الإيمان حياة ونور والكفر موت وظلمات
"إن الإنسان بغير عقيدة الإيمان الصادق يعيش مقبورا في ظلمات الضلال والعمى بل هو في الحقيقة ميت القلب والعقل فاقد الإدراك والمعرفة ، يتخبط في دياجير الحيرة والشكوك محروما من نور الحياة وحياة الإيمان لأنه يسير بلا هدف ويجري وراء سراب خادع فلا يذوق للحياة طعما ولا للوجود معنى ولذلك بين الله تعالى أن المؤمنين يحيون بالإيمان ويستضيئون بنوره ، وأن المشركين والكفار في عداد الأموات المطموسين بظلمات الشرك والخسران.
قال تعالى :{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة الأنعام ، آية : 122
أي انكم بإيمانكم لستم مثل الكافرين في شيء فليس حال من كان كالميت في ضلاله فأنار الله بصيرته بالهداية التي هي كالحياة وجعل له نور الإيمان والعقيدة الحقة يهتدي به ويسير في ضوئه كحال الذي يعيش في الظلام المتكاثف وكما زين الله الإيمان في قلوب أهل الإيمان زين الشيطان الشرك في نفوس الجاحدين المعاندين .
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ضلال الكفار وإلى ما هم غارقون فيه من ظلمات لأنهم حرموا نور الهداية للإسلام.
قال الله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } سورة النور ، آية : 40
وهذا مثل آخر للكفار فمثلهم كراكب في ظلمات البحر الواسع العميق الذي تتلاطم أمواجه ويعلو بعضها فوق بعض ويغطيها سحاب كثيف قاتم يحجب النور عنه فهذه ظلمات متراكمة لا يستطيع راكب البحر معها أن يرى يده ولو قربها إلى بصره فتراه متحيرا مبهوتا وكيف يرى شيئا وينجو من هذه الحيرة بدون نور يهديه في طريقه وسيره ويقيه الارتطام والهلاك ، فمن لم يوفقه الله لنور الإيمان الخالص فلن يجد نورا يهديه إلى الحق ويدله على سبيل الاستقامة فيكون من الهالكين والعياذ بالله.
وأوضح سبحانه وتعالى بأن الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم هي الحياة والنور.
قال الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} سورة الآنفال ، آية : 24
أي يا أيها الذين صدقوا بالحق وأذعنوا له، أجيبوا الله بقلوبكم وجوارحكم وأجيبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعاكم إلى العقائد والأحكام التي فيها حياة أرواحكم وعقولكم وقلوبكم ، واعلموا علم اليقين أن الله تعالى قائم على قلوبكم يوجهها كما يشاء فيحول بينكم وبين قلوبكم إذا زين الشيطان لها الهوى فهو متوليكم إن اتجهتم إلى الحق المبين وإنكم جميعا ستجمعون يوم القيامة فيكون الجزاء العادل الرحيم .
فمن آمن بالله حقا عاش في نور الله وهدايته ونجا من ظلمات الشر والباطل لأنه في ظل الولي الحميد .
قال الله تعالى : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } سورة البقرة ، آية : 257
أي أن الله متولي شؤون المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم بفضله فيخرجهم من ظلمات الشرك والحيرة والضلال إلى نور التوحيد والهدى والاطمئنان والكافرون بالله تعالى تستولي عليهم الشياطين ودعاة الشر والضلال فهم يخرجونهم من نور الإيمان الذي فطروا عليه والذي ظهر لهم بالأدلة الواضحة والآيات البينة إلى ظلمات الكفر والفساد فهؤلاء هم الكافرون المستحقون للخلود في النار باتخاذهم الطاغوت أولياء من دون الله تعالى فمن أشرب قلبه بنور الإسلام فهو على المحجة البيضاء والملة السمحاء يكون منشرح الصدر بنور الإيمان والهدى.
قال الله تعالى : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } سورة الزمر ، آية : 22
أي أكل الناس سواء أفمن شرح الله صدره للإسلام باستعداده لقبول الحق فهو على بصيرة وهدى من ربه كمن أعرض عن التفكير في آياته فالعذاب الشديد للذين قست قلوبهم عن ذكر الله لأنهم في هوة الضلال ساقطون وعن طريق الحق الأبلج منحرفون .
فأهل الإيمان هم الثابتون على الحق المطمئنون الذين لا تعصف بهم رياح الشكوك والريب فهم في رياض البهجة والسلام يتنعمون وفي نعيم الإيمان والهدى يعيشون قال الله تعالى :{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }سورة الأنعام ، آية : 82
أي أن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك أولئك وحدهم هم الآمنون المطمئنون الذين لا يعرفون الحيرة والمخاوف وهم وحدهم المهتدون إلى طريق النجاة وسبيل السعادة .
فالإيمان مصدر الخيرات كلها في الدنيا والآخرة ومنبع النعم الظاهرة والباطنة .
قال الله تعالى :{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } سورة الأعراف ، آية :96
أي ولو أن أهل تلك القرى آمنوا واتقوا لمنحناهم بركات من السماء والأرض ولكن جحدوا وكذبوا الرسل فأصبناهم بالبلايا والمحن عقوبة لهم على ما كانوا عليه من الشرك والمعاصي فأخذهم بالعقوبة أثر لازم لكسبهم القبيح وعبرة لأمثالهم إن كانوا يعقلون .
وقد ضمن الله تعالى للمؤمنين الصالحين حياة الرخاء والهناء والاستقرار والأمن في الدنيا والجزاء العظيم في الآخرة .
قال الله تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } سورة النحل ، آية : 97
أي من عمل صالحا سواء أكان ذكرا أم أنثى ، متجها إلى هذا العمل الصالح بدافع الإيمان والعقيدة ، فإننا لابد أن نحييه في هذه الحياة الدنيا حياة طيبة لا قلق فيها تملؤها السعادة الحقة بالقناعة والرضا والصبر على مصائب الدنيا والشكر على نعم الله فيها وفي الآخرة وافر الأجر وعظيم الثواب المضاعف والمغفرة الواسعة والرضوان الأكبر.
وأوضح لنا جل جلاله ثمرة الإيمان ونتيجة اليقين بأن المؤمنين في كنف الله وحفظه قال الله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ } سورة محمد ، آية :11
أي ذلك الجزاء العظيم والنصر المؤزر للمؤمنين لأن الله متولي الذين آمنوا وناصرهم ومؤيدهم برعايته وفضله وأن الكافرين لا مولى لهم ينصرهم ويمنع هلاكهم وان المؤمنين عند الله هم السعداء حقا لما لهم عنده من قدم راسخة ومقام كريم.
قال الله تعالى:{ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } سورة يونس ، آية :2
أي وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق أي لهم المنزلة العالية والمكانة الرفيعة عند ربهم ولا يتخلف وعد الله أبدا.
فمن سعد بالإيمان والتقوى خصه الله تعالى بكفلين من رحمته وأعطاه نورا يفرق به بين الحق والباطل وعاش قرير العين مطمئن الخاطر .
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة الحديد ، آية : 28
أي يا أيها الذين آمنوا خافوا الله ، واثبتوا على إيمانكم برسوله صلى الله عليه وآله وسلم يمنحكم
الله نصيبين من رحمته ويجعل لكم نورا تهتدون به في حياتكم لتسعدوا في الدنيا والآخرة ويغفر لكم ما فرط من ذنوبكم والله واسع المغفرة عظيم الرحمة.
وقد بين الله تعالى عاقبة الضلال والشرك وصور حالة المشركين وهم في أقسى حالات الضنك والضيق النفسي الرهيب وما عليه أهل الإيمان من انشراح في الصدر ونور في القلب.
قال تعالى :{ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ } سورة الأنعام ، آية : 125
أي فمن يرد الله له الهداية يتسع صدره لنور الإسلام ، ومن يكتب عليه الضلال يكن صدره ضيقا شديد الضيق ، كأنه من الضيق كمن يصعد إلى مكان مرتفع بعيد الارتفاع كالسماء فتتصاعد أنفاسه ولا يستطيع شيئا ولله الحجة البالغة على خلقه ببيان دلائل الحق على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولهذا فالعقيدة الإسلامية هي النعمة العظمى والفضل الكبير لأن الله تعالى تفضل علينا بإكمال الدين وإتمام النعمة بهذا الدين الحنيف .
قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } سورة المائدة ، آية :3
أي أكملت لكم أحكام دينكم وأتممت عليكم نعمتي الكبرى لإسعادكم وتثبيت أقدامكم واخترت لكم الإسلام دينا لتنالوا الفوز العظيم في الدنيا والآخرة.
وإن الإيمان الخالص بدين الإسلام إذا خالطت بشاشته القلوب وتمكنت في أعماق النفوس وجد المؤمن حلاوة الإيمان الحق وذاق طعم السعادة الكاملة وعاش في نعيم روحي ومتعة قلبية لا تمنحها لذائذ الدنيا بأجمعها ولا يحصلها الإنسان ولو ملك كل شيء من زخارف الحياة بأسرها بل ولو بلغ القمة في السلطان والحكم لأنها من الله تعالى خالق الخلق ومدبر الأمر .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وفي لفظ نبيا " رواه مسلم والترمذي
أي تذوق طعم الإيمان من صدق تصديقا جازما وسلم تسليما تاما ورضي رضاء كاملا بأنه عبد لله الواحد القهار ، وإن الإسلام هو المنهج الإلهي القويم والدين الحق المستقيم وان سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هو الرسول الخاتم والنبي المعصوم الذي يجب متابعته والإيمان بما جاء به.
فالمؤمن الصادق يحيا في نور السعادة الحقيقية ويحس بالبهجة والحبور لأنه يحب الله ورسوله حبا صادقا يغنيه عن كل شيء سواهما ويحب لله ويبغض لله ويكره الكفر كما يكره الوقوع في النار.
فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلى لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" رواه البخاري ومسلم
فالمؤمن الصادق يحيا في نور الإيمان وحلاوة اليقين ويذوق طعم القرب من الله تعالى إذا استولت محبة الله ورسوله على سويداء قلبه وملكت عليه نفسه فيحبهما حبا عظيما أشد من حبه لكل ما سواهما من الموجودات ولا يحب أخاه إلا لما يرى من مسارعته لما يحبه الله ويرضاه وأن يبغض الكفر والضلال بغضا شديدا بعد إذ نجاه الله منه أشد من بغضه للسقوط في نار موقدة تأجج لهيبها وزاد إوارها. " اهـ