
01-11-2008, 11:05 AM
|
الحوار بين أتباع الأديان والثقافات
عقد بين السابع والعشرين والتاسع والعشرين من شهر شوال الفارط مؤتمردولي في مدينة جدة، تحت شعار: روسيا والعالم الإسلامي، المنتدى الرابع لمجموعة الرؤية الاستراتيجية، والحقيقة أن هذا المؤتمر الذي دعت إليه ونظمته وزارة الخارجية ممثلة في الإدارة العامة للشؤون الإسلامية، حظي بدعم وحضور من قبل عدد من المسؤولين الحكوميين في المملكة وروسيا، وغيرها من الدول الإسلامية، كما شارك في أعماله عدد من العلماء والمفتين والأكاديميين.
والحقيقة أن موضوع الحوار بين أتباع الأديان والثقافات هو عنوان رسالة حملها خادم الحرمين الشريفين على كفيه حين دعا إلى لقاء مكة المكرمة، والذي رعته رابطة العالم الإسلامي في شهر جمادى الآخرة من هذا العام، وكان الهدف الأساس من مؤتمر مكة هو إعادة التأكيد على أهمية اللحمة بين أتباع علماء المسلمين وعوامهم على اختلاف مذاهبهم الفقهية.
وكذلك تجنيب المجتمعات الإسلامية من بلاء الخلافات والتمزّق الطائفي، الذي يكاد يعصف ببعض البلدان العربية.
إضافة لذلك، فلقد واصل الملك عبدالله حملته لفتح قنوات جديدة من التواصل بين الحضارات والالتقاء بأتباع الأديان المختلفة، وتجسّد ذلك في مؤتمر مدريد الذي عقد في شهر يوليو الماضي، وحضره عدد من فقهاء المسلمين، وغيرهم من زعماء الأديان المختلفة، بما فيها الأديان والمذاهب الشرقية مثل الهندوسية والكنفشيوسية والبوذية، وغيرها من الأديان والمذاهب، إضافة إلى الأديان السماوية الثلاثة.
يذكر أن مؤتمر مدريد طالب باحترام الأديان لبعضها البعض، واحترام الآخرين من غير المتدينين للقيم الدينية والأخلاقية للأديان السماوية، واحترام كيان العائلة باعتبارها الأساس المتين لأي مجتمع إنساني. وكانت هناك مواضيع أخرى تضمنها إعلان مدريد مثل المحافظة على البيئة، وتجنب الحروب والاقتتال بين أتباع الأديان المختلفة.
كما دعا مؤتمر مدريد إلى عقد جلسة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتشجيع الحوار ونبذ العنف بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة.
وينتظر أن يمثل خادم الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية وأن يخطب في الأمم المتحدة حول هذه الرسالة التي يحملها، في جلسة خاصة لهذا الغرض ستعقد في منتصف شهر نوفمبر الحالي.
ولاشك أن مؤتمر جدة الذي تناول علاقة روسيا بالعالم الإسلامي مؤتمر هام يأتي ضمن إطار هذه الدعوة للحوار بين الثقافات والحضارات، وقد جاءت كلمة الرئيس الروسي (ديمتري مدفيديف) إلى المؤتمر هامة وداعمة للموقف السعودي، حيث طالب الرئيس الروسي بضرورة إنشاء مجلس استشاري للأديان تحت مظلة الأمم المتحدة لتعزيز المبادئ الأخلاقية في السياسة الدولية.
وتأتي أهمية هذا المؤتمر من ناحيتين أساسيتين، أولاهما أنه ناقش العلاقات الروسية مع العالم الإسلامي، وإن كان ذلك بشكل جزئي، وثانيتهما أنه اهتم بمسألة الحوار بين المسلمين والثقافات الأخرى، وجاءت أغلب الأوراق التي قدمت إلى المؤتمر في طابع شبه رسمي، ولكن المداخلات والتعليقات التي قدمها بعض المشاركين من الأكاديميين جاءت بشكل يبعث على التأمل، فقد تساءل باحث روسي مسلم عن معنى الشرق والغرب، وهل روسيا جزء من الشرق أم الغرب، أم أنها نقطة التقاء بين عالمين وتواصل بين حضارتين، وذلك على مدى ألف عام منذ أن دخل الإسلام والمسيحية إلى الأراضي الروسية في أوقات متقاربة حوالى القرن التاسع الميلادي.
كما دعا باحث لبناني روسي إلى ضرورة القيام بمسح معرفي كامل عن كل ما كتب عن موضوع حوار الحضارات، وإعداد قائمة ببليوجرافية تساعد الباحثين وطلاب الدراسات العليا على كتابة المزيد من الأبحاث والأطروحات حول هذا الموضوع. ودعا نفس المعلق إلى إنشاء كرسي في إحدى الجامعات العربية أو الروسية متخصص في دراسات الحوار بين الحضارات وأتباع الأديان والثقافات، ووضع جائزة سنوية لأفضل الأبحاث المقدمة عن هذا الموضوع.
والحقيقة أن موضوع تعدد الثقافات وتنوعها واحترامها لبعضها البعض، أو لأتباع كل منها، أمر في غاية الأهمية.
وكباحث في العلوم السياسية فإنه ينبغي النظر في الأطر الأيديولوجية حول هذا الطرح، وهل يتحتّم على سبيل المثال بناء إطار أيديولوجي داخلي للقبول بمثل هذا التنوع، كمنطلق سابق لطرح فكرة التنوع الثقافي وقبول الآخر على مستوى السياسة الخارجية؟ وهل التآكل الداخلي لمثل هذه المبادئ والقيم ذو أبعاد خارجية، أم أنه له أبعاداً داخلية في سياسات الدول وأولوياتها، وهل يمكن دراسة ذلك في إطار سياسي مقارن، وعلى أي مستوى، ومثل هذه الطروح الفكرية تحتاج إلى جهد أكاديمي مميز، ومتعدد الجوانب، وكذلك إلى دراسة معمقة للخطاب السياسي في عدد من الدول المؤثرة على الساحة الدولية.
بقلم//أ. د. صالح عبدالرحمن المانع
|