أين دُفن عنترة؟ العَلَم السعدي وجوار ملك عبس
تُجمِع روايات السِّير الشعبيّة الموروثة على أنّ موطن عنترة ودفنه مرتبطان بجبل أو ذُروة تُسمّى «العَلَم» (وتُعرف اليوم بجبال العلم جنوب حائل)، وهي ديار عبس وغطفان تاريخيًا. وفي حين اختلفت الأخبار الشعبيّة على مواضع أخرى (مثل قرية النَّعي)، فإنّ أقدم ما يمكن تتبُّعه من ذكرٍ جغرافيّ وتاريخيّ يعود إلى مادتين:
1) ياقوت الحموي (ت 626هـ) – الدليل الجغرافي الأقدم:
في «معجم البلدان» يورد الحموي أخبارًا لأعلامٍ موضعية في ديار بني عبس مع عزوٍ صريحٍ إلى الأصمعي؛ من ذلك مادّة «تِياسان»، إذ يقول: «وقال الأصمعي: تِياسان عَلمان في ديار بني عبس»؛ واللفظة «عَلمان» هنا (جمع عَلَم) تدلّ على القمم/المرتفعات المعلَّمة في بلاد عبس، وهو سياق جغرافي يضع معالم «العَلَم» في صميم موطن القبيلة التي منها عنترة. هذا الاستشهاد يُفيدنا بأنّ ياقوت حفظ تقاليد التعيين الطوبوغرافي في بلاد عبس نقلاً عن الأصمعي، وهو أقدم شاهد جغرافي محفوظ نَركَنُ إليه اليوم.
2) الأصمعي (ت 216هـ) – رواية الدفن في ذُروة «العَلَم السعدي»:
تذهب رواية «سيرة عنترة» المنسوبة للأصمعي إلى أن جثمان عنترة نُقل بعد مقتله و«حُفر له قبرٌ بجانب قبر أبيه وقبر صديقه… وهما على ذُروة العَلَم السعدي»، وهي صيغةٌ تتردّد في مقالات وبحوث محليّة تستند إلى طبعات السيرة القديمة (وطبعة بيروت 1865م «رواية عن الأصمعي» محفوظة على أرشيف الإنترنت). نصُّ الرواية يُستشهد به حرفيًا في أكثر من مصدر صحفي/بحثي محلي، وينصّ على موضع الدفن في «ذُروة العَلَم السعدي».
رواية «جوار زهير بن جذيمة»: تواتر محلي مؤيَّد بسياق السيرة
تنسب مقالاتٌ محليّة متخصّصة بديار عبس (جريدة «الجزيرة») للعَلَم السعدي أنه يضم آثارًا بعَبس، ومنها «قبر عنترة العبسي وزهير بن جذيمة ملك عبس»، مع تأكيد أن دفن عنترة تمّ «بجوار أبيه وصديقه… والملك زهير في ذروة العلم»، وهو توسيعٌ تقليدي لمتن السيرة يربط موضع الدفن بجوار ملك عبس المشهور تاريخيًا. وعلى الرغم من أنّ نصّ السيرة المتداول كثيرًا يذكر «مالك بن جَذيمة» كصديقٍ مدفونٍ بالمكان، فإنّ تقاليد أهل الموضع والمقالات الميدانية الحديثة تُدخل «قبر زهير» في نفس الذُّروة، وبذلك تُثبِّت مجاورة قبور أعيان عبس هناك، وفي مقدمتهم زهير بن جذيمة.
> مهم: اختلاف اسم «المدفون إلى جواره»:
– نصوص السيرة المتداولة تُسميه غالبًا «مالك بن جذيمة».
– التقليد المحلي والدراسات الصحفية الميدانية تُضيف «قبر زهير بن جذيمة» في الذُّروة نفسها، ما يجعل عبارة «جوار قبر ملك عبس» منسجمةً مع سرديّة المكان عند أهل الديار.
خلاصة الحُجّة
موضع الدفن: ذُروة «العَلَم السعدي/جبال العلم» في بلاد عبس جنوب حائل. هذا هو المتنُ الغالب في السيرة المنسوبة للأصمعي، والمدعوم بتقاليد الموضع الحديثة.
جوار قبور أعيان عبس: تذكر السيرة «الأب والصديق (مالك بن جذيمة)»؛ والتواتر المحلي يُضيف «قبر زهير بن جذيمة» في الذُّروة نفسها؛ فتتكوّن صورةُ «مقبرة أعيان عبس» على قمّة العلم.
أقدم الشواهد:
ياقوت الحموي: حفظ مَعالم بلاد عبس بوصفها «أعلامًا» منقولًا عن الأصمعي؛ ما يرسّخ قدمَ التسمية ووجود قممٍ معلّمة في ديار عبس، وهو شاهد جغرافي مبكّر وثيق الصلة بموضوع «العَلَم».
الأصمعي: سيرةُ الدفن في «ذُروة العَلَم السعدي» هي عمادُ الرواية التي نقلتها طبعات السيرة وأعاد تداولَها باحثو الموضع.
ملاحظات نقديّة سريعة
لا نملك (حتى الآن على الشابكة) صورةَ صفحةٍ محقَّقة من طبعة 1865م تُظهر سطر «ذُروة العلم السعدي» مباشرةً؛ لكنّ الطبعة نفسها متاحة كاملًا، والمقالات التي تنقل النص تُحيل إلى صفحة محدّدة (ص 184) من «أصل السيرة». يستحسن الرجوع إلى النسخة المصوَّرة أو فهارس المحقّقين للتثبيت النصّي.
اختلاف الاسم «مالك/زهير» مردّه على الأرجح إلى تعدّد طرق السيرة وتقاليد الموضع؛ لذا اعتمدتُ الصيغة التي تجمع بين متن السيرة (مالك) وتواتر المكان (زهير).
---
بيبليوغرافيا موجزة (روابط للرجوع)
سيرة عنتر بن شدّاد (طبعة بيروت 1865م، «رواية عن الأصمعي»؛ نسخة أرشيف الإنترنت).
الرياض: «عنترة والدلالة على موطنه ومكان قبره في ذروة جبل علم عبس» (يتضمن اقتباس «ذروة العلم السعدي» مع إحالة لصفحة من أصل السيرة).
الجزيرة: مقالة ميدانية عن «العلم السعدي» تتضمن ذكر «قبر عنترة وزهير بن جذيمة».
ياقوت الحموي، معجم البلدان: مادّة «تياسان» وفيها: «وقال الأصمعي: تِياسان عَلمان في ديار بني عبس».



