )حياتي!!!!!!! | جرح الـ غ ـرام | منتدى الشـــعــــر | 11 | 10-11-2008 07:00 AM |
رنامج قمة في الروعة ... لصنع رموز الماسنجر .... | أحمد الخياري | منتدى الكمبيوتر والجوال | 0 | 30-08-2007 01:23 AM |