عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 31-12-2012, 09:49 PM
سعد الرشيدي
ابـو مــحــمـــد
الصورة الشخصية لـ سعد الرشيدي
رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 22 / 4 / 2006
عدد المشاركات : 3,276
قوة السمعة : 10

سعد الرشيدي قام بتعطيل خيار تقييم العضوية
غير متواجد
 
الافتراضي
عود على بدء
فقد عدّ المتقدون من مياههم (النقرة)() في الوسط، و(سبّا وصفاراء)() في الشمال، وفي مكان آخر تكلّم أبو على الهجريّ مطوّلاً عن مياههم في الجنوب الداخلة في حِمَى ضرِيّة، ولا بأس من إيراده هنا كاملاً، لتعميم الفائدة، والتعليق عليه إن وُجِدَ ما يدعو إلى ذلك، وهذا نصّه: ... ثم الجبال التي تلي النّائعين في أرض بني عبس، منها جبل يقال له عمود العَمُودِ، مستقبل أبان الأبيض، بينهما أميال يَسِيرةٌ، وفي أرض العَمُود مياه لبني عبس.
قلت: في هذا المقطع من النص دليل على أن بني عبس كانوا في القرن الثالث والرابع من الهجرة يساكنون إخوتهم بني فزارة في جبل أبان الأحمر وحوله.
ثم قال: وجبل آخر في أرض بني عبس يقال له سَنِيح، وهو أسود فاردٌ ضخم. ولبني عبس ماءات في شُعَبٍ مِنْه.
ويرى شيخنا الجليل محمد بن ناصر العبودي أن سنيحاً هو ما يعرف اليوم باسم (الحميمة)، ولكن هناك نصوص في جبل العبد بالقرب من وادي الدآث تصدق على جبل الحميمة هذا.
قال ياقوت(): العليبه... مويهة بالدآث من بلاد بني أسد بقرب جبل عَبْد، وقد قال فيها الشاعر:
شـرُ مياه الحارث بن ثعـلبه
مـاء يسـمى بالحـزيز العلـيبه
وقال الأصفهاني: وبقرب الدآث جبل يقال له عَبْدٌ.
وقال – أيضاً: وفوق الدآث مما يلي المغرب حزيز صفيّة، وصفيّة ماءه لبني أسد، وبها هضب يقال له هضب صفيّة – هذاكله لأسد.
وفوق ذاك أبان الأبيض، لعبس().
وأقول: النظرة في هذه النصوص تحدد لنا بوضوح أن الحزيز هو جَلَدُ الأرض الصلبة الواقعة بين جبل أبان الأحمر ووادي الدآث، وأن العليبه وصفيّة ماءتان في الحزيز، وفيه هضب صفيّة، وهذا الهضب يقال له في يومنا هذا هضب الدوسري، وقد أشبع القول فيه الشيخ العبودي()، فقرب جبل العبد من الدآث، وأيضاً من ماءة العليبة بالحزيز يؤكد أنه يقع بالحزيز، ولا جبل أسود في حزيز صفيّة إلا جبل الحميمة الواقع بالركن الجنوبي من هضب الدوسري (هضب صفيّة قديماً) ولفظة الحميمة في لغة أهل نجد تعني العبد، وعليه فواقع الحال يقول بما لا يدع مجالاً للشك أن جبل الحميمة هو ما كان يقال له في هذه الناحية العبد قديماً.
أمّا جبل ٍسَنِيح: فكل ما جاء في النّص عنه من وصف وموقع ينطبق على جبل سمراء ضُمَيْنَه()، فهو الذي يليه جبال الزهاليل (اللهيب)، ويقع في حدود حِمَى ضريّة، وبأصله وادٍ عّذِيّ التربة، وفيه قرية للمضابرة بهذا الاسم، لا استبعد أن تكون في موقع المياه التي كانت في شُعَبٍ منه، لعبس.
ثم قال الهجري: ثم الجبال التي تليه – أي سنيح – في أرض فزاره: عَفْر الزّهَاليل، وبه ماءة يقال لها الزهوله. والزهاليل: جبال سُوْدٌ في أرض بني عَدِي بن فزارة، حولها رمل كثير ببلد كريم. قال الشاعر لإبله وهو ببيشه من طريق اليمن، وقد نزعت إلى الحمى:


كُلِي الرِّمثَ والخُضَّارَ مِنْ هُدْبة الغَضَا


ببيشه حَتَّى يَبْعَثَ الغَيْثَ آمِرُهْ


ولا تأمَلِي غَيْثاً تَهلّلَ صَوْبُهُ


على شُعَبَى أو بالزَّهَالِيلِ مَاطِرُهُ



ثم يليها من مياه فزارة ماءة لها شُعْبَة، في جَلَدٍ من الأرض. ولبني مالك من حَمِار ماءة يقال لها المظلومة. ولبني شمخ ماءٌ يقال له الشمع()، في ناحية من الرملة. ثم يليه ماءٌ يقال له الجفير()، وفي جوف رمل، ولهم هناك قرية يقال لها الجمام، بها نخلٌ كثير، وهي لبني سَلَمَة. ولبني بَدْرٍ من فزارة هناك بئرٌ يقال لها الجمام، يزرعون عليها. والعِتريفية: ماءٌ لبني شمخ بالبطان، والبطان سَهْلٌ منهبط في الأرض،رملة وصلابة()... فجميع مياه فزارة الداخلة في الحِمَى أحد عشر منهلاً، أكثرها فيها قُرىً ونخلٌ، ولفزارة سوى هذه المياه مياهٌ خارجةٌ عن الحِمَى، بها نخلٌ وقرىً.

ثالثاً- الفَلَوات: لا يجد الباحث غضاضة في القول: إن معظم ديار فزارة هي في الغالب فلوات – جمع فلاة – غير أنني لن أذكر منها سوى اثنتين؛ لشيوع شهرتهما في الأخبار والأشعار القديمة، وهما:
1- الجناب: وهذا الاسم يتردد كثيراً في المراجع القديمة، كعلم لناحية من الأرض فيها حقوق مشتركة لكل من بني فزارة، وبني عُذره، وبني كلب، وبليّ وجهينة، مما يدل على اتساع رقعتها الجغرافية طولاً وعرضاً، غير أن أرضاً بهذا الاسم قد جهلت بين من حلّ فيها من القبائل المعاصرة إلى أن قام الشيخ حمد الجاسر فأشبع القول في هذا الاسم بحثاً وتحقيقاً، فمن ذلك اتضح أن الجناب قديماً هو ما يطلق عليه اليوم اسم (الجهراء) وهذه صحراء واسعة الأنحاء، تمتد من أعراض خيبر الشمالية الشرقية حول (جُبار) جنوباً إلى تيماء شمالاً، وقد تمتد إلى أبعد من هذا في الشمال ومن جبل عرنان شرقاً إلى صمد عّذرة غرباً، وهذا الصمد عرّفه حمد الجاسر وقال - بتصرف - : أنه الجبال والآكام الممتدة من شرق العلا، بميل نحو الجنوب إلى الشرق من تبوك.وصحراء الجهراء هي في كل ذلك سهول وأودية ومراتع كريمة، وتقع بلاد بني عُذرة في الشمال الغربي منها، كما تقع بلاد كلب في الشرق، ومن إلقاء نظرة على أسماء المعالم التي كانت معروفة لقبيلة فزارة في الجناب (الجهراء) ولا تزال باقية على أسمائها القديمة.
يتضح من ذلك أنها كانت تسيطر سيطرة تامة على أوسع مساحة من هذه الصحراء، فهي تمتد من ضواحي جبل (جُبار) في الجهة الجنوبية الغربية منها، إلى مسافة قريبة من تيماء في الشمال، ثم من جهات تيماء تمتد نحو الجنوب الشرقي إلى الأطراف الشمالية الشرقية لحرّة ليلى، ثم تمتد نحو الشمال الشرقي إلى لبِّ رمال عالج (النفود الكبير) حول جبل عرنان. ومن أشهر هذه المعالم:
أ- أجبال صُبْح: لبني حِصْن بن حذيفة، وهرم بن قطبة، قال الشاعر:


أَلاَ هَلْ إلَى أَجْبَالِ صُبْحٍ بِذِي اْلغَضَا



غَضَا اْلأَثْلِ مِنْ قَبْلِ المّمَاتِ مَعَادُ؟!



بِلاَدٌ بِهَا كُنَّا وكُنَّا نُحِبُّها





إذ الأَهْلُ أُهْلٌ والبِلاَدُ بلادُ



وقال أرطأة بن سُهَيّة المرِّي:


حَمَوْا عَالِجاً إلاَّ على مَنْ أطَاعَهُمْ




وأَجْبَالَ صُبحٍ كُلَّها فالحرائِرَا



وأجبال صبح تعرف اليوم باسم ظلما().

ب- جبل عرنان: قيل فيه أقوال كثيرة أصحها قول نصر:عرنان: مما يلي جبال صبح (ظلما) من بلاد فزارة. وهذا هو الواقع، ويوصف عرنان بكثرة الوحوش.
قال القتّالُ الكِلاَبيُّ:


وما مُعْزلٌ مِنْ وحشِ عِرنَان أَتْلَعَتْ




بِسنَّتِها أَخْلَتْ عليها الأَدَاعِيُ


وقال بشر بن أبي خازم:


كأَنِي وأَقْتَادِي على حَمْشةِ الشَّوَى



بِحَرْبَة أوطاوٍ بِعُفَانِ موجِس


 
تمَكَّثَ شيئاً ثُمَّ أنْحَى ظُلُوفَهُ


يُثِيْرُ التُّرابَ عَنْ مَبِيتٍ ومكنَسِي


أطَاعَ له مِنْ جَوِ عَرنَانَ بَارِضٌ


وَنَبْذُ خِصَالٍ في الخَمَائِلِ مُخلِسِ



فهو أخصب مراتع الوعول وأطيبها، ولا نزال نسمع بين حين وآخر من أصطاد وعلاً في عرنان، ولكن ذلك من النادر، فقد قضى على أثرها فيه في هذا الزمان الصيد الجائر.

ج- وادي قوًّ: وهذ وادٍ عظيم يخترق الجهراء (الجناب قديماً) من الجنوب إلى الشمال، جاعلاً جبلي رؤاف وبرد يمينه، وهما جبلان لفزارة، مواصلاً مجراه في هذا الاتجاه حتى يفيض في المنخفضات الشمالية ما بين جبلي برد وغنيم. وأنشد الهجري لابن الدُّهَيِّ:


خَلِيلَيَّ سِيْرَا واجْعَلاَ هضب وابش



مَدَى الطَّرْفِ مِنْ أعْضَادِهِنّ المَيَاسِرِ


ومُرَّا على قوٍّ فقِيلا بِدومِهِ


وَرُوْحَا إذا فاءت ظِلاَلُ الهَوَاجر

فإنْ عسى أن تَسْلَمَا وتَغَنَّما


إذا قِيْلَ: تَرعَى بَالمُرَيْرِ الأباعِر


فائدة لغوية:
لقد استرعى انتباهي دقة المعنى اللغوي في قول الشاعر: ((إذا فاءت ظلال الهواجر)) وللاستفادة من معرفة الفرق بين الظل والفيء، قال الإمام اللغويّ أبو علي الهجري : يُعْرَفُ الظِّلُّ من ثلاث جهات ما نسختهُ الشَّمْسُ في مكانِهِ عند طُلُوعِهَا، والثاني: أنَّهُ يَنقُصُ إلى أن تَزُولَ الشَّمسُ، والثالث: أنّهُ ما كان مِنْ أوّلِ النَّهَارِ إلى زوالِ الشَّمسِ، ويُعْرَفُ أيضاً الفَيْء من ثلاث علامات: هو ما كان فيه الشَّمسُ فَعَادَ مكانُهُ ظِلاًّ، والثاني: أنّ الفَيْء يَزِيدُ إلى غَيَابِ الشَّمسِ. والثالث: أنَّهُ مِنْ زَوَالِ الشَّمسِ إلى غَيْبَتِها، ويجوز أنْ يُسمَّى ظل الغداة فَيْئاً، فكُلُّ فَيْءٍ ظِلٌّ وليس كُلُّ ظِلٍّ فيْئاً.
2- الصلعاء: وهي الأرض المنبسطة الواقعة بين اجتيازك وادي الرمّة من الحاجر في طريق الحاج الكوفي إلى النقرة، قال في كتاب: "المناسك: 319" في وصف الطريق من الحاجر إلى مكة: (قرورى على ثلاثة عشر ميلاً من الحاجر، وهي المتعشَّى، وهي أرض مستوية لا ترى فيها جادّةً، تُسمَّى الصلعاء، وفي مثلها توجد الكمأة، وهي أرض معمورة، وهي لبني عُمَير. وقرورى هو الجبل المشرف على المتعشّ مفرد وعليه علمٌ بيّن، وبه بركتان في موضع واحد؛ يمنة ويسرة. عند القصر. والقصر يمنة، والجبل يسرة وعليه علم وإحدى البركتين زبيدية مدورة، والأخرى مربعة يسرة، وعند الجبل أربع آبار واحدة منها ماؤها كثير وهي مربعة. وإذا خرج الخارج من (قَرَوْرَى) فإنه يسير في أرض سهلة دحس لا تبيّن المحاج فيها). انتهى

وفي "معجم شمال المملكة: 2/785" حدّد الشيخ حمد الجاسر أرض الصلعاء وقال: تقع جنوب وادي الرمّة بين امتداده من مشاش (جاوان) حتى البعايث (الحاجر)، ثم من البعايث جنوباً حتى جبل (ديم) هذا من الناحية الشرقية، ومن الغرب من مشاش جاوان حتى النقرة الشمالية...
وأقول: من أبرز الأعلام وأشهرها في هذه الصحراء جبل أُمِّ رُقَيْبَة (قرورى قديماً)، وأسناف اللحم وفي أصله تلقاء أمِّ رقيبة آثار، يظهر أنها آبار وبرك للحاج، وجبل (ديم).
وفي عام 580 هـ مرّ ابن جبير في رحلته بجبل قرورَى في وسط الصلعاء، وقد سمّاه (قاروره) بزيادة ألف بعد القاف وإبدال الألف المقصورة الأخيرة (هاء) مربوطة، محرفاً عن الأصل. ووصف أرضه، وهي أرض الصلعاء وصفاً جميلاً وشيقاً، قال: (ونزلنا ليلة الخميس من السادس عشر لمحرم وسادس يوم رحيلنا – يريد من المدينة المنورة – على ماء يعرف بالقاروره، وهي مصانع مملوءة بماء المطر، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد، وما أرى أن في المعمورة أرضاً أفسح بسيطاً، ولا أوسع أُنفاً، ولا أطيب نسيماً، ولا أصح هواءً، ولا أمدّ استواءً، ولا أصفى جوّاً، ولا أنقى تُربةً، ولا أنعش للنفوس والأبدان، ولا أحسن اعتدالاً في كل الأزمان من أرض نجد، ووصف محاسنها يطول والقول فيها يتسّع، وفي الخميس المذكور مع ضحوة النّهار نزلنا في الحاجر). انتهى. وفي الصلعاء كان يوم من أيام العرب في الجاهلية يسمى يوم الصلعاء، لهوازن على غطفان، قال النّوَيري... غزا دّريد بن الصّمّة غطفان بالصلعاء، فخرجت إليه، فقال لصاحبه، ما ترى؟ قال: أرى خيلاً عليها رجال كأنهم الصبيان، أسنتها عند آذان خيلها()، قال: هذه فزارة، ثم قال: انظر ما ترى؟ قال: أرى قوماً كأن عليهم ثياباً غُمست في لجاب المعزى(). قال هذه أشجع، ثم قال: انظر ما ترى؟ قال: أرى قوماً يجرون رِمَاحهم سوداً يخدُّون الأرض بأقدامهم، قال: هذه عبس أتاكم الموت الزؤام فاثبتوا فالتقوا بهم بالصلعاء، فاقتتلوا فكان الظفر لهوازن على غطفان، وقتل دريدُ ذؤابَ بن زيد بن قارب العبسي، انتهى، وقال دريدُ بن الصّمّة:


قَتَلْتُ بعبدالله خَيرَ لِدَتِهِ



ذؤابَ بن أسماء بن زيد بن قارب


ومُرَّةُ قد أخرجتُهُمْ وتَرَكتَهُم



يَرُوغُونَ بالصلعاء رَوْغَ الثَّعَالِبِ



ويظهر أن النويري قد خلط بين يوم اللّوَى ويوم الصلعاء؛ فالأوّل: لغطفان على هوازن، وكان من أمره أن غزا عبدالله بن الصّمّة وأخوه دريد ومعهم بنو جشم وبنو نصر من هوازن – غطفان، فاستاقوا أموالهم، فلما كانوا في مكان غير بعيد عنهم، أمر عبدالله بن الصّمّة رئيس الغزاة أن يبيتوا، وقد نهاهم دريد عن هذا، فعصوه، فما لبثوا إلا وقد لحقت بهم غطفان – فزاره أشجع عبس – فسألوا طليعتهم الأسئلة وأجوبته عليها، كما أوردها النويري في يوم الصلعاء، فتلاحقوا بالمنعرج من رميلة اللوى – عريق الدسم – فاقتتلوا، فقتل رجلٌ من بني قارب من عبس عبدالله بن الصّمّة، وسقط دريد مصاباً بجروح بليغة، فتظاهر عند وقوفهم عليه أنه قد مات، فاعتقدوا ذلك، فلما نجا دريد من الموت قال – من قصيدة له – :


أمرتُهم أمري بمنعرج اللّوَى



فلم يستبينوا الرُّشدَ إلا ضحى الغدِ


فلما عصوني كنت منهم وقدأرى


غوايتهم وأنني غير مهتدِ

وهل أنا إلاّ من غزِيّة إن غوتْ


غويتُ وإن ترشُد غزية أرشدِ




والثاني: لهوازن على غطفان، وقد جاء ثأراً لمقتل عبدالله بن الصّمّة في الصلعاء، وفي هذا اليوم ظفر دريد بقتل ذؤاب العبسي ثأراً لأخيه.
والصلعاء كانت في الجاهلية من ديار عبس، ثم أصبحت بعد ظهور الإسلام من ديار فزارة(). وكان عيينه بن حذيفة رئيس غطفان في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم قد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدخل العلوج – أي الأعاجم – المدينة المنورة، وقال: كأني برجلٍ منهم قد طعنك هنا، ووضع يده تحت سرته، وهو الموضع الذي طُعِنَ فيه، فلما طعنه أبو لؤلؤة لعنه الله قال: إنَّ بين النقرة والحاجر لرأياً. وكان يشير إلى عيينه وأن منازل قومه آنذاك كانت بين النقرة والحاجر()، وهي أرض الصلعاء.
ومن مشاهير بني فزارة:
بدر بن عمرو؛ قتيل بني أسد، وحذيفة بن بدر، قتيل بني عبس، وهو صاحب الفرس الغبراء، التي بسببها كانت حرب داحس والغبراء، ودامت على ما في الأخبار الطوال أربعين سنة، وهي مستعرة بين أهل نسب وحسب واحد، وحِصن بن حذيفة؛ قتيل بني عُقَيل من بني عامر، وهو الذي على يده عُقِدَ الصلح بين بني ذبيان وبني عبس، وبموجبه تمّ إنهاء الحرب بينهما في جبل قطن()، وكان الحُطَيْئةُ قد شهد التنافس بين عيينه بن حصن بن حذيفة وزبّان بن سيّار على رئاسة غطفان وفضل عيينه على زبّان بما قدّم آباء عيينه له من مجدٍ يصعب التطاول عليه فقال:-


أَبَى لَكَ آباءٌ أَبَىَ لَكَ مجدهم



سوى المجد فانظرْ صاغراً من تنافرُه


قبُورٌ أصَابَتْها السّيُوفُ ثلاثةٌ
أرى


نجومٌ هوتْ في كُلِّ نجمٍ مَرَائِرُه

فقبرٌ بأجبال وقبرٌ بِحَاجرٍ


وقبرُ القَلِيْبِ أسعَرَ الحربَ سَاعِرُه


وشرُّ المنايا هَاِلِكٌ وسطَ أهلِهِ


كهُلكِ الفَتَاةِ أيقظ الحيَّ حَاضِرُه



"فقبر بأجبال" يعني قبر بدر بن عمرو، و"قبر بحاجر" يعني قبر حصن بن حذيفة، و"قبر القليب" يعني الهباءة؛ قبر حذيفة بن بدر().
وعيينة بن حصن بن حذيفة رئيس غطفان في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد أغار على إبل النبيّ صلى الله عليه وسلم – قبل إسلامه – وهي في الغابة فنهبها، فردّتْ منه، وكان أحد رؤوس الأحزاب في غزوة الخندق، أسلم قبل الفتح وشهد فتح مكة وحُنَيناً والطائف، وكان من المؤلفة قلوبهم، وبعثه النبيَ صلى الله عليه وسلم إلى بني تميم، فسبى بعض بني العنبر وزوّج ابنته (أم البنين) من الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان قد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجرة عائشة، فقال: من هذه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة، فقال: أفلا أنزل لك عن خير منها.. فغضبت عائشة وقالت: من هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا الأحمق المطاع()، وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان ممن ارتدّ عن الإسلام، وانضمّ إلى طليحة بن خويلد في (بزاخة) وهناك دارت معركة حامية الوطيس، انتهت بهزيمة المرتدين، وفيها أسر خالدٌ بنُ الوليد عيينه، فوثقه، وبعثه إلى المدينة، وهناك نُكِّل به، على يد الصبية من أهل المدينة، فأسلم وحقن دمه أبوبكر()، فساءت أحواله، ثم عمي في إمرة عثمان بن عفان رضي الله عنه()، ولم أقف على تاريخ وفاته.
وبيت آل بدر في فزارة أحد بيوتات العرب الخمسة، قال أبو علي الهجري: بُيُوتات العرب: بيت تميم إلى حَاجَب بن زُرَارةُ، وبيت ربيعة قيسُ بن مسعود ذِي الجدَّيْنِ، وبيتُ قيس عَيْلان إلى آل بدر من فزارة، وَبَيْتُ ضبّة إلى ضِرَارِ بن المنذر بن حسّان، وَبَيْتُ كِنْدَةَ إلى الأَشْعَث بن قيس(). وبنو بدر هؤلاء تمثل فيهم في هذا المعنى ابن مَيّادةَ، وقال:


تُيَمِّم خيرَ النَّاس مَاءً وحَاضِراً



وتَحْمِلُ حَاجَاتٍ تضمنَّها صدرِي


فإنِّي على رَغْمِ الأَعادي لَقَائِلٌ
أرى


وَجَدْتُ خِيَارَالنَّاسِ حيَّ بني بدرِ


لهم حَاضِرٌ بالهجمِ لم أرَ مِثْلَهُمْ


مِنْ النّاسِ حيّاً أهل بدوٍ ولا حضرِ



وخيرُ معدٍّ مجلساً مجلسٌ لهم



يَفِيءُ عليه الظّلُّ مِنْ جَانِبِ القصرِ

أخُصُّ بِهَا روقى عُيَينة أنّه


كذاك ضحاحُ الماء يأوِي إلى الغَمْرِ

فأنتُمْ أحقُّ النّاس أن تتخيروا


المياه وأن تَرْعَوْا ذُرَى البلد القّفْرِ


ومنهم – أيضاً – بغيض بن مالك من بني عّدِيّ؛ اجتمعت عليه قيس في الجاهلية، ويزيد بن عمرو بن هبيره والي العراقيين وأبوه أيام يزيد بن عبدالملك()، وآخرون يطول ذكرهم.
ومن النساء:
1- أُمُّ قِرْفه: وهي التي كانت العرب تضرب بعزِّها المثل وتقول: ((لو كنت أعزَّ من أُمِّ قرفه ما زدت)) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية بقيادة زيد بن حارثه إلى وادي القرى، وهناك اشتبك مع جماعة من فزارة، وقتل عدداً منهم، وأسر أمَّ قِرفه؛ وهي: فاطمه بنت ربيعه بن بدر، وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر، فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أمُّ قرفة، فقتلها قتلاً عنيفاً؛ بربط رجليها بحبلين، ثم ربطهما إلى بعيرين، حتى شقاها شقاً، وكانت عجوزاً كبيرة، وهذا العنف في قتل أمّ قرفه يعزى إلى غزوة لزيد بن حارثة على بني فزاره أيضاً في وادي القرى في شهر رجب من السنة السادسة للهجرة، وقد قُتل عدد من أصحابه فيها، وأصيب هو بجروح بليغة، على يد أحد بني بدر، فلما استعاد قوته كانت له هذه الغزوة، التي قتلت فيها أمّ قرفه في شهر رمضان من السنة نفسها().
2- سلمى أُمُّ زِمْل بنت مالك بن حذيفة بن بدر: وهي بنت أم قرفه المتقدم ذكرها، وكانت قد سُبِيتْ في مقتل أمها، فجيء بها إلى المدينة، وكانت من أجمل النساء، فوهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وقعت لعائشة فأعتقتها، فذهبت إلى قومها، وكان فلول المرتدين من غطفان قد اجتمعت إليها بعد معركة (بزاخه)، وهي في (ظفر) من أرض فزارة، فألهبت فيهم نار الحماسة، وفي ذلك يقول الطبري: (فاجتمعت تلك الفلال إلى سلمى، وكانت في مثل عزّ أمها، وعندها جمل أم قرفه، فنزلوا إليها، فذمّرتهم، وأمرتهم بالحرب، وصعّدتْ سائرة فيهم، وصوّبت تدعوهم إلى حرب خالد، حتى اجتمعوا لها وتشجعوا على ذلك، وتأشّب إليهم الشرداء من كل جانب... من غطفان وهوازن وسليم وأسد وطئ، فلمّا بلغ ذلك خالداً، وهو فيما فيه من تتبُّع الثأر، وأخذ الصدقة ودعاء النّاس وتسكينهم سار إلى المرأة، وقد استكثف أمرها وغلظ شأنها، فنزل عليها، وعلى جمّاعها، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهي واقفة على جمل أمها، وفي مثل عزّها، وكان يقال من نخس جملها فله مائة من الإبل لعزها، وأبيرت يومئذٍ بيوتات من جاس من غنم وهاربة من غنم، وأصيب في أناس من كاهل، وكان قتالهم شديداً حتى اجتمع على الجمل فوارس فعقروه، وقتلوها، وقتل حول جملها مائة رجل...)().
وظفر الذي وقعت المعركة فيه، وفيه أيضاً قتلت سلمى الفزارية جبل لا يزال معروفاً، ولكنه ينطق بصيغة المؤنث (ظفرة)، قال حمد الجاسر – بعد أن أورد الشواهد عليه – : وظفرة هذا جبل أسود ذو رؤوس سود متفرقة يجمعها أصل واحد، ويقع شرق بلدة الشملي بما يقارب 44 كيلاً، وجنوبه قرية الفيضة فيضة ابن سُوَيْلم بما يقارب 30 كيلاً بينها وبين هذه القرية هضاب تدعى أم عِدْلّيْن()...
3- هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري: تزوجّها بشر بن مروان، بعد أن مات عنها عبيد الله بن زياد، فولدت له عبدالملك بن بشر، ثم تزوّجها الحجاج بن يوسف الثقفي، فافترقا بالطلاق().
4- خولة بنت منظور بن سيّار الفزاري: تزوّجها محمد بن طلحة بن عبيد الله، فولدت له إبراهيم وداود وأم القاسم، ثم قتل عنها يوم الجمل، وتزوّجها الحسن بن علي بن أبي طالب، فولدت له الحسن بن الحسن().

قال الشاعر:


إنّ الندى في بني ذُبيان قد علموا



والجود في آل منظور بن سيّارِ


الماطرين بأيديهم ندىً دِيمَا
أرى


وكُلَّ غيثٍ من الوسمي مِدْرَارِ

تزور جاراتهم وَهْنَا فواضلهم


وما فتاهم لها سرّاً بزوّارِ

ترضَى قريش بهم صهراً لأنفسهم


وهم رضىً لبني أختٍ وأَصْهَارِ



5- أم البنين بنت عيينه بن حصن: زوجة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ب
- بنوثعلبهبنسعدبنذبيان:

ومنهم: بنو الحارث، بنو مازن، بنو بجالة، بنو رزام، بنو أمة، بنو ناصره()، بنو هاربه، بنو ناشب، بنو ناشرة، بنو عُمَير بنو جحّاش – جمع جحش –، وبنو عُوَال، وهذا البطن الأخير يضاف إليه حزم، يقال له حزم بني عُوَال، وفيه حِبْسهم (سدماء) وعنده تنقطع حرّة بني سليم().
وبلادهم تمتدُّ من الأطراف الجنوبيّة لحرّة النّار شمالاً إلى أقصى حدود حِمَى الربذة جنوباً، ومن ديار بني محارب مابين حسو عليا ووادي الجرير() شرقاً، إلى (حَجْر) و(قَلَهَى) و(دومة) و(الحجون) في الجانب الشمالي الشرقي لحرّة بني سليم غرباً، وهي التي عناها زهير بن أبي سلمى، في معرض تحذيره بني تميم من مغبّة غزو غطفان، وهم بمنازلهم، في هذه الجهة من بلادهم قائلاً:


أَلا أَبْلغْ لديك بني تميم


وقد يأتِيك بالنُّصْح الظّنُونُ

بأن بُيُوتَنَا بمَحَلِّ حَجْرٍ


بكُلِّ قَرَارةٍ منها نكونُ

إلى قَلَهَى تكونُ الدّارُ مِنَّا


إلى أكنافِ دَوْمَةَ فالحَجُونُ

بأوديةٍ أسَافِلهُنّ روضٌ


وأَعلاَها إذا خِفْنَا حُصُونُ

نَحلُّ سهُولَها فإذا فَزَعنَا


جَرَى منهنّ بالآصال عُونُ



و"حجر" و"قلهى" قريتان؛ الأولى: لاتزال معروفة، وتدعى الحجريّة، وقد مررت والشيخ ناصر بن عياد ابن رميح بها في 28/2/1433هـ وقد أدركتنا صلاة الظهر فيها، وبعد انقضاء الصلاة كان لنا بجوار المسجد حديث، مع بضعة رجال من أهلها عن بعض المواضع، ومن بينها جبل القنينه الذي كان يضاف إليها منذ عهد بعيد، فإذا هو مطل على القرية من مطلع الشمس، وقد وصلت إليه في عصرنا هذا مبانيها، وقد ذكره عرّام بن الأصبغ السلمي في القرن الثالث من الهجرة بعد ذكره الرحضية()... قال: وحذاءها قرية يقال لها الحجر، لبني سليم خاصة، وماؤها عيون، وحذاءها جُبَيل شامخ يقال له قُنّة الحجر.

قال الشاعر:

أَلا ليت شعري هل تغيّر بعدنا؟


أروم، فأرام، فشابه، فالحضر؟

وهل تركت أُبْلَى سواد جبالها؟






وهل زال بعدي عن قنينته الحجر؟



ومن ألطف ما قرأت في ذكره قصيدة لشاعرة من البادية تستخطب فيها صاحباً لها من دون أن تبوح باسمها لا باسمه، وفيها تقول:


يا ونّتي ونّيتها في القنانه()



والضلع أبو الريحان من ونّتي ونّ

يا مرسلي قل له: تقل لك فلانه


وجدي على لاماك يا (هنّ ابن هنّ)

أخلط لك السكر بتمر اللبانه


بضايعٍ في السوق ما قطّ سِيْمَنّ

وادي حجر يذكر تعدّى صفاْنه


وأن الوَدَايا في حجر ساعٍ أفننّ



فقد كانت بليغة، فهي تكني بالسكر والتمر في البيت الثالث عن نفسها بما لا يحسن التصريح به، وبتعدي وادي حجر لصفينه وأن النخل فيه قد حان اقتطاف ثمارها عن كونها قد بلغت مبلغ النساء في الزواج.
والثانية: غير معروفة، ولكن يرى أحد الباحثين() أن قلهى هي ما يعرف اليوم باسم "الغُبَيّة" وهذه آثار من المباني المبنيّة بالحجارة، فوق حريرة هابطة في الأرض، عند ملتقى وادي الجعير "ذو رولان قديماً"() بوادي الخليج، على حافته الجنوبية. إمّا "دَوْمَةَ" و"الحجون" لا يزالان معروفين، وهما اسمان لموضعين من وادٍ واحد، ينطلق سيله من جبل أحامر؛ أحد جبال "أُبْلى" متجهاً صوب الشمال، حتى يفيض في وادي الشعبة، فأعلاه يسمَّى (أبو دومه) وأسفله يعرف باسم (الحجون)().
ثم تمتدّ في الجهة الشمالية الغربية امتداداً لحزم بني عُوَال، حتى مشارف المدينة المنورة()، وبهذا تشمل بلادهم مساحة كبيرة مما كان يعرف قديماً بأرض الشرَبّة().

ومن معالم ديارهم:
1- الجبال منها: رحرحان، القهب، هضب الهاربية، هضب المنحر، أبرق العزّاف()، راكس، حزم بني عُوَال()، شابة().
2- المياه ومنها: بطن نخل: وادٍ ذات مياه كثيرة، يشاركهم فيه فروع من غطفان، وقد أصبح في هذه العهد مدينة كبيرة تُدعَى (الحناكية)()، وغدير قلهى، وأعوج، والعزّافه، وحمامة، وجفر القهب وغيرها.
3- الفَلَوات ومنها:
أ- اللعباء: صحراء متباعدة الأطراف، تقع جنوباً شرقياً من الحناكية، متصل طرفها الجنوبي برمل القوز، قال البكري: بين الربذة وبين أرض سليم، وهي لفزارة، وبني ثعلبه، وبني أنمار بن بغيض..، وتوسّع البلادي في وصفها وقال: صحراء واسعة جنوب شرقي الحناكية، بينها وبين الربذة، تتخللها أودية وحزوم وقيعة.. ثم قال: وهي اليوم خبت واسع، من ضفة وادي الشعبة اليمانية: (معالم الحجاز: 7-8/1472). وهذه هي التي يقول فيها الشاعر كثيّر:


سقى الكّدر فاللعباء فالبُرق فالحِمَى



فلوذَ الحصى من تغلمين فاظلما

فأروى جنوب الدونكين فضاجعاً


فدرّاً فأُبْلَى صادق الوبل أسحما

تثج رواياه إذا الرّعد زجّها


بشابة فالقهب المزاد المحذلما



ب- الربذة(): قرية كانت عامرة بالسكان، في طريق الحاج الكوفي، لقوم من ولد الزبير بن العوام، وكانت لفزارة، وهي في وسط فلاة من أكرم الأماكن موضعاً، وأطيبها مرعىً، ولهذا جعلها الخليفة عمر بن الخطاب حِمىً؛ لإبل الصدقة، وكان حِمَاه الذي أمر به، وعُرِف تاريخياً بـ "حمى الربذة" بريداً في بريد()، ثم توسعت الولاة فيما بعد في زيادة رقعته إلى أن شمل دائرة واسعة حول الحِمَى، وفي كتاب "أبو علي الهجري" بحث مطوّل عن هذا الحمى وحدوده، لا مثيل له عند غيره.
من الأحداث التاريخية القديمة التي وقعت على بني ثعلبه؛ أهل الربذة القدامى ما رواه صاحب كتاب "المناسك" عن عبدالرحمن بن بشر عن أبي عمرو الباهليّ عن الأصمعي عن أبي الزناد، قال: قدم على عمر قوم فرأى إبلهم خماصاً، فقال: أسأتُم السير، وعذبتُم هذه البهائم؟ قالوا: لا، ولكن جلاتنا بنو ثعلبة بن ذبيان عن الربذة، فوجّه إليهم جيشاً حتى أجلاهم(). وأقول: كان لهم أيضاً مثل هذا في عهد الخليفة أبي بكر الصديق أيام الردة، فقد قاد بنفسه حملة على بني ثعلبه ومن يليهم من بني عبس وبني مرة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكان النصر لأبي بكر الصديق على بني ثعلبه بن ذبيان، ثم أجلاهم عن بلادهم، وقد أورد الطبري خبر هذه الحملة وقال: ((... فخرج في تعبيته إلى ذي حسى() وذي القصه.. حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق فاقتتلوا فهزم الله الحارث وعوف()، وأخذ الحطيئة أسيراً، فطارت عبس وبنو بكر()، وأقام أبوبكر الصديق على الأبرق أياماً، وقد غلب بني ذبيان على البلاد، قال: حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد، إذ غنمناها الله، وأجلاها... وحمى الأبرق لخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة النّاس على بني ثعلبه، ثم حماها كلها لصدقات المسلمين، لقتال وقع بين الناس، وأصحاب الصدقات، فمنع بذلك بعضهم من بعض...))().
ولعل هاتين الحادثتين هما اللتان مكنتا قوما ً من ولد الزبير بن العوام أن يحلُّوا محل بني ثعلبه في الربذة()، وآخرين من بني أبي طالب بالأبرق()، مما يدل على أن بني ثعلبه كانوا بين حين وآخر يعودون إلى بلادهم التي أجلاهم عنها أبوبكر الصديق أولاً، ثم عمر بن الخطاب ثانياً، لأسباب تعود – على ما يبدو – إلى حروب الردة، وهو ما سمح لاحقاً لفروع من بني سليم أن ينتشروا في المواضع الغربية والجنوبية من بلادهم القديمة، والشيء نفسه لبني محارب في المواضع الشرقية والشمالية والوسط.
وفي خلافة عثمان بن عفان أمير المؤمنين انتقل أبوذرٍّ الغفاري صاحب رسول الله إلى الربذة مغاضباً، فسكنها وله فيها قصر ومسجد وبئر، وبها مات ودفن، وقد أورد صاحب كتاب: "المناسك" بعض أقوال من سأله في زمانه من أهل الربذة عن مكان قبره رضي الله عنه وقال: وقد اختلف أهل الربذة في قبره، فقيل ليّ: هو تحت المنبر، وقيل: لا، بل تحت المنارة، وأخبرني شيخ قديم أن قبره في رحبة المسجد، وأراني موضعاً فيه حشيش أخضر لا يجف ولا يتغيّر شتاءً ولا صيفاً. ثم ذكر أن فيها عدداً كبيراً من الآبار، وعدّ من خيارها أربع عشرة بئراً، منها بئر المسجد، وهي بئر أبي ذرٍّ.
قلتُ: لقد أظهرت الحفريات التي قام بها علماء الآثار عن الربذة أنقاض مبانيها، بعد أن ظلت تحت الأرض مئات السنين، ومنها بات واضحاً وجود مسجد لأهلها في الجهة الشمالية الغربية منها، وبئر تكاد تكون ملاصقة بجدار المسجد من الشرق، وكان رجل من البادية قد بعثها قبل اتضاح أمرها، فجعلها مورداً للبادية، ثم شملها السياج الذي أحيط به موقع القرية، حفاظاً على ما بقى من آثارها.


توقيع سعد الرشيدي
(((مواضيعي المختارة ويشرفني مروركم لها)))


ويشرفنا متابعة قناة بني عبس على الرابط التالي