[نديم الشوق]

كتبهاغسان زكريا ، في 2 تشرين الثاني 2007 الساعة: 09:27 ص



كنتُ قد نشرتُ في المدونة وفي موقع مجلة الدراما السورية بياناً أوَّلاً حول مسلسل )عنترة(، أوضحتُ فيه بعض الالتباسات التي جرت أثناء التصوير، ولقد كتبتُ البيان ونشرتُه قبل الانتهاء من كتابة المسلسل كي أهيئ المشاهدين للمناخ العام الذي سيُشاهَد المسلسل ضمنه. ولقد لامني بعض الأصدقاء على هذا التسرع في النشر، ولكنِّي لستُ نادماً.
يدفعني الآن لنشر بيان آخر ما جرى بعد نشر البيان الأول، وما فعلته الشركة التي قامت بدور المنتج المنفذ (وليس الشركة المنتجة الرئيسية) لتأخُّري في تسليم حلقات المسلسل حسب ادَّعائها.
نتيجة للضغط الشديد الذي تعرضتُ له من الشركة متمثلة في مديرها الفنان (سلوم حداد) استعنتُ بالصديق والزميل (ثائر العكل) لإكمال الحلقات وتوفير الوقت، فاتفقنا على أن أقوم بكتابة مخطط مفصَّل للحلقة، وأن يكتبها هو، ثم أعمل أنا -بعد انتهائه- على توحيد روح الحوار والمَشاهد مع الحلقات المكتوبة سابقاً. وقد قام ثائر بعمل صعب وشاق، وكانت مساهمته قيِّمة حقاً، على أن الوقت لم يسعفْنا كما خططنا. اتفقتُ مع ثائر على نسبة من الأجر، وعلى أن يُذكر اسمه في شارة المسلسل بعد اسمي مباشرة بصيغة "مساهمة في السيناريو والحوار: ثائر العكل". أثناء عمل ثائر على الحلقة 26، عُرِضت الحلقة الأولى من المسلسل وإذا بالشارة لا تذكر اسمَه (رغم أنِّي أخبرتُ كلاً من رامي حنا -المخرج- وسلوم حداد بضرورة وضع اسمه احتراماً لجهده، بالمناسبة لا أستبعد أن تدَّعي الشركة أنني من رفض وضع اسم ثائر إذا أُثير الأمر) مما جعل ثائر في حالة انزعاج شديد -وهو محِق في انزعاجه طبعاً- وأدَّى الأمر إلى تأخُّره بعض الشيء في العمل على الحلقة، ثم لم يستطع نتيجة لشعوره بالضيق إكمالها، فقمتُ بكتابتها بأقصى سرعة استطعتُها لتسليمها قبل أن يدرك الوقت طاقم التصوير. بعد تسليم الحلقة 26، بدأتُ في كتابة الحلقة 27، فأتاني اتصال من أحد الممثلين في العمل "للاطمئنان على الأخبار"، ثم أبلغني أنهم سيصورون مشاهد السباق في اليوم التالي. سألتُه: "أي سباق؟"، أجاب: "سباق داحس والغبراء." فأجبتُه حينها أني لم أكتب مشاهد السباق بعد، فكيف سيصورونها؟ وإذا به يبدي دهشته لأني ما زلتُ أكتب. سألتُه عن الأمر، فأخبرني أنَّ مدير الإنتاج أخبر جميع من يعمل في المسلسل أنني اتصلتُ به شخصياً لأخبره أني غير قادر على متابعة كتابة المسلسل وأنَّ (سلوم حداد) قد كلف المدقق اللغوي للمسلسل السيد (محمَّد اليساري) بمتابعة الكتابة. وقد كان الأمر صدمة كبيرة بالنسبة لي، حيث إن الشركة لم تكتفي باستبعادي وتغييري، بل فعلتْ دون أن تخبرني، ثمَّ ادَّعت كذباً أنِّي توقفتُ عن الكتابة وتركتُهم في آخر الطريق، وهذه طبعاً إساءة كبيرة جداً لسمعتي ككاتب، خاصة بعد ما انسحبتُ من إكمال مسلسل (أبناء الرشيد: الأمين والمأمون) لأسباب مختلفة تماماً ذكرتُها في أكثر من مناسبة، وقد كان الأمر حينها رغبة في استرجاع ملكية النص من الشركة، لا عجزاً عن المتابعة. اتصلتُ بالمخرج رامي حنا وسألتُه عن حقيقة الأمر، فتنصل من الإجابة بكلام غريب، ثم أعلن في النهاية -قولاً وفعلاً- أنه غير مهتم للأمر وأنه يريد للنص أن يكتمل كيفما اتفق لأنه يريد أن ينتهي من التصوير في الوقت محدد. عندها أدركتُ أنِّي لن أستطيع الوقوف في وجه قرار الشركة، فلستُ أملك أن أفعل بعد أن تمَّ استبدالي بتلك الطريقة الوقحة، وبعد أن تنصل رامي حنا من الأمر جملة وتفصيلاً (فالمخرج هو الوحيد القادر في حالة كهذه على إيقاف التصوير مثلاً أو الإصرار على مراجعة الحلقات التي كتبها الكاتب الثاني أو ما شابه). اتصلتُ بسلوم حداد وطلبتُ منه أن يرفع اسمي عن الحلقات التي لم أكتبها، وأن يُستَكمَل أجري (كنتُ قد استلمتُ أجر 18 حلقة وثلث حلقة بالضبط من الشركة، مما يترك أجر تسع حلقات إلا ثلث حلقة في ذمة الشركة).
بالفعل، رُفِع اسمي عن المسلسل ابتداءاً من الحلقة 26 -رغم أنَّها أخِذت كاملةً من نصي- وبدأت سفريات طويلة لسلوم حداد دفعتْ إلى تأجيل استكمال الأجر. حين التقيتُ بسلوم حداد وكان ذلك في 25 تشرين الأول (أكتوبر) -أي بعد انتهاء عرض المسلسل باثني عشر يوماً- تذرَّع أنَّ تأخري في تسليم النص قد أخَّره في التصوير مما أدى إلى خسارة مالية كبيرة لديه، وبالتالي لا يحق لي المطالبة ببقية الأجر، وأن علي أن أسامحه بما تبقى من الأجر. لم أسامحْه بالطبع، لا على استبدالي في اللحظات الأخيرة حيث كان يجب أن أنهي العمل على الأقل لأجل استكمال المقولة الفكرية، ولا على الإساءة لسمعتي ككاتب بكذبة تخليَّ عن العمل، ولا على سرقة ما تبقى من أجري وأجر الصديق ثائر العكل. وقد أخبرتُه أنني لم أسامحه ولن أسامحه يوماً. إن واحداً من الإجراءات التي اتخذها ورويتُها يكفي لسقوط المروءة من الرجال فكيف إذا تراكمت كلها.
وإني أعتقد أنّ استبدالي لم يكن بسبب التأخير (فالنص لم ينتهِ إلا في الثامن عشر من رمضان، أي في وقت لاحق لما كان سيستغرق تسليمي للنص بناءاً على معدل الكتابة العام)، بل بسبب رغبة سلوم حداد في عدم دفع بقية أجري. وهنا أستذكر ما قال لي أحد الأصدقاء، فقد أخبرتُه أن سلوم حداد عرض في البدء أجراً مضحكاً لأنه بخس جداً، وبعد كثير من التفاوض توصلنا إلى أجر مقعول، (هو بخس أيضاً، حيث يبلغ 60% من الأجر الذي عرضتْه عليَّ شركات أخرى، ولكني رضيتُ به دعماً لرامي حنا ومشروعه)، عندها قال لي هذا الصديق أنه -أي سلوم حداد- لن يدفع أكثر مما عرض عليك بدءاً وسيجد ألف طريقة للتنصل من دفع باقي الأجر، وكان الصديق على حق. إن حديث هذا الصديق يأتي من خبرة شخصية طبعاً، ولعل خلو المسلسل من النجوم إلا فيما ندر هو خير دليل على سلوك سلوم حداد المالي سابقاً، لا سيما إذا أضفنا إلى ذلك أن الفنانة (سلاف فواخرجي) قد اشتكت للقضاء عليه لأنه لم يدفع لها أجرها أيضاً. (قد يقول قائل إنه لم يكن عليَّ العمل مع سلوم حداد ما دمتُ أعرف بسمعته هذه، وهذا قول محق، حيث إني أخطأتُ حين تعاملتُ معه، ولكنَّ ذلك كان -كما قلت- دعماً لرامي حنا في عمله الأول، ولا بد من الإشارة أنني اعتذرتُ أكثر من مرة قبل أن يتمَّ اختيار رامي حنا للإخراج، وأن الورطة الحقيقية ابتدأت حين اتصل رامي بي وقال إن العمل دون أن أكتبه لن يكون فرصة بالنسبة له، بل سيكون إعداماً. وهذه طبعاً مبالغة شديدة، فلا يكفي أن أكتب العمل حتى يرتفع مستواه، بل هو بحاجة إلى قراءة إخراجية دقيقة، وإلى إنتاج ضخم، وإلى أداءٍ تمثيلي جيد، وأظن أن هذا كله لم يكن متوفراً كما اتضح لمن شاهد العمل).
إن كل ما قلتُ ليس تنصلاً من المسؤولية، وها أنا أؤكد أني تأخرتُ فعلاً في تسليم النص عن الموعد المتفق عليه، ولكنَّ هذا لا يعني إحلال سلوم حداد لنفسه من كل قواعد التعامل الاحترافية (ولستُ أطالب أحداً أن يكون أخلاقياً فهذا شأن الناس وحريتهم الشخصية). إلا أن هذا التأخير لم يكن سببه الكسل، بل تواصل الضغط من الشركة المنتجة. وسأذكر أمثلة بسيطة على هذا:
- كنتُ قد ذكرتُ في البيان السابق أن الفنان (رضوان عقيلي) انسحب أثناء التصوير، مما أدَّى إلى التأخير بسبب إعادة كتابة مشاهده وبعض المشاهد الأخرى في 4 حلقات.
- طلبت الشركة والمخرج إنهاء دور شداد بن قراد لعدم الرضى عن أداء الممثل سهيل حداد (وقد فوجئتُ أن سهيل حداد أدى الشخصية بشكل جيد على عكس ما سمعت من الشركة والمخرج)، وليس خافياً أن شخصية شداد محورية في المسلسل وأنه كان الحامل الحقيقي لأحداث العمل، وإنهاء دوره قد أدى إلى إرباك شديد لي إذ إن علاقته بعنترة هي ما كنتُ أنوي أن أتابع هذا الخط من المسلسل على أساسه.
- طلبت الشركة والمخرج أيضاً إنهاء دور زبيبة، لأن الفنانة (ناديا عودة) لن تكون مقنعة في دور أم سلوم حداد وقد كان مقرراً حينها أن يؤدي سلوم حداد الدور في المرحلة الأخيرة. كذلك، أدى غياب شخصية رئيسية مثل زبيبة إلى إرباك مشابه وإن لم يكن بالحجم نفسه الذي يسببه تغييب شداد.
- ومثال ذكرتُه في البداية عن إلغاء مشاهد المعارك ومشاهد المجاميع وهي كما هو معروف عامل من عوامل الجذب الأساسية.
إن هذه الأمثلة وغيرها، ليست مسؤولية الكاتب، فهذه اعتبارات إنتاجية لا يفترض بها أن تتدخل في سياق النص، بل يفترض إن كل الطاقم الفني يعمل لتحقيق ما هو مذكور في النص، وقد كنتُ مخطئاً حين تجاوبتُ مع هذه الضغوط والمطالب، لأنها أولاً أساءت للمسلسل إساءة كبيرة، وثانياً، لم يستحق من تجاوبتُ معهم هذا التجاوب.
* * *
لعل القارئ يمل حتى الآن من كثرة التفاصيل، وربما الندب على ما جرى. إلا أن الأمر ليس شخصياً، ولا يخصني وحدي. بل يخص مهنة الكاتب في الدراما السورية، فهو دائماً الحلقة الأضعف، وهو دائماً المحكوم عليه بالجور في كل شيء. رغم أن النص هو ما ميَّز الدراما السورية، قبل أن يميزها أي شيء. وإن نهضة الدراما التاريخية السورية، لم تكن على أساس الإنتاج الضخم والإخراج وحدهما، بل على الرؤية الجديدة للدراما التاريخية، والذي بدأ بتقديمها كتاب كبار كالمرحوم ممدوح عدوان والكاتب الكبير الدكتور وليد سيف. ما لم يكن الكاتب محظوظاً، فإنه في آخر الركب، رغم أنَّه واحد من العناصر الرئيسية -إن لم يكن العنصر الرئيسي الأول- في إنشاء العمل الفني. إنها حالة مؤسفة، ولعلها تدفع إلى الحيرة أثناء البحث عن حل، حيث إنه ليس ثمة قانون أو نقابة أو رابطة تحمي حقوق الكتاب، وليس أمام المرء إلا أن يتمنى أن يكون محظوظاً بمنتج محترم وأخلاقي، ومخرج ملتزم بمهنته وبشراكته مع الكاتب. ولكن، هل يتوفر هذا إلا نادراً؟ الجواب متروك للأيام

الموضوع الأصلي: بيان ثان حول مسلسل عنترة | | الكاتب: نديم الشوق | | المصدر: شبكة بني عبس

[شداد المظيبري]

شكرا لك

ع المعلومات

[عويض بن شامان بن خلف]

سلمت الله يعطيك العافية

[عاشق الريم]

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه