الموضوع
:
الطاعة والتبعية والاستثمار
عرض مشاركة مفردة
رقم المشاركة : [
2
]
13-11-2007, 09:56 AM
خالد العويمري
عضو سوبر
رقم العضوية : 504
تاريخ التسجيل : 17 / 11 / 2006
عدد المشاركات : 2,837
قوة السمعة : 21
من ابناء القبيلة
غير متواجد
والحقيقة الكبرى التي تقررها آية سورة العنكبوت هي (إن أرضي واسعة). لمن؟ للمؤمنين من عباد اللّه. فإن الآية الكريمة تتصدر بهذا الخطاب الرقيق والشفاف: (يا عبادي الذين آمنوا). وفي تخصيص العباد الذين آمنوا بهذا الخطاب الرباني عناية ورقة وتكريم من اللّه تعالى لعباده المؤمنين. ولماذا يخصهم اللّه تعالى بهذا الخطاب؟ ولماذا يقرر اللّه تعالى لهم (إن ارضي واسعة)؟ ليعبدوه وحده، ولا يخشوا الظالمين (فإياي فاعبدون). فلكي يعبدوا اللّه تعالى وحده، ولكي لا يمكنوا الظالم من دينهم وإيمانهم وعبوديتهم للّه، فإن الله تعالى يوسّع عليهم الهجرة، ويقول لهم (إن أرضي واسعة)، فاذا ضاقت بهم بيوتهم وعشائرهم ومدنهم وأوطانهم من أن يعبدوا الله تعالى وحده فإن في أرض اللّه تعالى سعة، والله تعالى يفتح عليهم من رحمته مايشاء. وفي سورة (الزمر)قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة، وأرض اللّه واسعة). وهذه الآية تجري على معنى آية العنكبوت وتخص الآية الكريمة في بدايتها عباد الله الذين آمنوا بالخطاب(قل يا عبادي الذين آمنوا) . وتمنيهم بأن أرض اللّه واسعةوأرض اللّه واسعة). وتدعوهم بين هذا وذاك الى التقوى. وهذه قاعدة عامة، ذات أهمية بالغة في حياة المؤمنين العاملين، أن اللّه تعالى إذ دعاهم الى أن يعبدوه وحده، ويتقوه، لم يضيق عليهم الارض، وجعل لهم في الهجرة سعة من الضيق، ، وجعل لهم الارض واسعة، ووعدهم أن يفتح لهم الطريق كلما ضاقت بهم السبل، فلا ينتهون الى طريق وقد جعل اللّه تعالى للمؤمنين مع كل ضيق سعة، ومع كل شدة فرجا ومخرجا. يقول تعالى: (فان مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا)(8). لا ريب أن اللّه تعالى قد قدّر لعباده العسر والشدة، ولكنه تعالى جعل لهم مع كل عسر يسرا. عن الامام الصادق(عليه السلام): "إن عسرا واحداً لا يغلب يسرين". وفي الآية الكريمة يسران وعسر واحد فان العسر الثاني نفس العسر الاول بدليل الـ (العهد). بينما ذكر اللّه تعالى في آية الانشراح يسرين (فان مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا). إن مع كل فقر غنى، ومع كل شدة انفراج، ومع كل ضراء سراء، ومع كل كرب يسر وعافية. وهذه إرادة اللّه تعالى: أن يكون بعد كل استضعاف قوة وبأس للمؤمنين. يقول تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استُضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الارض، ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)(9). إن هذه الآية تحكي عن سنة الهية ثابتة كلما أصابت المؤمنين بأساء أو ضراء. فينصرهم اللّه ويفتح عليهم . والقرآن يحكي هذه السنة بهذه الكلمات المعبرة (ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا). ومن يقدر على أن يعاكس إرادة اللّه تعالى ولكن بشرط الايمان والتقوى والصبر والمقاومة والجهاد والهجرة. 6- فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. بعد هذا الحساب عذاب وعقاب ولا يخرجون من عذاب الدنيا وهوانها الا ليدخلوا في عذاب الآخرة وهوانها. وعذابهم كبير وأليم، لأن الجريمة كبيرة. إن جريمتهم هي تمكين المجرمين من أنفسهم ومن المؤمنين. ولولا رضوخهم للظلم لم يتمكن الظالمون من ظلم المستضعفين واستضعافهم واذلالهم وهي جريمة كبيرة يستحق عليها أصحابها أشد العذاب وآلمه. 7- الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم، وكان اللّه عفوا غفورا. وهذا هو الاستثناء من تلك القاعدة. والأصل المسؤولية والعقاب، والاستثناء: للرجال والنساء والولدان الذين لا حيلة لهم في الهجرة. فليس من بأس على هؤلاء أن لايهاجروا ، وتشملهم مغفرة الله تعالى وعفوه (وكان اللّه عفوا غفورا). 8- ومن يهاجر في سبيل اللّه يجد مراغما كثيرا وسعة. وهذا وعد اللّه تعالى للذين يهاجرون بدينهم من الظالمين، قد تكرر مرة ثانية في هذه الآيات. إنهم يجدون مراغما كثيرا وسعة. وقد يتصور المؤمنون أن الهجرة تسلبهم أهلهم وذويهم ومواقعهم الاجتماعية وأعمالهم الاقتصادية وأصدقاءهم ومستقبلهم. فإن الانسان يبني حياته ومستقبله في وطنه الذي يعيش فيه، فاذا هاجر الى ديار أخرى، ليس له فيها أهل ولا أصدقاء، ولا عمل، ولا موقع، ولا معرفة ولا علاقات.. فقد حياته الاقتصادية وعمله ومستقبله وعلاقاته. ولكن الله تعالى وعد المؤمنين أن يفتح لهم في الهجرة آفاقا جديدة لم تكن تخطر لهم على بال ويعوضهم عما فقدوه باصدقاء ومواقع جديدة وأعمال وآفاق جديدة ويوسع عليهم آفاق الارض كما ضيق الظالمون عليهم الارض بما رحبت. وقد وجدنا نحن في محنتنا في العراق عندما هاجرنا الى ديار غريبة،ليس لنا فيها معرفة ولا أصدقاء، ولا علاقة.. وجدنا صدق وعد اللّه تعالى ، فرزقنا اللّه تعالى بما فقدنا من الاهل والاصدقاء علاقات جديدة وأحباء آثرونا على انفسهم وعطف علينا قلوب مؤمنين، وصدق اللّه ورسوله ، وله الحمد هذا رزقهم في الدنيا وعن رزقهم في الاخرة يقول تعالى: (والذين هاجروا في اللّه من بعدما ظلموا لنبوئنّهم في الدنيا حسنة، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) . 9- ومن يخرج من بيته مهاجرا الى اللّه ورسوله. للهجرة ظاهر وباطن، ولا قيمة لظاهر الهجرة الا بباطنها. وظاهر الهجرة أن يخرج الانسان من بيته، وباطن الهجرة أن تكون هجرته الى اللّه (مهاجرا الى اللّه). وقد روى البخاري عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) باب كيف كان بدء الوحي وهو أول حديث من صحيح البخاري: "إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو الى امرأه ينكحها فهجرته الى ماهاجر اليه"(10). إن الهجرة نقلة من الانقياد للهوى والطاغوت الى الانقياد لله تعالى... ونقلة من الذنوب والمعاصي الى طاعة الله. عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) :"أفضل الهجرة أن تهجر ماكره اللّه"(11). وعنه (صلى الله عليه وآله) "أفضل الهجرة أن تهجر السوء"(12). وعنه (صلى الله عليه وآله) "اشرف الهجرة أن تهجر السيئات" فاذا خرج الانسان من بيته مهاجرا الى اللّه ورسوله ، وابتغاءً لوجه الله الكريم وخرج من طاعة الهوى والطاغوت الى طاعة اللّه فتلك هي الهجرة التي يريدها اللّه تعالى من عباده. واذا تجردت الهجرة من ذلك وكانت هجرته الى دنيا يصيبها أو رزق يناله، فهجرته الى ما هاجر اليه. 10- ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على اللّه. جعل اللّه تعالى الهجرة سبيلا الى الجهاد والنصر. ومن أدركه الموت في الهجره ولم يدرك الجهاد عوضه اللّه تعالى عنه، ووقع أجره على اللّه، يعطيه من فضله حتى يرضيه ويزيده. وما أدراك ما "الأجر" اذا وقع على اللّه الكريم يقول تعالى: (والذين هاجروا في سبيل اللّه ثم قتلوا أو ماتوا ليزرقنهم اللّه رزقا حسنا، وإن اللّه لهو خير الرازقين)(13). روى الطبرسي في مجمع البيان عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "من فر بدينه من أرض الى أرض، وإن كان شبرا من الارض، استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد(عليهما السلام)"(14).
خالد العويمري
مشاهدة الملف الشخصي
ابحث عن المزيد من مشاركات خالد العويمري