من الذي يحكم عليه بالكفر ؟
"لا يجوز الحكم بالكفر على أحد من المسلمين لم ينكر معلوما من الدين بالضرورة ولم يعتقد ما يخرج عن دين الإسلام لما ورد في ذلك من وعيد شديد وتحذير رهيب.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه " رواه مالك والبخاري ومسلم
وأكد ذلك المعنى وزاده وضوحا في حديث آخر ، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وآله وسلم : " ما أكفر رجل رجلا إلا باء أحدهما بها إن كان كافرا ، وإلا كفر بتكفيره " رواه ابن حبان في صحيحه
أي أنه إما أن يصدق عليه أو يكذب ، فإن صدق فهو كافر ، وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم .
وقيل : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن الذي يصف أخاه المسلم بالكفر ينال ذنبا عظيما وإثما كبيرا إن لم يكن كذلك ، لأن القائل لأخيه يا كافـــر اعتقد أن عقائده زائغة وأعماله باطلة وأفعاله سيئة ، فإن صدق في قوله نجا وإن كذب في قوله لأخيه ووصفه بالكفر فقد افترى عليه وتعدى عليه بما لا يليق بمسلم، ولذلك يجب معرفة الأمور التي يصدق على صاحبها الحكم بالكفر لئلا يرجع إلى القائل هذا الحكم.
تحديد معالم الكفر
إن الكفر في الإسلام يدل على الجحود والإنكار وقد يراد به جحد النعم وترك شكر المنعم والقيام بحقه فالكفر الذي يخلد صاحبه في النار يوم القيامة وتجري عليه أحكام الكفار في الدنيا هو المقصود.
وعلى هذا فالذي يصدق عليه الحكم بالكفر هو من جحد شيئا من العقائد الثابتة بالأدلة القطعية.
وقد جاء في كتاب غريب القرآن : الكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها.
وقيل الكفر على أربعة أنحـــاء :
كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلا ، ولا يعترف به.
وكفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه ، ولا يخضع ويقر بلسانه.
وكفرعناد : وهو أن يعترف بقلبه ، وربما صرح بلسانه ولا يدين به حسدا وبغيا.
وكفر نفاق ، وهو أن يعترف بلسانه ولا يعتقد بقلبه.
فمن أنكر معلوما من الدين بالضرورة كوحدانية الله تعالى أو أنكر وجوده كالدهريين أو أشرك معه غيره أو نسب لله تعالى ما لا يليق بذاته العلية أو شبهه بالحوادث كطائفة المشبهة والمجسمة أو لم ينزهه عن الحلول والمماسة كالحلولية أو عطل اسما من أسمائه أو صفة من صفاته كالمعطلة فهو كافر وجميع الطوائف الضالة كالبهائية والقاديانية والإسماعيلية وغيرهم من الفرق المنحرفة.
وبالجملة كل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة وزاغ عن منهج الكتاب والسنة ، بتأويل فاسد وشبه باطلة ، تؤدي إلى نقص في ذات الله تعالى أو صفاته أو أسمائه أو أفعاله ، فهو من قرناء الشيطان وأئمة الكفر.
وكذلك يكفر من وصف الملائكة بغير ما أخبر الله تعالى عنهم كقول المشركين الملائكة بنات الله تعالى ، أو أن جبريل عليه السلام أمين الوحي قد أخطأ في نزول الرسالة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لم يؤمن بكتاب من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور وأنها من عند الله تعالى كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز وذلك بخلاف ما هو موجود الآن مما يزعمه اليهود والنصارى كتبا مقدسة وهي محرفة ومبدلة ومنسوخة بالقرآن الكريم.
أو أنكر نبيا من الأنبياء المذكورين في القرآن المجيد وأن الله ختمهم بالرحمة الكبرى للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم وأن شريعته باقية خلود الزمن ناسخة لجميع الشرائع السابقة أو نسب إليهم القبائح العظام وما يتنافى مع العصمة التي حفظهم الله بها أو غالى فيهم واعتقد أن لهم بعض الصفات الإلهية ورفعهم عن مستوى العبودية لله تعالى.
وكذلك من لم يؤمن بالآخرة وما فيها من أمور غيبية صرح بها القرآن المجيد ، أو جاءت في صريح السنة الصحيحة أو أنكر القضاء والقدر أو سلب الاختيار عن العبد وأنه مسير لا كسب له ، كقول الجبرية أو القدرية أو الجهمية وغيرهم من الفرق الزائغة عن الحق.
وهناك أمور أخرى يكفر معتقدها وذلك مثل السجود للصنم اختيارا أو الاستهانة لما عظمه الدين كالقرآن المجيد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته الخالدة وفرائض الإسلام كالصلاة أو الزكاة ، أو التلفظ بكلمة الكفر أو تكذيب آية من كتاب الله تعالى وكأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتواترة أو استحل حراما ثبتت حرمته بدليل قطعي كقتل النفس والزنا والسرقة ، لأن هذا كله يتنافى مع الإذعان والتصديق والانقياد الإسلامي الواجب توافره ليكون المرء مؤمنا ومسلما.
فمن صـرح بشيء من هذه المعتقدات فيحكم عليه بالكفر الصريح ويصير مرتدا حلال الدم تقام عليه حدود الإسلام التي ينفذها الحاكم الشرعي." اهـ30
الشرك وأنواعه
"إن الشرك في الإسلام نوعان : الشرك الجلي والشرك الخفي .
فالشرك الجلي : هو اعتقاد شريك لله تعالى في بعض صفاته أو اتخاذ أرباب أو أنداد من دونه تعالى يحرمون ويحللون أو العبادة لغير الله تعالى ، أو إسناد النفع والضر لغير الله تعالى فهذا كله ارتداد عن دين الله تعالى : وخروج عن حظيرة الإسلام ، وكفر صريح يجر صاحبه إلى الخلود في الجحيم الأبدي والشقاء الدائم في الدنيا والآخرة.
وأما الشرك الخفي : فهو الرياء وهو ضعف في الإيمان لا يخرج صاحبه عن الملة الإسلامية، وإنما هو ذنب كبير يجب على صاحبه أن يتوب منه وأما الجلي فلا يغفر أبدا قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } سورة النساء ، آية : 48.
أي أن الله لا يغفر الإشراك به ويعفو عما دون الإشراك من الذنوب لمن يشاء من عباده.
قال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً } سورة النساء ، آية : 116
أي أن من يشرك بعبادة الله تعالى شيئا فقد تاه عن طريق الحق وبعد عن سبيل النجاة لأنه سفه نفسه وأفسد عقله وذلك لأن الشرك ظلم وافتراء خطير .
قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } سورة لقمان ، آية : 13
أي واذكر إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني لا تشرك بالله أحدا في عبادته وطاعته وإن الشرك بالله لظلم عظيم لأن المشرك يسوي بين المستحق للعبادة وغير المستحق ولذلك حرمه الله تحريما شديدا وجعله أكبر الكبائر.
قال تعالى :{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُون } سورة الأعراف ، آية : 33
أي قل أيها الرسول : إنما حرم ربي الأمور العظيمة في القبح كالزنى سواء منها ما يرتكب سرا وما يرتكب جهارا والمعصية أيا كان نوعها والظلم الذي ليس له وجه من الحق وحرم سبحانه أن تشركوا به دون حجة صحيحة أو دليل قاطع وأن تفتروا عليه سبحانه بالكذب في التحليل والتحريم وغيرهما."اهـ22