قبيلة الرشايدة في القاموس السياسي السوداني
علي عبد الباشا: صحيفة السوداني
كثيرون من بني وطني لا يعرفون إلا القليل جداً عن هذه القبيلة العربية
السودانية العريقة الأصل (قبيلة الرشايدة) تاريخها وأصولها وجذورها وكم هي
عدد الفروع التي تتكون منها وكم عدد الفخود التي تنقسم منها تلك القبيلة
العريقة:-
قبل أن أتطرق الى التفاصيل العرقية لهذه القبيلة ذات الجذور العربية
الأصيلة يحق لي ان أشير الى ان من قام بتأليف كتاب عن هذه القبيلة تاريخها
عاداتها وتقاليدها هو السيد (السني بانقا) الضابط الإداري ومفتش الحكومات
المحلية في خمسينيات القرن الماضي إذا لم تخن الذاكرة في التاريخ والذي عمل
كإداري مسؤول بمجلس ريفي أروما التابع لمديرية كسلا سابقاً والذي تتبع لها
قبائل البجا خاصة قبيلة الهدندوة.
بإنفاذ اتفاقية الشرق الموقعة بين الحكومة ومؤتمر البجا والأسود الحرة تحقق
لأبناء قبيلة الرشايدة الكثير من المكاسب السياسية والوطنية واستطاعوا
الولوج الى قمة الهرم السلطوي ولأول مرة في تاريخ القبيلة.
ولا شك ان الفضل في هذه الطفرة السياسية يعود برمته الى ذلك القائد المخلص
الصبور لبني جلدته دكتور مبروك مبارك سليم والذي وللحقيقة والتاريخ تربطني
به علاقات سياسية وطيدة وعريقة ذلك عندما ترشح في عام 1986م في آخر
انتخابات ديمقراطية وقد ترشح ضمن منظومة الحزب الاتحادي الديمقراطي ولاية
كسلا دائرة الرشايدة وكنت يومها الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي
بكسلا.
جاء لنا ذلك الشاب ذو الخلق والأدب والعلم مقدماً نفسه ليخوض غمار تلك
الانتخابات في دائرة الرشايدة بكسلا وقد تقدم لنا ومعه الشيخ أحمد حميد
بركي ناظر الرشايدة الحالي والأخ محمد نافع بركات ابن العمدة نافع بركات
عمدة البراعصة. انعقدت اللجنة التنفيذية للحزب الاتحادي الديمقراطي بكسلا
برئاسة الأستاذ المرحوم حسن أحمد الماحي المحامي رئيس الحزب وبعد تداول
الأمر والدراسة والتمحيص وقع الاختيار على الأستاذ مبروك مبارك سليم ليكون
مرشحاً للحزب في دائرة الرشايدة ولاية كسلا وبحمد الله وتوفيقه انتصر الأخ
مبروك في تلك الدائرة وحقق فوزاً ساحقاً وأصبح أول نائب برلماني يمثل الحزب
الاتحادي الديمقراطي في قبيلة الرشايدة في آخر جمعية تأسيسية أطاحت بها
الإنقاذ في العام 1989م.
(التقسيم الجغرافي للقبيلة وطريقة دفة الحكم عند الرشايدة)
الرشايدة قبيلة رعوية وهي أحدث هجرة عربية من الجزيرة العربية للسودان
تتكون من ثلاثة فروع وتنقسم هذه الفروع الى عدة فخود:-
1- البراطيخ :- عمودية سليم سعد تتكون من: عوعرات–
منافير– دهمان– ذلقان– كريفات– ذوعين– بطاحين– حوته– مفالحة.
2- البراعصة: عمودية نافع بركات تتكون من: روي حيان–
جلادين– ذوعمري– شروق– جداوية كعيكات– عدون– عميرات–
مرازيق– دوغنايم.
3- الزنيمات: عمودية علي عبد الله: ذو عائد– ذو برغيث–
نقيشات– حويجات– فزايزة– عرقيات– عوازم– حلمات.
وهذا التقسيم تقسيم عرقي وعلى كل فرع في السابق عمدة وعلى كل فخذ شيخ وكل
عمودية تتبع لها محكمة وحكيم المحكمة مبني على النظام العرفي للقائل عامة
وهو قضاء مفهوم للكل ولكل قبيلة قاض كان في السابق يدعى عمدة في كل المظالم
إذا كانت بين هذه القبائل وإذا كان بين فرد من هذه القبيلة وبين فرد خارج
عن الرشايدة يقوم كبار القبيلة على سبيل العمل بالمعروف والنهي عن المنكر
بالصلح مع الخصم إذا أمكن وإذا حال المحال دون الأمر البت للنظم القضائية
في الدولة.
كان العمدة في السابق ينشر الأوامر التي تصدر من الدولة للقبيلة ورئاسة
المحكمة التي يحكم فيها قاضي القبيلة وله سلطة تنفيذية في الحكم إن سجن
يرسل إلى أقرب سجن وإذا كانت غرامة تصدر للصالح العام وكما أن العمدة هو
رئيس المشائخ. وهو المشرف على جميع القطعان وديوان العمدة هو مقر المسؤولين
من الدولة والذين يريدون تفقد أحوال القبائل وعليه ترفع شكاوى ومظالم
القبيلة وبدوره يقوم بتوصيلها للمسؤولين في الدولة وكان في السابق نظام
للعمدة وهو احترامه في المكاتب الحكومية والسماع لشكواه وهناك تسهيلات
للعمدة من المسؤولين حتى تشعر قبيلته وعشيرته بأن رأسهم له الإحترام
والتقدير وان شكواهم مكان الأمان والعمدة يتقاضى معاشا من الدولة وله حصة
من التموين كي يغطي احتياجات (ديوان العمدة) هو مفتوح لكل من له شأن عند
العمدة بصفته ممثل الدولة في شؤون البادية وكذلك يتبع العمدة عدد من
الخفراء وهم مسلحون من الدولة يقيمون بجوار العمدة وهم يمثلون الشرطة في
البادية كما يقوم العمدة بالإبلاغ عن كل ما يراه مخلا للأمن العام وبهذا
يكون العمدة عيناً للدولة في الصحراء.
(إدارة الرشايدة)
انتقل الرشايدة من أسلوب إدارة الحكم بعد السيطرة الكاملة لنظام العمدة الى
نظام الإدارة وأصبح للقبيلة رئيس إدارة يشرف بمسؤولية كاملة على كل قبيلة
الرشايدة وهذا منصب لا يرقى الى منصب الناظر (ناظر القبيلة أخيراً).
بعد جهد جهيد من زعماء وقيادات الرشايدة تحصلت القبيلة على منصب الناظر
وأصبح الشيخ أحمد حميد تركي ناظراً لقبيلة الرشايدة ومقره الآن مدينة كسلا
(قرية أبوطلحة).
(فذلكة تاريخية عن دخول الرشايدة للسودان)
دخل الرشايدة السودان في بداية العهد السعودي ونهاية الحكم الشريفي دخلوا
عن طريق البحر الأحمر بالسنابك ففضلوا الإقامة في سواحل البحر الأحمر حيث
لا فارق بين مناخها ومناخ موطنهم الأم اقليم الحجاز وسهول تهامة موطن إبلهم
الساحلية الحمراء التي لا توجد في السودان إلا عند الرشايدة.
الرشايدة القبيلة الوحيدة التي دخلت بالرجال مع الإناث ولهذا احتفظوا بنفس
الدم العربي ولم يختلطوا بأهل السودان إلا بالقدر القليل الذي لا يذكر وهذا
نلاحظه في السنوات الأخيرة وفي مناطق محددة.
الرشايدة ينقسمون الى أربع طبقات اقتصادية
1- طبقة أهل الإبل وهم المنتجون
2- طبقة رأسمالية وهي تشتري الإبل من المنتجين بعد التحسين وتبيعها في مصر
وتسمى بالمعولين.
3- طبقة أهل سد الحاجة وهؤلاء لهم قليل من الإبل فقط لسد الحاجة يشربون
لبنها ويترحلون عليها ومن وبرها تنسج خيامهم.
4- طبقة لا تملك الإبل وهذه هي الطبقة الفقيرة.
(التجارة والإغتراب عند الرشايدة)
جنح أبناء الرشايدة في السنوات الأخيرة الى النزوح الى دول الخليج والمملكة
السعودية من أجل العمل هناك وقد جنوا الكثير من الفوائد المادية وغيرها من
الانتقال الى حياة التحضر والرقي والتعليم وفي الخليج لا فرق بينهم وبين
مواطني تلك البلاد في الطبائع والعادات والتقاليد واللهجات ففي المملكة
العربية السعودية لهم مطلق الحرية في التحرك خاصة في موسم الحج وفي دولة
الإمارات العربية (أبوظبي) ينخرط المئات من شباب الرشايدة في صفوف الجيش
والقوات النظامية وهم يمتازون بالانضباط والسلوك الجيد.
(سوق الرشايدة في كسلا والترحال)
تعتبر مدينة كسلا بكل المقاييس هي نقطة الارتكاز التجارية الأولى لقبيلة
الرشايدة وحدود تواجد الرشايدة بين نهر عطبرة وخور القاش وسوق الرشايدة
الرئيسي في مدينة كسلا يعتبر مركز الدائرة الذي يمتد جنوباً الى وادي
القرقف والقرضة وشمالاً الى سيدون على نهر عطبرة وغرباً على الصباغ في أرض
البطانة وشرقاً الى طوكر وفي فصل الخريف يكون التواجد بين نهر عطبرة وخور
القاش وفي نهاية الخريف يتوجه البدو من مركز الدائرة حيث يقضون منها ما
يحتاجه الفرد هنالك جزء يتجه الى جهة البحر الأحمر حيث ينعم بفصل الربيع
والجزء الآخر يتجه الى الشواك على نهر ستيت والبقية الباقية تقطن على ضفاف
نهر الأتبراوي حتى فصل الخريف القادم حيث جمع شمل البدو ومما يتضح ذكره
جلياً ان مدينة كسلا هي نقطة الإلتقاء حيث توجد القريتان النموذجيتان
(مستورة) (منصورة) حيث يسكن فيها من ترك حياة الارتحال وفضل الاستقرار.
وكان لقبيلة الرشايدة حتى عام 2003 سوق داخل مدينة كسلا يحتوي على كل
حاجيات البيت الرشيدي خاصة في جانب الملبوسات الرجالية والنسائية على
السواء بألوانها الزاهية الجميلة وتفصيلها المميز للقبيلة فالمرأة الرشيدية
لها لبس خاص جداً تتميز به عن بقية نساء قبائل الشرق.
في عام 2003 قضى فيضان القاش على ذلك السوق التاريخي الأثري الرشيدي النهج
وأصبح نسياً منسياً ولم يتم بناؤه حتى اليوم وأصبح تجار ذلك السوق بلا عمل
وعطالى يعانون من ظروف معيشية صعبة وفقد الرشايدة ذلك السوق السياحي المميز
وأناشد السيد والي ولاية كسلا الجديد السيح صلاح علي آدم ان يهتم بهذا
الأمر ويصدر قراراً عاجلاً بإعادة هذا السوق اليوم لا غداً وان يرجع سوق
الرشايدة الى ما كان عليه حتى يجد أهلنا الرشايدة ما يحتاجون اليه في
يومياتهم.
(الرشايدة والجوانب الاجتماعية والثقافية)
لقبيلة الرشايدة ثقافات عديدة فهم يمتازون بالكرم والشجاعة والمروءة وفنون
الصيد والمبارزة والخفة والرشاقة ويحبون العطور بأنواعها ولهم أنواع محددة
من العطور تختلف عن بقية القبائل ففي شرقنا الحبيب لكل قبيلة عطر تحبه
وتحوز عليه خاصة في المناسبات والأفراح.
الثقافة الغذائية عند قبائل الرشايدة يتناولون لبن الإبل ويحبون لحم الضأن
والماعز لكنهم لا يميلون الى لحوم البقر ولبنها.
الرشايدة يحبون الغناء ولهم ايقاعات موسيقية خاصة بالربابة ويحبون الرقص
بالسيوف وهي عادة عند قبائل العرب وللرشايدة فرق للفنون الشعبية آمل ان
يعمل المسؤولون في الثقافة على تطويرها ودعمها.
(التعليم)
يكاد يكون التعليم في هذه القبيلة بنسبة ضئيلة إذا قارنا عدد أفراد القبيلة
ولعل السبب في ذلك هو حياة الرعي إلا اننا كنا نلاحظ في السابق أبناء
العمدة ينالون حظاً في التعلم حتى يساعدوا العمدة في شؤون إدارة القبيلة.
تكون مراحل حياة الفرد عند الرشايدة مليئة ببرنامج منذ الولادة حتى بلوغ سن
الرشد. فعند الولادة يربط اسم المولود في عدد من الإبل وتتسمى له حين يصل
عمره السابعة وهي سن مبكرة يرسل مع الراعي الكبير كي يتمرس على فنون الرعي،
وعند بلوغ سن الخامس عشرة يكون أصبح رجلاً مدركاً لمناطق الرعي وما تحتاجه
منه مواشيه وفي هذه السن من العادة تكون له إبل خاصة به ويتزوج في سن
البلوغ وينعزل عن بقية العائلة مكوناً عائلة جديدة ولهذه المراحل مجتمعة لا
يكون هنالك فراغ لتلقي الدراسة.. كانت المدرسة المترحلة التي يديرها
الأستاذ محمد علي عبيد والتي أوقفت بسبب الازدواجية في التعليم لها تأثير
كبير والدليل على ذلك المعاونون الصحيون الذين يعملون مع الرشايدة الآن
وهذا يدل على أن الرشايدة لا وقت لهم في السابق للدراسة التي توجد داخل
المدينة وهي بعيدة عنهم ولا يجدون رشايدة من ذويهم في المدينة ليكونوا في
كنفهم.
ولكن تغيرت الأحوال الآن ومنذ العام 1976م أصبح أو بالأحرى ترك أبناء
الرشايدة رعي الإبل بل اتجهوا نحو الاغتراب فذهب جلهم الى دول الخليج
والمملكة العربية السعودية -كما تعرضنا في بداية هذا المقال- وهذه الهجرات
لها أبعادها وتأثيرها على أبناء الرشايدة فتركوا بذلك حياة البادية وفضلوا
حياة الاستقرار والسكن المريح الصحي والنظيف وانخرط أبناؤهم في مراحل
التعليم بجميع مراحله المختلفة.
(اتفاقية الشرق وانعكاساتها على قبيلة الرشايدة)
جاءت اتفاقية الشرق بلسماً شافياً لهؤلاء القوم ووجدوا بسبب هذه الاتفاقية
مناصب تنفيذية ودستورية وولائية لم تتحقق لهم في السابق. وحري بنا أن
نهنئهم بهذه المكاسب ونشد من أزرهم ونقف معهم بكل الصدق ونكران الذات ونسأل
الله ان يبعد عنهم شبح الخلافات التي لن تكون في مصلحتهم بأي حال من
الأحوال فالتحية لهم والتهنئة للأخ مبروك مبارك سليم ربان هذه السفينة التي
عبر بها من بين أمواج عاتية وصخور صلبة.. والتحية لكل أبناء القبيلة
وقياداتها السياسية والتنفيذية التي تعمل ليل نهار لرفع شأن هذه القبيلة
قبيلة الرشايدة.. وفق الله أهل السودان وأهل الشرق العظيم بمختلف قبائله
لما فيه خير البلاد والعباد إنه نعم المولى ونعم النصير.. والله من وراء
القصد.