معنى الإيمان والإسلام شرعا
"وجدير بالذكر أن تقف على حقيقة الإيمان والإسلام والارتباط بينهما ، فالإيمان هو : التصديق القلبي الجازم والتسليم بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثبت بالأدلة القطعية وعلم مجيئه من الدين بالضرورة.
أما الإسلام فمعناه : الإذعان والخضوع التام والتسليم المطلق لكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلم من الدين بالضرورة : أي بدون اعتراض على أي أمر من أوامر الدين وتلقيه بالقبول والاستسلام .
وعلى ذلك يكون هو عقيدة قلبية، مثل الإيمان ، والفرق بينهما أن الإيمان تصديق قلبي جازم ، وأن الإسلام تصديق وتسليم قلبي وعدم منازعة لأي أمر شرعه الله تعالى بل رضاء تام لكل ما علم من الدين بالضرورة فالإنسان قد يصدق بوجود أمر ولا يسلم به ولا يرضاه فمن يقول أنا أومن بالإسلام ولكني غير مقتنع بالصلاة والصيام مثلا ، فهذا يخرجه من حظيرة الإسلام ، لأن التسليم والخضوع والاذعان لم يتوفر ولا ينفع إيمانه لأنه لو صدق بالله تعالى حقا لأسلم نفسه ورضي بكل ما فرضه الله تعالى لذلك فإن الإيمان الصادق يستلزم الإسلام بهذا المعنى ولذلك إذا أطلق الإيمان فيراد به التصديق والتسليم فيكون مرادفا للإسلام وهذا ما ورد في كتاب الله تعالى قال جل شأنه:
{ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } - سورة الذاريات ، آية : 35/36
وقد يراد بالإسلام الإذعان الظاهري فتجري على المسلم الأحكام الإسلامية ولــو كان منافقا أي غير معتقد بقلبه ما دام لم يعلن ذلك ولم يفعل ما ينافي الإسلام وقد شنع الله تعالى على أناس أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر . فقال تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } - سورة الحجرات ، آية :14
والإسلام بهذا المعنى محله ظاهر الإنسان ، لأن التصديق والتسليم لأوامر الدين أمر باطني والخضوع لأحكامه أمر ظاهري .
وعلى هذا فالإسلام هو الذي يظهر للناس دون الإيمان ، والإيمان أخص من الإسلام والإيمان باطني محله القلب وقد تدل عليه أعمال المؤمن.
حكم التلفظ بالشهادتين:
التلفظ بالشهادتين بأن ينطق المسلم قائلا : "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" شرط لإجراء الأحكام الشرعية في الدنيا ، مثل الزواج والصلاة عليه عند موته . فإذا تعذر النطق لخرس أو مرض فإيمانه صحيح وهو ناج عند الله تعالى ، أما الذي يستطيع النطق ولم ينطق بهما فهو كافر أما إذا لم ينطق بالشهادتين جهارا لخوفه من الهلاك فإيمانه صحيح لقوله تعالى : { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ } سورة النحل ، آية : 106" اهـ14
فضل الشهادتين وحسن الختام
"ورد في فضل التوحيد والاعتراف بالشهادتين ترغيب عظيم وبشريات كبرى تسعد المؤمنين وتحرك لطائف قلوبهم من فرط البهجة ونعيم الرضا بنوال المغفرة والفوز بالجنة والبعد عن النار قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } سورة النساء ، آية : 48
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ". أخرجه البخاري ومسلم
فمن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أي آمن بقلبه إيمانا صادقا ويقينا خالصا ، بأنه لا معبود بحق إلا الله وحده ولم يشرك معه غيره في العبادة والخضوع والدعاء وشهد أن – سيدنا - محمدا عبد الله ورسوله ، جاء بالهدى ودين الحق ، وأنه المعصوم الذي تجب طاعته وتوقيره واتباع سنته ، وأن شريعته باقية إلى يوم القيامة وقد نسخت جميع الشرائع السابقة وشهد أن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن النصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله ، أو هو الله ، أو أن الله ثالث ثلاثة ، قد كفروا كفرانا مبينا ، وضلوا ضلالا شديدا قال الله تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } سورة المائدة ، آية : 72
وقال سبحانه وتعالى : { لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ } سورة المائدة ، آية : 73
وشهد أن الجنة حق أعدها الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وأن النار حق جعلها للكافرين أدخله الله الجنة ومنحه المغفرة والرضوان ولو وقع في الكبائر تاب منها لأن التوحيد الخالص يهدم السيئات إذا مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يشرك بالله شيئا فيحرمه الله على النار ويقيه شر العذاب والخلود في الجحيم الأبدي .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حمار فقال لي :" يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وماحق العباد على الله؟"
فقلت : الله ورسوله أعلم قال : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال:"لا تبشرهم فيتكلوا" أخرجه البخاري ومسلم
فما أعظم هذه البشرى للموحدين وما أجلّ هذه النعمة للمؤمنين وليس على الله حق واجب كما زعمت المعتزلة ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي كتب على نفسه الرحمة وألزم ذاته العلية تفضلا وإحسانا للموحدين المخلصين.
فينبغي للمؤمن أن يكثر من ذكر شهادة التوحيد التي هي كلمة التقوى وأن يدعو بها ربه صادقا مخلصا ملتزما بما تقتضيه معانيها وهي لا إله إلا الله لما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " قال موسى : يارب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به؟ قال : قل يا موسى لا إله إلا الله، قال : يارب كل عبادك يقولون هذا؟ قال : يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن – غيري – والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله " رواه ابن حبان والحاكم وصححه
فمن نقى قلبه من أوضار الشرك وعَمّر سريرته بنور التوحيد الخالص ومات لا يشرك بالله شيئا لقي الله تعالى مغفورا له من جميع الذنوب التي لم يمت مصرا عليها وتاب إلى الله منها ، فعن أنس : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " قال الله تعالى : يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " رواه الترمذي وحسنه
فالتوحيد هو أساس السعادة وسبب النجاة من أهوال يوم القيامة والشرك هو مصدر الشقاء ومنبع الغضب الإلهي وموجب للخلود في النار فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار"رواه البخاري
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار ".رواه مسلم
فمن مات وهو يدعو لله ندا: أي مثلا أو شبيها أو يطلب من أحد مالا يقدر عليه إلا الله معتقدا فيه النفع أو الضر استقلالا أدخله الله النار وعذبه عذابا شديدا ومن لقي الله تعالى موحدا في العقيدة مبرءا من الشرك أكرمه الله تعالى بدخول الجنة ونوال المغفرة والنعيم المقيم ، بل إن الله تعالى يجعل له حرمة عظيمة في الدنيا فيعصم ماله ودمه ما دام يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويكفر بالجبت والطاغوت وما يعبد من دون الله من حجر أو شجر أو حيوان أو بشر. فعن النبي رضي الله عنه أنه قال : " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله عز وجل " رواه مسلم
ولذلك يجب على المسلم تصحيح عقيدته ومعرفة معنى الشهادتين معرفة يقينية وهي شهادة أن لا إله إلا الله التي تشمل التوحيد وما يتصل بذات الله تعالى من عقائد وشهادة أن محمدا رسول الله التي تشمل الرسالة ، وما يتصل بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم من معتقدات لأنهما قطب الرحى الذي يقوم عليه الإيمان وتنبني عليه السعادة والشقاء." اهـ15/95