ألا لا يجهـلـّن أحدٌ علينا
مشايخنا الأفاضل مصرون مع سبق الإصرار على موقفهم الذي ارتأوه من قضية تكافؤ النسب ولازالوا يصرحون بين الحين والآخر
http://www.asharqalawsat.com/details...C8&state=trueر
بما يفيد بشرعية حكمهم الذي صادقته محكمة التمييز الكبرى بجواز بل بضرورة التفريق بين زوجين لعدم تكافؤ النسب بينهما. فهاهو فضيلة الشيخ عبدالله ابن منيع عضو هيئة كبار العلماء يصرح بقوله: ” اعتبار العلماء في مسوغات الزواج وأركانه الكفاءة شرط من شروط صحة النكاح، فالكفاءة تقدر بحسبها ومن خلال الأعراف والتقاليد التي يعيشها المجتمع، فالتقاليد المبنية على التمسك بأحوال القبلية تتسبب مخالفتها الفتن والعداوات والقطيعة بين الأقارب” و أضاف أن ” أي زواج قد يترتب عليه إحدى الإشكاليات في حال عدم تطابق الكفاءة النسبية أو الكفاءة الاجتماعية، فهو محل نظر، وقد يكون للقضاء مجال وفق تقدير العواقب المترتبة على انتهاك معيار وضابط الكفاءة”
وهذا قاضٍ آخر في محكمة التمييز بالرياض يصرح بقوله: ” أما مسألة تفريق الزوجين حتى وبعد إنجاب الأطفال، فالضرر سيطول الأطفال جميعهم في حال بلوغهم سن الرشد، وفي ذلك حماية لهم” – حماية الأطفال تكون بتطليق والديهم فالعيش بدون أب أو أم أفضل من عار العيش في بيت أحد طرفيه لا يرتقي إلى النسب الشريف - ودعى بعد ذلك وسائل الإعلام إلى أهمية توعية الأفراد في السعودية بضرورة احترام وجودهم في ظل مجتمع قبلي يعظم الشريعة الإسلامية وأواصر النسب. –لن أستغرب إن سمعت بعد فترة عن “أسبوع القبيلة” برعاية وزارة العدل على غرار أسبوع الشجرة -
بعد هذه الجرعة -التنويرية- قرأت مقالاً بعنوان الكفاءة في النسب
http://www.asharqalawsat.com/details...63&issue=10327
لشيخنا الفاضل د. عائض القرني في صحيفة الشرق الأوسط عن نفس الموضع، فاستبشرت خيرا وخاصة عندما وجدت أن بداية المقال كانت مشجعة حيث كتب قائلا: “في الشريعة الإسلامية الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط؛ لأنهم من أب واحد وأم واحدة، وإنما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده” ….. ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ الناس وتساويهم في أنسابهم…” وقد تزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس القرشية، ولكن لما بَعُد الناس عن الشرع وتعلَّقوا بأنسابهم القبلية وانتماءاتهم الأسرية رفض الكثير منهم هذا المبدأ ووصل الحال إلى الإنكار والاستنكاف حتى إن من يقدم على التزوج من غير طبقته قد يخاطر بنفسه خاصة في المناطق القبلية والعشائر والبوادي، فإذا وصل الحال إلى الإنسان بأن يصبح في خطر من تزوجه من غير طبقته بحيث يتعرض للتهديد أو الضرر أو الإساءة إلى أسرته بالاستهزاء والسخرية والسب والأذى فإن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح” ويخلص الشيخ القرني في النهاية إلى ما نفس ما قاله الشيخ القاضي في محكمة الرياض بضرورة توعية الأفراد بثقافة المساواة والتكافؤ وضرورة أن يقوم العلماء و الخطباء والقائمين على وسائل الإعلام بتبيان رأي الإسلام في هذا الشأن و محاربة التمييز العنصري في الخطب والمؤلفات حتى يصبح الأمر طبيعيا أن يتزوج الانسان من غير طبقته أو نسبه لأن هذه المسائل تحل حلا جماعيا من قبل الدولة والمجتمع بحيث يقتنع الجميع بمساواة الانسان للإنسان في نسبه وكفائته.
بصراحة، لم أتوقع أن أسمع مثل هذا الرأي يصدر من فضيلة الشيخ القرني! فما الفائدة من التوعية إذا كان لأي شخص أن يطلب إلغاء عقد نكاح لا يناسبه يجد لدى المحاكم الشرعية كل آذان صاغية و أحكام ملزمة؟ وطالما أن الأشخاص اللذين اختاروا أن يتحرروا من هذه الأعراف الجاهلية البغيضة واجهوا من المحاكم و القائمين عليها هذه الأحكام القاسية التي تمنعهم من ممارسة حقهم الذي ضمنه لهم الشرع هل سيأمن غيرهم على أنفسهم و على حياتهم بعد ذلك؟؟ هل سيطلب من كل شخص تأثّر بالخطب و التوعية و قّرر تجاوز الطبقية أن يجلب معه للمحكممة أفراد القبيلتين للتصديق على عقد النكاح فيصبح من شروط صحة العقد حضور 4000 شاهد من كل طرف؟؟
للأسف الرسالة التي أوصلها الشيخ القرني هي نفسها التي يريد علماؤنا بثّها في المجتمع الآن و هي باختصار: انصحوا و اخطبوا ونددوا بالأعراف القبلية والناس سواسية، لكن إذا جدّ الجد فالشرع لا يناطح القبيلة، والغلبة دائما للأعراف ، أما العلّة فهي ذاتها “درء المفاسد مقّدم على جلب المصالح” هذه العلّة التي جابتلنا العلة في الكثير من أمور حياتنا وساعدت على جذبنا بقوّة للوراء. أما المذهل حقّأ أو ما يمكن أن نسميه بسؤال المليون فهو: إذا كان الإسلام قد ألغى هذه النظرة الجاهلية منذ أوائل عهد النبوة، فهل لازال المجتمع بحاجة إلى تنوير وتوعية و تمهيد لقبول الفكرة بعد أكثر من 1400 عام من البعثة؟؟؟!!
بمناسبة أجواء الجاهلية التي تطل علينا من صفحات الصحف المحلية يوما بعد يوم، أترككم مع هذه الأبيات لشاعر العرب عمرو بن كلثوم و هي من أفضل ما قيل في الفخر، و لربّما يجدها محاموا الدفاع عن قضية تفاضل الأنساب مناسبة لإدراجها في سياق مرافعاتهم، فهي تثبت أن الناس ليسوا سواسية و ان كان الظاهر يقول عكس ذلك:
وأنـا المنعــــمون إذا قــــدرنا وأنا المهلكون إذا أتيــــــنا
وأنـا الحـــاكمون بمــــا أردنا وأنا النازلون بحيث شيــنا
وأنـا النـــازلـون بـــكل ثغــــر يخاف النازلون به المنـونا
ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطيـنًا
ألا لا يجلــهن أحــــد عليـــــنا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ملأنا البـــر حتــى ضــاق عنا كذاك البحر نمـــــلؤه سفينًا
إذا بلغ الرضـــيع لـــنا فـطامًا تخـــر لـــه الجبابر ساجدينا
لنا الدنــــيا وما أمـــسى علينا ونبطش حين نبطش قادرين
|