حجة الله البالغة على المشركين
"بين الله تعالى سفاهة المشركين وفضحهم بإظهار فساد معتقداتهم الباطلة. قال تعالى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ.وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } سورة الأعراف ، آية : 191
أي هل يصح أن يشركوا مع الله أصناما لا تقدر أن تخلق شيئا من الأشياء وهم مخلوقون لله تعالى ولا تستطيع أن تعين غيرها وتنصره فضلا عن أن تنصر نفسها.وقال سبحانه وتعالى :{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } سورة الأحقاف ، آية : 4
أي قل للذين يدعون غير الله: أخبروني عن حال ما تدعون من دون الله، أعلموني: أي شيء خلقوا من الأرض أم لهم مشاركة في السموات ، ائتوني بكتاب من عند الله أو أثر من علم الأولين تستندون إليه في دعواكم إن كنتم صادقين؟
ثم بين سبحانه عاقبة شركهم وإفكهم المبين يوم يجمعون للحساب. قال الله تعالى :{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } سورة الأنعام ، آية : 22
أي واذكر لهم ما سيحصل يوم نجمع الخلق كلهم للحساب ثم نقول : توبيخا وتقريعا للذين عبدوا مع الله غيره : أين الذين جعلتموهم شركاء لله لينفعوكم ويدفعوا عنكم عذاب الخزي والخلود في الشقاء الأبدي. فالشرك والعياذ بالله تعالى عاقبته أليمة في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } سورة الحج ، آية : 31
أي أن من يشرك بالله تعالى فقد سقط في هوة الخسران الشديد وتنازعته الضلالات وعرض نفسه لأقسى صورة من صور الهلاك وكان حاله حينئذ كحال الذي سقط من السماء فتمزق قطعا تخاطفتها الطيور فلم يبق له أثر أو عصفت به الريح العاتية فشتت أجزاءه وهوت بكل جزء منه في مكان بعيد ."اهـ34
كيف دخل الشرك جزيرة العرب؟
"إن العجب العجاب من هؤلاء الكفار المشركين أنهم رضوا بالألوهية للحجر ولم يرضوا بالنبوة للبشر وقد كانت جزيرة العرب تعيش في ظل بقايا الحنيفية السمحة ملة سيدنا إبراهيم [ ] خليل الرحمن ومن مظاهر ذلك تعظيم البيت الحرام وتقديسه واحترام شعائره والذود عنه والقيام بخدمته إلى أن دخل الشرك وعبادة الأصنام، وكان أول من أدخل فيهم الشرك وحملهم على عبادة الأصنام عمرو بن لحى بن فمعة جد خزاعة.
فقد روى ابن إسحاق عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لاكثم بن جون الخزاعي: " يا أكثم رأيت عمرو بن لحى بن فمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه " فقال أكثم : عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال : لا إنك مؤمن وهو كافر ، إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي " رواه البخاري ومسلم بألفاظ متقاربة
وروى ابن هشام كيفية إدخال عمرو بن لحى هذا عبادة الأصنام في العرب ، فقال : خرج عمرو بن لحى من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم " مآب" من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق – وهم ولد عملاق ، ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح – رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم : أفلا تعطونني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه ، فأعطوه صنما يقال له " هبل " فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .
وهكذا انتشرت عبادة الأصنام في الجزيرة العربية وشاع في أهلها الشرك والجحود فانسلخوا بذلك عما كانوا عليه من عقيدة التوحيد واستبدلوا بدين ابراهيم [] وإسماعيل [ ] غيره ووقعوا في ما وقعت فيه الأمم الأخرى من الضلالات والقبائح في المعتقدات والأعمال وذلك إلى أن بعث الله تعالى رسوله الخاتم صلوات الله وسلامه عليه بهذا الكتاب المعجز الخالد ليحرر العقول ويطهر القلوب من شوائب الشرك وأدران الوثنية ويثبت جذور التوحيد وأصول الإيمان في أعماق النفوس وبواطن السرائر بأدلة واضحة وآيات بينات إلى أن يأتي أمر الله تعالى ولذلك حذر من الشرك وارتكاب الموبقات.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال : الإشراك بالله والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم ." اهـ 1/35