ومن المعلوم أنه لا يُراد بذلكرؤية كل إنسان بمفرده، فيعمل به في المكان الذي رئي فيه وفي كل مكان يوافقهم فيمطالع الهلال. أما مَن لا يوافقهم في مطالع الهلال، فإنه لم يره لا حقيقة ولاحكمًا، قالوا: وكذلك نقول في قول النبي صلى الله عليه وسلّم-: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)،فإن مَن كانفي مكان لا يوافق مكان الرائي في مطالع الهلال لم يكن رآه لا حقيقة ولا حكماً،قالوا: والتوقيت الشهري كالتوقيت اليومي، فكما أن البلاد تختلف في الإمساك والإفطاراليومي، فكذلك يجب أن تختلف في الإمساك والإفطار الشهري، ومن المعلوم أن الاختلافاليومي له أثره باتفاق المسلمين، فمن كانوا في الشرق فإنهم يمسكون قبل مَن كانوا فيالغرب، ويفطرون قبلهم أيضًا.
فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيتاليومي؛ فإن مثله تماماً في التوقيت الشهري، ولا يمكن أن يقول قائل: إنقوله تعالى: {فَالـنَ بَـشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَاكَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُالأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَإِلَى الَّيْلِ} [البقرة : 187]، وقوله -صلى الله عليه وسلّم-: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس،فقد أفطر الصائم)لا يمكن لأحد أن يقول إن هذا عام لجميع المسلمين في كلالأقطار.
وكذلك نقول في عموم قوله تعالى: {فَمَنشَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وقوله -صلى الله عليه وسلّم-: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا).
وهذا القول كما ترى له قوَّته بمقتضى اللفظ، والنظر الصحيح، والقياس الصحيحأيضًا- قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي-.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنالأمر معلَّق بولي الأمر في هذه المسألة، فمتى رأى وجوب الصوم أو الفطر مستندًا بذلك إلى مستند شرعي فإنه يعمل بمقتضاه؛ لئلا يختلف الناس ويتفرقوا تحت ولايةواحدة، واستدلَّ هؤلاء بعموم الحديث: (الصوم يوم يصومالناس، والفطر يوم يفطر الناس)، وهناك أقوال أخرى ذكرها أهل العلمالذين ينقلون الخلاف في هذه المسألة.