العقيدة الإسلامية وأثرها :
"إن أعظم سلطان على النفوس والأرواح هو سلطان الدين الذي ارتضاه الله لعباده لأنه الذي يهيمن عليها ويستولي على جماع أقطارها وينفذ إلى سويداء القلوب وأعماق الأفئدة فيصلح الضمائر ويزكي النفوس ويطهر المجتمعات بطهور الهداية الربانية ومدد الوحي المعصوم فينشر العدل والسلام ويقيم دولة الحب والوئام ويدفع للعمل الجاد المثمر البهيج ويغرس في كيان الإنسان أسمى المعاني التي تصنع البطولات وتظهر المثل العليا والفضائل الخلقية .
ولما كانت العقيدة هي أساس الدين وقوامه والدعامة الكبرى لبنائه كانت قوتها هي الميزان الدقيق لعظمة الأمم والأفراد لأنها إذا رسخت في لب الأعماق وتمكنت في مكامن السرائر وجهت أصحابها إلى معارج الكمال البشرى المنشود وسمت بهم إلى مراقي العزة والكرامة ليكونوا خير أمة أخرجت للناس ولذلك فإن الرعيل الأول من المسلمين لما كانت العقيدة قد بلغت القمة في ثباتها في قلوبهم فقد ملأوا الدنيا هديا ونورا وسعادة وأمنا وانتصروا على كل قوى الشر وأدبوا جبابرة الدنيا وسادوا الحياة بأسرها رافعين راية التوحيد عالية خفاقة مبشرة بالنصر في كل مكان واستطاعوا في زمن يسير من إبان الدعوة الإسلامية أن يبلغوا كلمة الله إلى ما يقرب من ربع الكوكب الأرضي آنذاك ولما ضعفت العقيدة بأصحابها بعد ذلك تخطفهم أعداؤهم من كل جانب وأصبحوا عزين متفرقين لا تجمعهم وحدة ولا يضمهم هدف.
ويوم أن نريد القوة لأمتنا والتمكين لديننا نربي جيلنا على العقيدة الحقة والإيمان القوي ليعود للإسلام مجده السالف وسؤدده العظيم .
وإن من تدبر في هذه الآية عندما تتحدث عن الصالحات فتذكر العقيدة في طليعة أعمال البر يرى أنها الأصل الذي تتفرع منه جميع الأعمال الصالحة والأساس الذي تقوم عليه . يقول الله تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } سورة البقرة ، آية : 177
العقيدة التي جاءت بها الرسل واحدة :
إن هذه العقيدة التي أنزل الله بها كتبه ، وأرسل بها رسله وجعلها باقية أبد الآباد من بداية البشرية إلى نهايتها هي عقيدة واحدة ، لا تتغير بتغير الزمان أو المكان ولا تختلف باختلاف الأنبياء والأمم بل هي ثابتة محكمة لأنها تشمل الإيمان بالله وملائكته ، ورسله واليوم الآخر. قال جل شأنه: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } سورة الشورى ، آية : 13
أي ما شرعه الله لنا من الدين ، ووصانا به هو الدين الذي جاء به رسله السابقين كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى [ على نبيّنا سيدّنا محمد وعليهم وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أشرف صلوات الله وتسليماته ] وذلك في جوهر العقيدة وأصول الدين ، لا فروعه ولا تشريعاته الخاصة ، لأن لكل أمة منهجا يتفق مع ظروفها ، وأحوالها ويتلاءم مع مستواها الفكري وحياتها الراهنة واستعدادها الروحي قال سبحانه وتعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } سورة المائدة ، آية : 48" اهـ 1/23
علم العقيدة الإسلامية
"إن علم العقيدة الإسلامية هو أعظم العلوم على الإطلاق وأمسها حاجة للمسلم ، لأن العقيدة الإسلامية هي الأصل الذي تبنى عليه فروع الدين ، والأساس الذي يقوم عليه بنيانه والحصن الحصين لحماية المسلم من عواصف الشك وأخطار الضلال والشرك وهذه العقيدة هي التي جاءت بها جميع الرسل والأنبياء : قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } سورة الأنبياء ، آية : 25
ويجب أن يعرف المسلم أن جميع الأعمال الصالحة التي يعملها لا يقبلها الله سبحانه وتعالى إلا إذا صحت العقيدة ثبت الإيمان .
قال تعالى : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة البقرة ، آية : 217
وتظهر الأهمية الكبرى لهذه العقيدة بأن عدم الإيمان بالأمور الغيبية هو الذي يحكم على الإنسان بالكفر .
قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } سورة البينة ، آية : 6/8
المباحث التي تشملها العقيدة الإسلامية
إن العقيدة الإسلامية تشمل معرفة ما يجب لله تعالى وما يستحيل وما يجوز في حقه تعالى وهذا ما يسمى بالإلهيات ومعرفة ما يجب للرسل عليهم الصلاة والسلام وما يستحيل وما يجوز في حقهم وصدق معجزاتهم ورسالاتهم وهذا ما يسمى بالنبوات.
ومعرفة جميع الأمور الغيبية التي جاءت عن طريق كتاب الله تعالى أو سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتشمل الإيمان بالملائكة والكتب واليوم الآخر والجنة والنار والصراط والميزان والحوض وعذاب القبر ونعيمه والشفاعة وهكذا وهذا ما يسمى بالسمعيات.
مصادر العقيدة الإسلامية
إن العقيدة تشمل علم التوحيد الذي هو رأس مال المؤمن وسبب سعادته الأبدية قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } سورة النساء ، آية : 48
والعقيدة هي : انعقاد القلب عقدا مؤكدا على يقين صادق بحقيقة ما عليه الأمر في ذاته ونفس الأمر ، ولا يتم ذلك إلا عن طريق القرآن المجيد وخبر الصادق المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم فإن الكمالات الإلهية لا يدركها العقل وحده لأنه لا يمكنه إلا بقدر ما يتضح له من الدلائل على عظمته سبحانه وهذه الدلائل تتفاوت العقول في إدراكها. فإن الله سبحانه وتعالى خلق الكون كله وسخره للإنسان .
قال تعالى :{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ } سورة الجاثية ، آية : 13
فلقد وهـب الله العقل للإنسان وجعل له السيطرة على الأرض لتظهر حكمة التسخير وهو مع ما بلغه من العلوم الحديثة عاجز عن الإحاطة بما في المادة من خواص أودعها القادر الحكيم من فضله فإذا انكشف للعقل شيء يذعن أن لهذا الكون إلها مدبرا ليعرفه بقدر ما شاهد من هذه الآيات لا بقدر جلاله سبحانه وتعالى .
ولذلك لا يكون الإنسان مسلما إلا إذا شهد بنور الإيمان آيات الخالق العظيم مشرقة دالة على كمال التنزيه والتقديس لذات الإله الحق سبحانه وتعالى ، ولا يمكن ذلك إلا بطريق الوحي الإلهي، ولهذا فإن مصادر العقيدة الإسلامية هي ما عليه الإجماع من كتاب الله تعالى والسنة النبوية الصحيحة،وهي عقيدة النجاة." اهـ 1/25