الموحدون هم أولياء الرحمن
"أوضح صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع صفات أولياء الله تعالى وأنهم يؤدون الفرائض والأركان ويجتنبون الكبائر التي أعظمها الإشراك بالله تعالى .
فعن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: " إن أولياء الله المصلون ، ومن يقيم الصلوات الخمس التي كتبهن الله عليه ويصوم رمضان ويحتسب صومه ويؤتي الزكاة محتسبا طيبة بها نفسه ، ويجتنب الكبائر التي نهى عنها ، فقال رجل من أصحابه : يارسول الله وكم الكبائر؟ قال: تسع أعظمهن: الإشراك بالله، وقتل المؤمن بغير حق، والفرار من الزحف ، وقذف المحصنة والسحر ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وعقوق الوالدين المسلمين ، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ، لا يموت رجل لم يعمل هؤلاء الكبائر : ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا رافق محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في بحبوحة جنة أبوابها مصاريع الذهب "رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن
فالشرك بالله تعالى الذي توعد الله صاحبه بالخلود في النار والحكم عليه بالكفران والجحود هو من يجعل لله ندا أو شريكا في صفاته وأفعاله أو ينسب إليه سبحانه ما لا يليق به أو يكذب بآياته ورسله .
الرياء من الشرك
وأما الشرك الخفي : فهو الرياء ، والتظاهر بالعمل لأجل الخلق وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحذيرا شديدا ، لأنه أخفى من دبيب النمل ، وقد يجر صاحبه إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله تعالى ، إن لم يتب منه ويسمى ، الشرك الأصغر ، أو شرك السرائر .
فعن ربيع بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال : ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ فقلنا بلى يارسول الله ، فقال:" الشرك الخفي أن يقوم الرجل فيصلى فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " رواه ابن ماجه والبيهقي
فليحذر المؤمن من مراآت الخلق بعمله لأن ذلك من الشرك الخفي .
فعن شداد ابن أوس أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :" من صام يرائي فقد أشرك ومن صلى يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك" رواه البيهقي
وإن المرائي بعمله يفضحه الله تعالى يوم القيامة ويوبخه على رؤوس الأشهاد مبينا له سوء قصده وشركه في عمله الذي كان سببا في الخزي والحرمان من الأجر والثواب .
فعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا وما الشرك الأصغر يارسول الله ؟ قال : الرياء ، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " رواه أحمد بإسناد جيد ، وابن أبي الدنيا والبيهقي
فالمؤمن الذي قوي إيمانه وصحت عقيدته وكمل توحيده يخلص عمله لله تعالى من الشرك الخفي ويراقب نواياه ويحاسب نفسه عند كل أمر يقوم به ليرفع عمله إلى الله تعالى وتقبل حسناته ويخلص من شوائب الشرك وموبقات الرياء.
ولما كان الشرك من أدق الأمور وأجلها خطرا فلابد أن يقف المؤمن على الأشياء التي توقع في مزالق الشرك ليكون على بينة من دينه وبصيرة من أمر ربه عز وجل." اهـ 1/36
بعض مزالق الشرك
"إن الشرك بالله تعالى محبط للأعمال كلها وموقع في غضب الله تعالى وانتقامه وموجب للعذاب الأكبر والمصير المؤلم لذلك فإن المؤمن الصادق في توحيده لا يرى في الوجود فاعلا مؤثرا حقيقيا إلا الله تعالى بل يرى الأسباب كلها مقهورة بأمر مسببها جل جلاله فلا يتحرك ولا يسكن شيء في الوجود إلا بأمره ولا يصل إليه خير ولا يدفع عنه ضر إلا بتقديره تعالى وحده فالطعام لا يشبع إلا بإذنه جل شأنه والماء لا يروى إلا بسره تعالى والدواء لا يشفي والنار لا تحرق والسكين لا تقطع إلا بتقديره عز وجل وهكذا يشهد الله تعالى في كل شيء مع التنزيه الكامل والتقديس اللائق بكماله العلي.
أمور حذر منها الشرع
وإليك بعض الأمور التي حذر منها الشرع الشريف وبينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها محل الشرك والضلال وذلك مثل الحلف بملة غير الإسلام ، فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال " رواه البخاري ومسلم
أي أقسم بدين غير الإسلام فظاهره أن يكفر بذلك وهو كذلك إن قصد الرضى بما قاله معتقدا بطلان دين الإسلام وإلا بأن قصد إبعاد نفسه عن الفعل أو أطلق ، فلا يكفر لكنه ارتكب إثما كبيرا يجره إلى الشرك إن لم يتب إلى الله تعالى توبة نصوحا .
فعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من حلف قال إني برىء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما " رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم
وكذلك من يقول بأنه يهودي أو نصراني : فقد روى ابن ماجه من حديث أنس قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقول أنا إذا يهودي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وجبت "
قال السندي في حاشيته على البخاري كأن يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فيرضى لنفسه هذه الملة التي جاء الإسلام فنسخها وبدلها بالملة السمحاء الحنيفية ، وكذلك الحلف بغير الله تعالى.
فقد روى ابن ماجه من حديث بريدة قال : سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يحلف بأبيه فقال : " لا تحلفوا بآبائكم ، من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض بالله فليس من الله "
وعن بريدة أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة فقال ابن عمر لا يحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه
وفي رواية للحاكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " كل يمين يحلف بها دون الله شرك "
أي من أقسم بغير الله معظما له كتعظيم الله تعالى فقد جعل لله شريكا وقد خرج من الإسلام وقد جحد نعمة الله وأنكر فضله.
قال المناوي : أي فعل فعل أهل الشرك وتشبه بهم إذ كانت أيمانهم بآبائهم وما يعبدون من دون الله ، فقد أشرك غير الله في تعظيمه وقال الحفني : أي فقد فعل مثل فعل المشركين لأنهم كانوا يحلفون بأسماء آلهتهم ، فلا يجوز الحلف بغير الله تعالى.
ولكن عند الإمام أحمد بن حنبل وأكثر أصحابه يجوز الحلف بنينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد جاء في الموسوعة الفقهية بدولة الكويت (1) " لاخلاف بين الفقهاء في أن الحلف بغير الله تعالى لا تجب بالحنث فيه كفارة ، إلا ما روي عن أكثر الحنابلة من وجوب الكفارة على من حنث في الحلف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أحد شطري الشهادتين اللتين يصير بهما الكافر مسلما ، وعن بعضهم : أن الحلف بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تجب بالحنث فيه الكفارة أيضا. (1) الجزء السابع ص 265
وقد جاء في فتح الباري قال العلماء : السر في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده.
فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله كان بذلك الاعتقاد كافـرا وعليه يتنزل الحديث المذكور. وأما إذا حلف بغير الله غير معتقد في المحلوف به ذلك فلا يكفر بذلك ويحرم الحلف به ولا تنعقد يمينه.
قال الماوردي : لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر ، وإذا حلف الحاكم أحدا بشيء من ذلك وجب عزله لجهله." اهـ 1/38