فقير الروح من يظن أن النسيان هروب أو قلة وفاء ، بل هو عند النبيلين ذاكرة حضور بلغة الغياب .
و ليس هذا فحسب ، فكم من القلوب النبيلة تتكئ على نسيان أذية تأتيها لتحرر نفسها من أن يتملّكها الكرّه .
و على أساسها يكون التمايز بماهية النسيان و معرفة من يتقن فن الصدق و الوفاء من غيره
فالنسيان هو غربال يبين الغسّ من السمين في علاقتنا الإنسانية
و هو ذلك الصديق الحقيقي لعجز الإنسان.
و لكن لا يعني أن ننسى من نحب بل ننسى لوعة الرحيل ، حيث الذين يرحلون نبكي أنفسنا عليهم ثم ننسى آلم رحيلهم ، دون أن ننساهم بل على العكس يذهبون إلى ذلك المكان المفعم بالصدق في المساحة البيضاء الباقية من أرواحنا و التي نتركها ليسكنها من أتقن فن البقاء، و نسيان آلم رحيلهم نتكئ عليه ليتربعوا على عرش حضورٍ من نوع آخر مفعمين بالحياة و البقاء .
فالنسيان حالة قائمة و محكوم الإنسان بها مهما كان جنسه .
كل ما هنالك أن هناك نوعان من النسيان :
الأول هو النسيان النبيل الذي نتكئ عليه لنستمر في رحلة عمرنا القصيرة . و يتجلى من خلال نسيان الأذية من أي شخص و تحديد أذية من نحب حتى لا تأكلنا البشاعة
و الثاني هو النسيان القبيح المتمثل بقلة الوفاء ،
و لكن ما أقبحنا و نحن نصف الناس حسب جنسهم في علاقتهم مع نوعي النسيان
لأننا نقرأ الناس و الأشياء من منظار عوزنا أو نقصنا أو حتى بشاعتنا
و برأيي من الأخطاء السيئة في مجتمعاتنا اعتبار النسيان محاصة بين الذكر و المرأة .
و هذا الذي يقول أن المرأة أكثر وفاء و لا تنسى و أخر يعتبر الرجل هو الأوفى ، و نحن نرى أن النسيان و جوده و حجمه ليس مرهون بالرجولة أو الأنوثة و المحاصة بينهما بل مرتبط بالإنسان و إنسانيته و معدنه مهما كان نوعه و جنسه ، و كل ما عدا ذلك تفاصيل .
فليست القضية بوجوده و كميته بل بهذه السحر المذهل الذي يضفيه الإنسان عليه مهما كان جنسه أو لونه من خلال النُبّل التي يتمتع به أو بالعكس .
فلنتحرر من عنصريتنا في قراءة حيثيات النسيان
و لنتركه بماهيته ليدل عن وفاء صاحبه فيمنحك جرعة إضافية من قراءة إنسانيتك بقراءة الإنسان الآخر فيه
مع خالص التمنيات لكم بأن يكون الوفاء عندكم قيمة ، و النسيان قيمة أيضاً لا قلة وفاء .....