قبيلة بني رشيد

قبيلة بني رشيد (http://ban3abs.com/aa/index.php)
-   المنتدى الإسلامـــي (http://ban3abs.com/aa/forumdisplay.php?f=3)
-   -   سلسلة : تفسير القرآن الكريم لعموم المسلمين (http://ban3abs.com/aa/showthread.php?t=35688)

المغرم اليائس 27-06-2008 10:00 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة الفيل

مكية و آياتها خمس آيات

( ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * و أرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف ماكول ) .
هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش , فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل , الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة و محو أثرها من الوجود , فأبادهم الله , و أرغم آنافهم , و خيّب سعيهم , و أضل أعمالهم , وَرَدهم بِشرِّ خيبة , و كانوا قوما نصارى , و كان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان . و لكن كان هذا من باب الإرهاص و التوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال .
وواقعة الفيل في ذاتها معروفة متواترة الرواية , حتى إنهم جعلوها مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث , فيقولون : ولد عام الفيل و حدث كذا لسنتين بعد عام الفيل و نحو ذلك .

( ألم تر كيف فعل ربُّك بأصحاب الفيل ) يعني الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة , أي ألم تعلم علما رصينا متاخما للمشاهدة و العيان باستماع الأخبار المتواترة , و معاينة الآثار الظاهرة .
و الله تعالى يخاطب رسوله مذكرا إياه بفعله الجبار في إهلاك الجبابرة فأين قوة ظلمة قريش من قوة أبرهة و أبادها الله تعالى في ساعة فاصبر يا محمد و لا تحمل لهؤلاء الأعداء همّا فإن لهم ساعة فكانت السورة عبارة عن ذكرى للعظة و الإعتبار .

( ألم يجعل كيدهم في تضليل ) أي ألم يجعل ما كادوه لبيتنا و حرمنا في خسارة و ضلال فلم يجنوا إلا الخزي و الدمار . قال الرازي : إعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية " إن قيل " لم سماه كيدا و أمره كان ظاهرا , فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت ؟ " قلنا " نعم لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر , لأنه كان يضمر الحسد للعرب , و كان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة , منهم و من بلدهم , إلى نفسه و إلى بلدته .

( و أرسل عليهم طيرا أبابيل ) أي طوائف متفرقة , يتبع بعضها بعضا من نواح شتى . و " أبابيل " جمع لا واحد له , على ما حكاه , و التنكير في " طيرا " إما للتحقير , فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب و أكبر , أو للتفخيم , كأنه يقول و أي طير ترمي بحجارة صغيرة فلاتخطئ القتل , أفاده الرازيّ .

( ترميهم بحجارة من سجّيل ) أي من طين متحجر . كل طائر يحمل ثلاثة أحجار كالحمصة و العدسة واحدة بمنقاره و اثنتين بمخلبيه كل واحدة في مخلب ترميهم بها فتتفتت لحومهم و تتناثر فجعلهم كعصف ماكول .

( فجعلهم كعصف ماكول ) قال ابن جرير : " كزرع أكلته الدواب فراثته , فيبس و تفرقت أجزاؤه , شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم , و تفرقت آراب أبدانهم بها , بتفرق أجزاء الروت , الذي حدث عن أكل الزرع ".
و المعنى : أن الله سبحانه و تعالى أهلكهم و دمرهم , و ردهم بكيدهم و غيظهم لم ينالوا خيرا , و أهلك عامتهم , و لم يرجع منهم بخير إلا و هو جريح , كما جرى لملكهم أبرهة , فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء و أخبرهم بما جرى لهم , ثم مات .

و أخيرا : إن أمر القصة أضيفت إلى الفيل , و اشتهرت به , لاصطحابهم الفيل معهم للبطش و التخريب , فإنه لو تمّ لقائديه كيدهم , لكان الفيل يتخذونه آلة بطش و انتقام , فإذا غضبوا على محارب و أسروه , أو وزير و أوثقوه , أو بلد و نازلوا حصنه - أرسلوا على دار المغضوب عليه أو حصنه الفيل , فنطح برأسه و نابه الصرح فيدكه , و قواعد البنيان فيهدمها , فيكون أمضى من معاول و فؤوس , و أعظم رعبا و رهبة في النفوس , و ربما ألقوا المسخوط عليه بين يديه , فأعمل فيه نابه , و لف عليه خرطومه و شاله , و مثل به تمثيلا , كان أشد بطشا و تنكيلا .

المغرم اليائس 27-06-2008 10:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة الهمزة

مكية و آياتها تسع آيات

( ويل لكل همزة لمزة )
" ويل " يتوعد الرب تبارك و تعالى بواد في جهنم يسيل بصديد أهل النار و قيوحهم كل همزة لمزة .
" لكل همزة لمزة " أي لكل من يطعن في أعراض الناس و يغتابهم , فالهمّاز بالقول , و اللّماز بالفعل . قال القاشاني ( رذيلتان مركبتان من الجهل و الغضب و الكبر , لأنهما يتضمنان الإيذاء و طلب الترفع على الناس , و صاحبهما يريد أن يتفضل على الناس , و لا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها , فينسب العيب و الرذيلة إليهم ليظهر فضله عليهم , و لا يشعر أن ذلك عين الرذيلة , فهو مخدوع من نفسه و شيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية و الغضبية ).

( الذي جمع مالا و عدّده ) و من صفة هذا الهماز اللماز , أنه لا همّ له سوى جمع المال و تعديده و الغبطة به , و ليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات و صلة الأرحام , و نحو ذلك . قال الإمام : أي أن الذي يحمله على الحط من أقدار الناس , هو جمعه المال و تعديده , أي عده مرة بعد أخرى , شغفا به و تلذذا بإحصائه . لأنه لا يرى عزّا و لا شرفا و لا مجدا في سواه , فكلما نظر إلى كثرة ما عنده منه , انتفخ و ظن أنه من رفعة المكانة , بحيث يكون كل ذي فضل و مزية دونه , فهو يهزأ به و يهمزه و يلمزه , ثم لا يخشى أن تصيبه عقوبة على الهمز و اللمز و تمزيق العرض , لأن غروره بالمال أنساه الموت و صرف عنه ذكر المآل فهو " يحسب أن ماله أخلده " .

( يحسب أنّ ماله أخلده ) أي يظن أن ماله الذي جمعه و أحصاه , و بخل بإنفاقه , مخلده في الدنيا , فمزيل عنه الموت . قال القاشاني ( ...أي لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم و الفضائل النفسانية الاقية , لا العروض و الذخائر الجسمانية الفانية ) .

( كلا لينبذن في الحطمة )
" كلا " لا يخلده ماله بل و عزتنا و جلالنا " لينبذن في الحطمة " أي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة و هي إسم طبقة من أسماء النار , لأنها تحطم من فيها .

( و ما أدراك ما الحطمة ) هذا الإستفهام لتعظيم أمرها و تهويل شأنها , كأنها ليست من الأمور التي تدركها العقول .

( نار الله الموقدة ) أي المستعرة المتأججة , التي وقودها الناس و الحجارة , قال أبو سعود : و في إضافتها إليه سبحانه , ووصفها بالإيقاد , من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه .

( التي تطلع على الأفئدة ) قال ثابت البناني : تحرقهم إلى الأفئدة و هم أحياء , ثم يقول : لقد بلغ منهم العذاب , ثم يبكي . و قال محمد بن كعب : تأكل كل شيء من جسده , حتى إذا بلغت فؤاده حَذْو حلقه ترجع على جسده . قال الزمخشري : يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم و تطلع على أفئدتهم , و هي أوساط القلوب , و لاشيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد , و لاأشد تألمنا منه بأدنى أذى يمسه , فكيف إذا طلعت عليه نار جهنم و استولت عليه !!! و يجوز أن يخص الأفئدة لأنها مواطن الكفر و العقائد الفاسدة و النيات الخبيثة ...

( إنها عليهم مؤصدة ) أي مغلقة مطبقة لا مخلص لهم منها .

( في عمد ممددة ) قال الزمخشري : ( و المعنى أنه يؤكد بأسهم من الخروج , و تيقنهم بحبس الأبد , فتؤصد عليهم الأبواب , و تمدد على العمد , استيثاقا في استيثاق . و يجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة , موثقين في عمد ممددة , مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص ) . و المقطرة هي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص و نحوهم .

شاهر 01-07-2008 11:52 AM

يعطيك العافيه اخي العزيز موضوع رائع


ودمت بخير وسلامه

ابوفهد العويمري 05-07-2008 12:37 AM

جهد رائع اسأل الله ان لايحرمك اجره

دمت بخير

المغرم اليائس 12-07-2008 01:47 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة العصر

مكية و آياتها ثلاث آيات

قال الإمام ابن القيم في " مفتاح دار السعادة " ( قال الشافعي رضي الله عنه " لو فكر الناس في هذه السورة , لكفتهم " . و بيان ذلك أن المراتب أربعة و باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله , إحداها معرفة الحق , الثانية عمله به , الثالثة تعليمه من لا يحسنه , الرابعة صبره على تعلمه و العمل به و تعليمه , فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة ) ثم قال ( فهذه السورة على اختصارها , هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره , و الحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه , شافيا من كل داء , هاديا إلى كل خير ) .

قال الرازي ( هذه السورة فيها وعيد شديد , و ذلك لأنه تعالى حكم بالخسارة على جميع الناس , إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة , و هي : الإيمان و العمل الصالح و التواصي بالحق و التواصي بالصبر , فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور ) .

( و العصر ) أقسم الله تعالى بالعصر , الذي هو الليل و النهار , محل أفعال العباد و أعمالهم , و لانطوائه على تعاجيب الأمور , و لأنه يذكر بما فيه من النعم و أضدادها , فينبّه الإنسان على أنه مستعد للخسران و السعادة , و للتنويه به و التعظيم من شأنه , تعريضا ببراءته مما يضاف إليه من الخسران و الذم , كما قيل :

يَعيبون الزمان و ليس فيه *** معايبُ غير أهلٍ للزمانِ

فالعصر ظرف لشؤون الله الجليلة من خلق و رزق و إعزاز و إذلال و خفض و رفع , فكيف يذم في ذاته , و إنما قد يذم ما يقع فيه من الأفعال الممقوتة .

( إن الإنسان لفي خسر ) أي خسران , لخسارته رأس ماله الذي هو نور الفطرة و الهداية الأصلية , بإيثار الحياة الدنيا و اللذات الفانية و الإحتجاب بها و بالدهر , و إضاعة الباقي في الفاني .

( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات ) فهؤلاء استثناهم الله تعالى من الخسر فهم رابحون غير خاسرين و ذلك بدخولهم الجنة دار السعادة , و المراد من الإيمان الإيمان بالله و رسوله و ما جاء به رسوله من الهدى و دين الحق , و المراد من العمل الصالح الفرائض و السنن و النوافل .

( و تواصوا بالحق ) أي أوصي بعضهم بعضا بما أنزل الله في كتابه من أمره , و اجتناب ما نهى عنه من معاصيه , قال الرازي ( دلت الآية على أن الحق ثقيل , و أن المحن تلازمه , فلذلك قرن التواصي بالصبر )

( و تواصوا بالصّبر ) أي على ما يبلو الله به عباده , أو على الحق , فإن الوصول إلى الحق سهل , و أما البقاء عليه و الصبر معه بالإستقامة و الجهاد لأجله , فذاك الذي يظهر به مصداق الإيمان و حقيقته .
و تخصيص التواصي بالحق و الصبر , مع إندراجهما في الأعمال الصالحة , لإبراز كمال الإعتناء بهما .

المغرم اليائس 12-07-2008 01:47 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة التكاثر


مكية و آياتها ثماني آيات

(
ألهاكم التكاثر
) هذا خطاب الله تعالى للمشتغلين بجمع المال و تكثيره - الأموال و الأولاد , و الأنصار , و الجنود , و الخدم , و الجاه , و غير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر , و ليس المقصود به الإخلاص لله تعالى - للمباهاة به و التفاخر الأمر الذي ألهاهم عن طاعة الله و رسوله فماتوا و لم يقدموا لأنفسهم خيرا .

(
حتى زرتم المقابر
) أي حتى هلكتم , و متم و صرتم من أصحاب القبور , فأفنيتم عمركم في الأعمال السيئة و ما تنبّهتم طول حياتكم إلى ما هو سبب سعادتكم و نجاتكم .
و زيارة القبور عبارة عن الموت .
قال الشهاب : " و فيها إشارة إلى تحقق البعث , لأن الزائر لابد من انصرافه عما زاره
" , فدلّ ذلك على البعث و الجزاء بالأعمال , في دار باقية غير فانية .

(
كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون
)
(
كلا
) ردع عن الإشتغال بالتكاثر , و توهم أن الفوز بالتفاخر , فإن الفوز بالتناصر على الحق و التحلي بالفضائل .
(
سوف تعلمون
) أي مغبة ما أنتم عليه , في الآخرة , من وخامة عاقبة الإشتغال بهذه الشهوات السريعة الزوال , العظيمة الوبال , لبقاء تبعاتها .
(
ثم كلا سوف تعلمون ) كرّر الوعيد و التهديد للتأكيد , و " ثم
" للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأول , أو الأول عند الموت , و الثاني عند النشور .

(
كلا لو تعلمون علم اليقين
) أي لو تعلمون ما أمامكم - في قبوركم و يوم بعثكم و نشوركم - علما يصل إلى القلوب , لما ألهاكم التكاثر , و لبادرتم إلى الأعمال الصالحة .

(
لترون الجحيم , ثم لترونها عين اليقين ) هذا تفسير الوعيد المتقدم , و هو قوله " تعلمون , ثم كلا سوف تعلمون " توعّدهم بهذا الحال , و هي رؤية النار - رؤية بصرية كما قال تعالى " و رأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعها و لم يجدوا عنها مصرفا
" - التي إذا زفرت زفرة خرّ كل ملك مقرب , و نبي مرسل على ركبتيه , من المهابة و العظمة و معاينة الأهوال .

(
ثم لتسئلنّ يومئذ عن النّعيم ) أي عن النعيم الذي ألهاكم التكاثر به و التفاخر في الدنيا , ماذا عملتم فيه ؟ و من أين وصلتم إليه ؟ و فيم أصبتموه ؟ و ماذا عملتم به ؟ . و قد صحّ عن النبي صلى الله عليه و سلم " إنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه و عن شبابه فيما أبلاه و عن علمه ماذا عمل به و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه
" .
و عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لما نزلت " ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم " قالوا يا رسول الله , لأي نعيم نسأل عنه , و إنما هما الأسودان التمر و الماء ؟ قال : " إن ذلك سيكون
" حسنه الشيخ الألباني .
و قال النبي صلى الله عليه و سلم "
إن أول ما يسأل عنه - يعني يوم القيامة - العبد من النعيم أن يقال له : ألم نُصِحّ لك جسمك , و نُروكَ من الماء البارد ؟
" صححه الشيخ الألباني .
قال ابن عباس " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " النعيم : صحة الأبدان و الأسماع و الأبصار , يسأل الله العباد فيما استعملوها , و هو أعلم بذلك منهم , و هو قوله تعالى " إن السّمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا " , قال ابن جرير : لم يخصص في خبره تعالى نوعا من النعيم دون نوع , بل عمَّ , فهو سائلهم عن جميع النعم , و لذا قال مجاهد : أي عن كل شيء من لذة الدنيا

المغرم اليائس 12-07-2008 01:48 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة القارعة

مكية و آياتها إحدى عشر آية

( القارعة ) من أسماء القيامة , كالحاقة , و الطامة , و الصاخة , و الغاشية , و غير ذلك . و سميت بها لأنها تفزع القلوب و الأسماع بفنون الأفزاع و الأهوال , و تخرج جميع الأجرام العلوية و السفلية من حال إلى حال : السماء بالإنشقاق و الإنفطار , و الشمس و النجوم بالتكوير و الإنكدار و الإنتثار , و الأرض بالزلزال و التبديل و الجبال بالدك و النسف .

( ما القارعة ) أي أي شيء هي ؟ فالإستفهام للتهويل من شأنها .

( و ما أدراك ما القارعة ) تأكيد لهولها و فضاعتها , ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق على معنى أن عظم شأنها و مدى شدتها , بحيث لا يكاد تناله دراية أحد , حتى يدريك بها .

( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) أي : في انتشارهم و تفرقهم , و ذهابهم و مجيئهم , من حيرتهم مما هم فيه , من ضعف و ذلة و اضطراب . وجاء في آية أخرى " كأنهم جراد منتشر "

( و تكون الجبال كالعهن المنفوش ) أي : كالصوف المنفوش , الذي بقي ضعيفا جدا تطير به أدنى ريح , قال تعالى " و ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب " ثم بعد ذلك تكون هباء منثورا , فتضمحل و لا يبقى منها شيء يشاهد , فحينئذ تنصب الموازين , و ينقسم الناس قسمين : سعداء و أشقياء .

( فأما من ثقلت موازينه ) أي : رجحت حسناته على سيئاته .

( فهو في عيشة راضية ) أي مرضية له و هو بها راض و كيف لا و هي الجنة دار النعيم المقيم .

( و أما من خفت موازينه ) أي قلَّت حسناته و كثرت سيئاته أو لم يكن له حسنة بالمرة كأهل الكفر و الشرك .

( فأمُّه هاوية ) أي : مأواه و مسكنه النار , التي من أسمائها الهاوية , تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى " و إن عذابها كان غراما " قال ابن جرير : و إنما قيل : للهاوية أمه , لأنه لا مأوى له غيرها , و قال ابن زيد : الهاوية : النار , و هي أمه و مأواه التي يرجع إليها و يأوي إليها , و قرأ " و مأواهم النار " . و قيل : إن معنى ذلك , فأم دماغه هاوية في النار أي : يلقى في النار على رأسه روي نحو هذا عن ابن عباس و عكرمة و قتادة , قال قتادة : يهوي في النار على رأسه .

( و ما أدراك ماهيه ) هذا الإستفهام للتهويل من شأنها و تعظيم لأمرها .

( نار حامية ) أي حارة شديدة الحر , قوية اللهيب و السعير , قال النبي صلى الله عليه و سلم ( نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين من نار جهنم ) قالوا : يا رسول الله , إن كانت لكافية , فقال ( إنها فضّلت عليها بتسعة و ستين جزءا ) رواه البخاري , و في بعض ألفاظه ( إنها فضلت عليها بتسعة و ستين جزءا , كلهن مثل حرّها ) رواه البخاري و مسلم , و رواه الإمام أحمد و زاد عليه ( و ضربت بالبحر مرتين , و لولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد ) صححه الشيخ الألباني .

المغرم اليائس 20-07-2008 09:23 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة العاديات

مكية و آياتها إحدى عشر آية

( و العاديات ضبحا ) يقسم الله تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت عدوا بليغا قويا , يصدر عنه الضبح , و هو صوت نفسها في صدرها عند اشتداد العَدْو .

( فالموريات قدحا ) يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار و تسمى نار الحباحب .

( فالمغيرات صبحا ) أي جماعات الخيل يركبها فرسانها للإغارة على العدو بها صباحا , و الإغارة صباحا أمر أغلبي , قال الشهاب : ... و تخصيص الصبح , لأن الغارة كانت معتادة فيه , أي مباغتة العدو .

( فأثرن به نقعا ) أي فأهجن بذلك الوقت غبارا من الإثارة , قال الشهاب : و ذكر إثارة الغبار , للإشارة إلى شدة العَدْوِ و كثرة الكرّ و الفرّ .

( فوسطن به جمعا ) فتوسطت جمع العدو و كتائبه لقتال أعداء الله الكافرين بالله و آياته و لقائه المفسدين في الأرض بالشرك و المعاصي .

( إن الإنسان لربّه لكنود ) المراد من الإنسان الكافر و الجاهل بربّه تعالى الذي لم تتهذب روحه بمعرفة الله و محابه و مكارهه و لم يُزَك نفسه بفعل المحاب و ترك المكاره , هذا الإنسان أقسم تعالى على أنه كفور لربه تعالى و لنعمه عليه أي شديد الكفر كثيره بذكر المصائب و يعشر بها و يصرخ لها و يصر عليها وينسى النعم و الفواضل عليه فلايذكرها و لا يشكر الله تعالى عليها , فالكنود الكفور .
و قد فسر السلف الكنود بالهلوع و الجحود و الجهول و الحقود و المَنوع .

( و إنه على ذلك لشهيد ) أي إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع و الكند لشاهد بذلك , لا يجحده و لا ينكره , لأن ذلك أمر بيِّن واضح . و يحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي : إن العبد لربه لكنود , و الله شهيد على ذلك , ففيه الوعيد , و التهديد الشديد , لمن هو لربه كنود , بأن الله عليه شهيد .

( و إنه لحب الخير لشديد ) أي و إنه لحب المال و الدنيا و إيثارها , لقويّ , و حبه لذلك , هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه , قدم شهوة نفسه على حق ربه , و كلُّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار , و غفل عن الآخرة .
و سمّي المال خيرا تسمية عرفية إذ تعارف الناس على ذلك , كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة الله تعالى .

( أفلا يعلم إذا بُعثر ما في القبور ) أخرج ما فيها من الأموات , لحشرهم و نشورهم .

( و حُصّل ما في الصدور ) أي أظهر و أبرز ما في صدورهم و نفوسهم من أسرارهم و نياتهم المكتومة فيها , من خير أو شر , فصار السر علانية , و الباطن ظاهرا , و بان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم .
قال الرازي : ( و إنما خص أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح , لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب , فإنه لولا البواعث و الإرادات في القلوب , لما حصلت أفعال الجوارح , و لذلك جعلها تعالى الأصل في الذم فقال " ءاثم قلبه " و الأصل في المدح فقال " وَجِلَت قلوبهم " )

( إنّ ربهم بهم يومئذ لخبير ) أي العالم بجميع ما كانوا يصنعون و يعملون و مجازيهم عليه أوفر الجزاء , و لا يظلم مثقال ذرة . فلو علم الكفور من الناس المحب للمال هذا و أيقنه لعدّل من سلوكه و أصلح من اعتقاده و من أقواله و أعماله فالآيات دعوة إلى مراقبة الله تعالى بعد الإيمان و الإستقامة على طاعته .
و خُص خُبره بذلك اليوم , مع أنه خبير بهم في كل وقت , لأن المراد بذلك , الجزاء بالأعمال , الناشئ عن علم الله و اطلاعه .


الساعة الآن +4: 08:48 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا المنتدى يعمل على نسخة في بي بلص