من الذي يجب عليه معرفة تلك العقيدة ؟
"إن معرفة هذه العقيدة تجب على كل مكلف :
وهو البالغ العاقل ، الذي بلغته الدعوة الإسلامية فلا تجب على الصبي ، ولكن يجب على وليه أن يقوم بتعليمه العقيدة متدرجا معه حسب ما يستطيع إدراكه لينشأ نشأة إسلامية تحميه من الزيغ والانحراف إذا ما كبر وبلغ سن التكليف.
وإن معرفة أمور العقيدة معرفة جازمة يقينية فرض عين على كل مسلم ومسلمة كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة لذلك يجب على الأب أن يلقن أبناءه ويتدرج بهم في تمكين العقيدة من نفوسهم .
طريقة تعليم العقيدة :
يجب على الداعي إلى الله تعالى أن يسلك طريق تثبيت الإيمان قبل العلم قال سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه: " كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن ، وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان"
وذلك لأن الصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا يتعلمون التصديق قبل العلم ، فإن الإيمان دليل على صفاء النفس وصدقها والإنكار دليل على مرض النفس ونقصها ، لأن النفس الصافية تقبل الحق وتستجيب له لأنها تميل إليه بطبعها وتألفه ، ولما كان لابد من التصديق قبل العلم لزم أن يبدأ الداعي بتعليم التصديق، حتى تتمكن العقيدة في أعماق النفس وترسخ في الوجدان والعقل.
وطريقة تعليم التصديق: أن يبدأ المعلم بغرس جذور الإيمان عن طريق العقل لأن التوحيد أمر بدهي للعقول تقبله الفطرة السليمة ببيان دلائله وذلك بأن ينبه إلى ما يراه حوله من الأشياء الكثيرة التي خلقت لأجلنا كالهواء والماء والأرض التي نمشي عليها والشمس التي تضيء لنا وتعطينا الحرارة ، فإذا تنبه فكر المرء وحضر قلبه بين له أن تلك الكائنات لابد أن يكون قد أوجدها قادر حكيم ، وأنه سبحانه وتعالى خلقها صالحة لنفعنا، وهو ما يسمى ببرهان العناية والإيجاد فإذا رأى من المستمع التصديق بأن هذا الوجود أحدثه خالق مبدع بإرادة وتدبير وأنه سبحانه وتعالى سخره لبني الإنسان شرع في تعليم العقيدة وبيان صفات الله تعالى ويجب عند بيان الصفات الإلهية أن يشرح للمتعلم المقصود من العلم بها ، فإن كانت صفة السمع والبصر مثلا بين له أن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من الأقوال والحركات والسكنات فيجب أن يراقب المؤمن ربه في سره وعلنه وهكذا في كل صفة من الصفات يجب أن يعتني بتلك المعاني المرادة من دراسة هذا العلم ليقوى الإيمان واليقين وتدوم المراقبة لله تعالى ." اهـ
حاجة الإنسان للعقيدة
"إن حاجة الإنسان إلى العقيدة حاجة ماسة وضرورة ملحة لمعرفة نفسه ومعرفة ما يحيط به من هذا الوجود المتناسق المحكم العجيب.
فالإنسان منذ نشأته تثور في نفسه أسئلة يريد أن يعرف الجواب عنها ومن ذلك على سبيل المثال :
من أين جئت وجاء هذا الوجود المتناسق البديع؟
وإلى أين المصير بعد هذه الحياة المليئة بالأعاجيب والخير والشر وبعد الموت؟
ولماذا وجدت في هذه الحياة وميزت بالعقل والإرادة عن سائر الكائنات المشاهدة المحسوسة ؟
فهذه الأسئلة قد تتردد في كل عصر والإنسان يتطلع للجواب الذي يطفىء الظمأ ويطمئن الوجدان ويقنع العقل ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعقيدة الحقة الخالصة.
لأن هذه العقيدة هي التي تكشف للإنسان عن حقيقة نفسه فيعرفها ، فإذا عرف نفسه عرف ربه فيوقن انه لم يظهر في هذا الكون من العدم صدفة ولا عبثا وإنما هو عبد لإله خالق عظيم هو الذي خلقه فسواه وأحسن خلقه ونفخ فيه من روحه ووهبه السمع والبصر والفؤاد وأحاطه بنعمه التي لا تعد ولا تحصى ظاهرة وباطنة .
وهذا الوجود كله بما يحويه من أرض وسماء وحيوانات ونباتات وأفلاك وجمادات ، إنه مخلوق مقهور لله تعالى لا يسير عبثا ولم يترك سدى بل كل شيء بتقدير إلهي وتسخير دقيق وفق إرادة الخالق المبدع جل جلاله.
فالعقيدة هي التي توقف الإنسان على سر الحياة بعد الموت وهي التي تعرفه أن الموت ليس عدما وفناء وإنما هو مرحلة أخرى بعد الحياة الدنيوية تأتي بعدها النشأة الأخرى التي تجزى فيها كل نفس ما كسبت فلا يظلم أحد شيئا ليوفى كل إنسان عمله.
وكذلك ليستطيع أن يدرك الإنسان لماذا خلق! وأنه جاء ليعبد ربه ويعرفه وانه جعل خليفة في الأرض ليعمرها ويسخرها وفق نظام معين ومنهاج شرعه الله سبحانه وهيأ الله له الأسباب ليكتشف ما فيها من أسرار ويتمتع بطيباتها مؤديا حق ربه عز وجل وحق العباد والكائنات من حوله.
وبذلك يدرك سر وجوده ويقف على حقيقة أمره في هذه الحياة وإن الإنسان بغير عقيدة صحيحة يعيش في وادي الحيرة ويتخبط في ساحة الخذلان ويسقط في هوة الشقاء النفسي بل إنه حكم على نفسه بالجحيم الأبدي مهما كان في رخاء مادي ورفاهية كما نرى اليوم بعض الناس في الدول الغنية التي لا تستظل بسماء العقيدة الإسلامية ، يحاولون التخلص من الحياة بطريق الانتحار لأنهم خالفوا الفطرة التي فطر الله الناس عليها .
وإن الفطرة في الإنسان لا يقنعها شيء مهما كان ولا يطفىء ظمأها مباهج الحياة ولا يسد فراغها تقدم العلوم وتطورها بل تظل تطالب الإنسان دائما بما يشبع نهمها ويكمل نقصها حتى تصل إلى العقيدة الحقة فتهدأ وتسكن فيشعر الإنسان بحقيقة وجوده وسعادته المنشودة .
ومن هنا كانت العقيدة عند كل الأمم بدائية ومتحضرة وفي كل الأزمان ولكنها إن لم تؤخذ من الوحي المعصوم تنحرف بأصحابها عن الصراط المستقيم .
يقول بلوتارك المؤرخ الإغريقي : قد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون وبلا قصور وبلا سدود وقناطر ، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد.
وإن الله تعالى جعل الدين هو الفطرة الإنسانية،قال الله تعالى:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } سورة الروم ، آية : 30فالإنسانية في حاجة ماسة إلى العقيدة الصحيحة للإيمان بالله تعالى وبرحمته
والإيمان باليـوم الآخر وانتظار الجزاء العادل ونوال الثواب في دار الخلود لتكتمل للإنسان سعادته الروحية ويعيش في رياض الأمن النفسي والأمل الباسم فيستقبل مشاكل الحياة بنظرة متفائلة وصبر جميل وإن القوانين التي هي من وضع البشر لا تكون باعثا على الالتزام بالمبادىء والقيم ولا تربي في الإنسان ملكة المراقبة للخير والشر فتكون حاجزا له عن الشر لأن الاحتيال على هذه القوانين ممكن ولكن العقيدة الدينية تهيمن على ضمير المؤمن وتضع له ضوابط عادلة حكيمة."اهـ26