في سن الثلاث سنوات ونصف تتأثر علاقات الطفل بوالديه وبالآخرين، تتأثر بسبب عدم اطمئنانه العاطفي يظهر عدم اطمئنانه العاطفي في كثرة بكائه وكثرة أسئلته عن حبكم له، يا أمي أنتِ تحبيني، يا أبي لماذا ما تحبني، تسمعون مثل هذه الكلمات أحياناً، وتخيل الخطأ الكبير الذي يقع فيه الآباء والأمهات لما يقابلون هذه التساؤلات القلقة بضحكة بايخة ما تزيد الطفل إلا قلق، أسوأ من هذا لما تتلاعب بعض الأمهات بهذا الجانب الحساس بأن تعاقبه عند الخطأ، وتقول: ما أحبك وتصد عنه، خطأ كبير مع أي عمر، وبالذات مع هذا العمر، طيب ما المطلوب من الوالدين في هذه المدة؟ لا بد أن يعبّر الوالدان عن حبهم له وبكل كرم بالطرق اللفظية والحركية نتفنن في استخدام كلمات المحبة: تعال يا ابني يا بعد قلبي، تعال أحضنك، تعال أحطك في قلبي، يا بعد عمري أنت، أنت حبيبي، أنت روحي، أنت حياتي كلها، نسعده دائماً بتقبيله واحتضانه والمسح على رأسه ووجه ولمسه في معظم جسمه، لا تفكري أن هذا يدلّله أو يفسده لما تسعدينه بكلماتك الحانية وتغمرينه بحركات المحبة وتذوبين الوقت معه، كلما ذكرت من رحمة الوالد بولده وهذه الرحمة أقرها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ جاء في البخاري عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أنه قال: أتى النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ رجلٌ ومعه صبي فجعل يضمه إليه، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "أترحمه قال: نعم. قال: فالله أرحم بك منك به، وهو أرحم الراحمين".
كان أحد الآباء على عادته يقبّل أبناءه ويلاعبهم ويحتضنهم ويداعبهم، وكانت بقربه بنت صغيرة من الأقارب عمرها سبع سنوات تتأمل حنان هذا الأب على أولاده، طالعت فيه وقالت: أنت حنون على عيالك، يا ليتك أنت أبونا وأنا بنتك..
إخواني وأخواتي لا تجعلوا أولادكم يتمنون آباءً وأمهات غيركم.. رجاءً، أخبروا أولادكم عموماً وبالذات ابن الثالثة والنصف عن حب الأقارب له، جدك علي يحبك، جدتك فاطمة تحبك، وجدتك عائشة تحبك، وخالك العنقري يحبك، وعدّد له مع البقية، والأهم أن تذكره أمه دائماً وتغرس في نفسه أن الله يحبه أكثر مما هي نفسها وأبوه وأقاربه يحبونه، أنا أحبك كثير والله يحبك أكثر، وأبوك يحبك كثير، والله يحبك أكثر، وفلانة تحبك كثير والله يحبك أكثر، وهكذا أكرر مع البقية، وأن الله _سبحانه وتعالى_ هو الذي يجعلني أحبك، والله هو الذي يجعل أباك يحبك، والله هو الذي يجعل جدك فلان يحبك، والله هو الذي يجعل جدتك فلانة تحبك، وهكذا أكرر مع البقية.
إخواني وأخواتي.. إذا عرفنا أن في هذا السن تزيد عند الطفل مشاعر القلق والخوف من أن تتركونه أو يتوقف حبكم له، وفي هذه المرحلة التي يمر فيها نفترض أن نفسياتكم متوترة مشحونة غير قادرة على بث الطمأنينة في نفسه وإشعاره بالحب والحنان كما يجب، وفي هذه الظروف يرزقكم الله بطفل آخر يسرق منه ما تبقى من حبكم وعنايتكم التي يقتات عليها، وهو لم ينضج عنده مفهوم المشاركة بعد، ما يقبل أن يشاركه الآخرون في لعبة، فضلاً عن حب، هذه اللعبة إما لي أو لغيري، حب أمي وأبي إما لي أو لغيري، في هذه الظروف ماذا يصير للولد، حتى تحسين به كيف تكون غيرته، استشعري بس أختي المستمعة إحساسك كزوجة لما يتزوج عليك الزوج ثم لا يعدل في المعاملة ويوجه عواطفه وعنايته للزوجة الجديدة، لو فوق هذا ما أحد حس بك أو شعر بهمك، وليس فقط الزوج كل الذين حولك مهتمين بالزوجة الجديدة وفرحين بها ولم يهتموا بك، لو تخيلي خيالاً فقط، أن زوجك وبدون أي مراعاة جلس يغازلها أمامك ويظهر فرحته بها وشوقه لها، وأنت تشاهدينهم بعيونك، كيف غيرتك، كيف أملك، كيف عذابك، الطفل يمر بظروف أصعب وعذابه أشد، ما عنده مثلك مفهوم الرضا بقضاء الله وقدره، ما عنده مثلك مفهوم الصبر وثواب الاحتساب، ما عنده مفهوم المشاركة، ثم إنك تنفسين عن همك لمن حولك هو ما يعرفه، أنت تتفاهمين مع زوجك وتأخذين وتعطين معه، هو ما يقدر، وإذا كان الزوج الذي تخافين تفقدينه جزء مهم وكبير من حياتك، صار الوالدان هم فعلاً كل شيء لهذا الطفل، وإذا كان تعبير الزوج عن حبه لزوجته الثانية ما يحصل أمام الأولى، الولد لا كل شيء أمامه، يموت قهراً يا جماعة، لذلك نؤكد على أهمية الإشباع العاطفي لطفلك بالكلمة والحركة والهدية وقضاء الوقت معه في كل عمر، وبالذات عمر الثلاث سنوات ونصف، وتزداد أهميتها بالتأكيد إذا كان الطفل يشعر بالغيرة.
طيب هل توجد أفكار عملية للتعامل مع غيرة الطفل؟
نعم فيه، بداية تهيئة الكبير منذ مدة الحمل إلى أنه سيولد له أخ بحاجة إلى أن يهتم به ويرعاه، كما يشير لذلك كتاب (كيف تفهمين نفسية طفلك)، بعد الولادة تزداد العناية بالطفل الكبير، نضحك معه أكثر، نلعب معه أكثر، نتكلم معه أكثر، نطلع معه وحده أكثر، مع عدم المبالغة في العناية بالصغير أمامه، وخصوصاً أن الصغير لا يدرك حالياً معاني الغيرة، وهذه بحد ذاتها من نعم الله، أن تشبعوا حاجة الكبير للحب والاهتمام بالقدر الذي يريحه ويسعده دون عوائق أو متاعب يخشى منها مع الصغير.