بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير سورة التّين
مكية و آياتها ثمان
( التين و الزيتون و طور سينين و هذا البلد الأمين ) أقسم الله تعالى بالتين و الزيتون , و هو الأرض المقدسة التي ينبت فيها ذلك , و منها بُعث المسيح عيسى بن مريم و أنزل عليه فيها الإنجيل , و أقسم بطور سيناء و هو الجبل الذي كلم الله موسى و ناداه فيه , من واديه الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة , و أقسم بهذا البلد الأمين الذي جعله الله حرما آمنا و يتخطف الناس من حوله و هو مكة الذي أسكن فيها إبراهيم إبنه , و أمه هاجر فيه . و أرسل فيه محمدا صلى الله عليه و سلم .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( " و التين و الزيتون و طور سينين و هذا البلد الأمين " إقساما منه بالأمكنة الشريفة المعظمة الثلاثة , التي ظهر فيها نوره هذا , و أنزل فيها كتبه الثلاثة : التوراة و الإنجيل و القرآن ) .
( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) تام الخلق , متناسب الأعضاء , منتصب القامة , لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرا أو باطنا شيئا , و مع هذه النعم العظيمة , التي ينبغي منه القيام بشكرها , فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم , مشتغلون باللهو و اللعب , قد رضوا لأنفسهم بأسافل الأمور , و سفاسف الأخلاق , فردهم الله إلى أسفل سافلين .
( ثم رددناه إلى أسفل سافلين ) أي جعلناه أسفل من سفل , و هم أصحاب النار , لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين .
( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) إلا من منّ الله عليه بالإيمان و العمل الصالح , و الأخلاق الفاضلة العالية , " فلهم " بذلك المنازل العالية و " أجر غير ممنون " أي غير مقطوع , بل لذات متوافرة , و أفراح متواترة , و نعم متكاثرة في أبدٍ لا يزول , ونعيم لا يحول .
( فما يكذبك بعد بالدين ) أي شيء يا ابن آدم يحملك على التكذيب بيوم الجزاء على الأعمال , و قد رأيت من آيات الله الكثيرة ما به يحصل لك اليقين , و من نعمه ما يوجب عليك أن لا تكفر بشيء مما أخبرك به .
و جُوِّز أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم فيكون ذلك إنكار توبيخي للمكذبين له صلى الله عليه و سلم , بعدما ظهر لهم من دلائل صدقه و صحة مدعاه .
( أليس الله بأحكم الحاكمين ) أي بأحكم من حكم في أحكامه الذي لا يجور و لا يظلم أحدا , و من عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلم في الدنيا ممن ظلمه . قال أبو السعود " أي أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعا و تدبيرا , حتى يتوهم عدم الإعادة و الجزاء , و حيث استحال عدم كونه أحكم الحاكمين , تعين الإعادة و الجزاء , فالجملة تقرير لما قبلها "