مكانة الشهادتين في الإسلام
"إن الإيمان بالشهادتين في الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله شرط في دخول الإسلام ويستلزم الإيمان بهما القيام بمبادئ الإسلام واعتقاد أركان الإيمان.
فقد روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الإسلام بني على خمس : " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ". أخرجه أحمد والبخاري ومسلم
فهذا الحديث النبوي الشريف يوضح أركان الإسلام والأسس التي يقوم عليها بنيانه وأن أول هذه الأركان هو الإقرار التام والإذعان الكامل والنطق بالشهادتين ، وهذا هو المقصود بيانه والاستفاضة فيه لأنه الركن الركين ، والحصن الحصين ، وأساس العقيدة الإسلامية وعليه تبنى جميع الأحكام ولا يقبل الله من العبد باقي الأركان من الصلاة والزكاة والصيام والحج إلا بعد الإتيان به ، وهذا الركن الأساسي الذي هو الشهادتان تستلزم معرفته أركان الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى وقد بينها الحديث النبوي الجامع للإسلام والإيمان.
فعـن عمر رضي الله عنه قال : " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا "
قال : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال فأخبرني عن الإيمان؟
قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ".
قال : صدقت : فأخبرني عن الإحسان ؟
قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
قال : فأخبرني عن الساعة؟
قال : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ".
قال : فأخبرني عن أماراتها ؟
قال : " أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " .
ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال :
" يا عمر أتدرى من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ". رواه مسلم
فهذا الحديث الشريف من جوامع كلمه صلوات الله وسلامه عليه ، لأنه جمع الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة في إيجاز مركز محكم فقد كان الصحابة رضوان الله عنهم جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهتدون بنوره ودخل عليهم رجل لا يعرفونه شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لم يعلق بشيء من ثيابه ولا من جسمه غبار ، ورأوه يجلس أمام الرسول صلوات الله وسلامه عليه جلسة من له معرفة وصلة وثيقة بينه وبينه فهو يسند ركبتيه إلى ركبتيه ويضع يديه على فخذيه ويوجه الخطاب إليه قائلا:
أخبرني عن الإسلام؟ أي عما يتحقق به من الأعمال التي من عملها يحكم عليه بأنه مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، فأخبره صلوات الله وسلامه عليه بأن الإسلام يتحقق لمن نطق بالشهادتين.
وهذه هي الدعامة الأولى : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إقراراً بلسانه مع التصديق بالقلب بأنه لا معبود بحق إلا الله الذي اتصف بجميع صفات الكمال وتنزه عن جميع النقائص ، فلم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ، بل هو الله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وأنه سبحانه وتعالى المنفرد بالإيجاد والإمداد ولا نافع ولا ضار سواه لأنه وحده الذي يملك الرزق والأجل والسعادة والشقاء فلا ينبغي الخوف إلا منه ولا الخضوع إلا له ، ولا التذلل إلا بين يديه جل جلاله وعز سلطانه.
وهذا ما سيأتي تفصيله فيما بعد إن شاء الله تعالى ويسمى بالإلهيات.
فهذا الحديث الشريف بين أيضا أن رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عامة وباقية والاعتراف له صلى الله عليه وآله وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل والأنبياء وأن المؤمن لا يكون مؤمنا إلا إذا كان مؤمنا بجميع ما جاء به صلى الله عليه وآله وسلم مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهذا ما يسمى في علم التوحيد بالنبوات والسمعيات .
والدعامة الثانية : " وتقيم الصلاة " أي تؤديها بخشوعها في أوقاتها ، مستوفية جميع الشرائط والأركان لأنها عماد الدين والفرق الواضح بين المؤمن والكافر وأول شيء يسأل عنه العبد يوم القيامة.
والدعامة الثالثة : " وتؤتي الزكاة " وهي من أهم أركان الإسلام ولذلك قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: " لأقاتلن من يفرق بين الصلاة والزكاة"
وهي مطلوبة في الزروع والثمار عند الحصاد إذا بلغت نصابا وفي النعم السائمة من الإبل والبقر والغنم التي ترعى في كلأ مباح إذا بلغت النصاب وفي عروض التجارة والنقود التي يحول عليها الحول إذا بلغت النصاب وكذلك زكاة الفطر في رمضان
والدعامة الرابعة : " وتصوم رمضان ، والصيام فريضة يجب أداؤها متى توفرت شروط وجوبها وهي الإسلام والبلوغ والعقل والقدرة على الصوم كما جاء في الشريعة المطهرة من أحكام مفصلة للصوم .
والدعامة الخامسة : " وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " لأن الحج مفروض على المستطيع مرة واحدة في العمر.
فقد روى الإمام مسلم عن أبي رضي الله عنه هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا " فقال رجل : أكل عام يارسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم "
وتتحقق الاستطاعة بوجود النفقة والزاد وأمن الطريق والقدرة الجسمية وغير ذلك وللحج ميقاته الزماني المحدد قال الله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } سورة البقرة ، آية : 197
وتلك الأركان الأربعة هي من مباحث علم الفقه الإسلامي.
ودهش الصحابة حين قال الزائر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقت كأنما يسأله عن شيء معلوم له ، ثم انتقل من هذا السؤال إلى السؤال عن الإيمان ، أي عما يصير به الإنسان مؤمنا به إيمانا منجيا من العذاب مستجلباً للرحمة ودخول الجنة ، فأجابه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين له أركانه الستة وهي :
الإيمان بالله : وهو التصديق القلبي بوحدانية الله تعالى وقدرته وإرادته وأسمائه وصفاته ، واتصافه بصفات الكمال والجمال والجلال ، وأنه منزه عن كل نقص .
والإيمان بالملائكة : كما وصفهم الله تعالى أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء وهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ولا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة ولهم رسالات يؤدونها كالنزول بالوحي على الأنبياء ، وكتابة الحسنات والسيئات وقبض الأرواح وسؤال القبر وخزنة الجنة وخزنة النار وهكذا.
والإيمان بالكتب المنزلة : وهي الزبور والتوراة والإنجيل، وأن جميعها نسخت بالقرآن ، فهو المهيمن عليها والمصدق بها والصحف المنزلة كصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
والإيمان بجميع الرسل والأنبياء : وأنهم بشر معصومون اختصهم الله برسالته إلى الخلق يدعونهم إلى التوحيد والطاعة ، ويجب أن يتصفوا بالصدق والأمانة والتبليغ والفطانة ويستحيل عليهم الكذب والخيانة والكتمان والبلادة ويجوز عليهم الأعراض البشرية كالنسيان والأمراض التي لا تخل بكرامتهم وأن الله تعالى ختمهم بأفضل الخلائق جميعا وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته باقيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والإيمان باليوم الآخر : وما فيه من حشر ونشر وثواب وعقاب وحساب وميزان وصراط وما ورد بشأنه في الكتاب الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة.
والإيمان بالقضاء والقدر : أي أن الله تعالى قدر الأشياء في القدم وعلم سبحانه ما سيقع من العباد في أوقات معلومة وأمكنة محدودة على حسب ما قدره الله تعالى من خيرها وشرها حلوها ومرها ، وكل إنسان ميسر لما خلق له ولله الحجة البالغة على خلقه ، لأن الله تعالى يحاسب على الكسب الاختياري وهو سبحانه الخالق للعباد وأعمالهم.
ثم انتقل السائل فسأل عن الإحسان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك ".
أي الإحسان : أن تطيع الله تعالى وأنت مخلص في عبادته خاضع لجلاله كأنك تعاينه ، فإن لم تكن في عبادتك كأنك تراه ، بأن غفلت عن المشاهدة فاستمر على إحسان العبادة واستحضر أنك بين يدي الله تعالى وأنه مطلع على سرك وعلانيتك لتحصل لك المراقبة التي تجلب الخشية .
ثم سأل بعد ذلك عن الساعة فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه مثله في ذلك ، يستويان لأن علمها عند الله تعالى ، فقال : أخبرني عن أماراتها ؟ أي علاماتها قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أن تلد الأمة ربتها" أي سيدتها فهو إخبار بأحوال ستكون فيما بعد من كثرة العقوق أو إكثار الناس من إنجاب الأولاد ممن دونهم كالجارية التي تحمل ابنة تكون لها ربة وسيدة.
ومن أمارات الساعة أيضا : " أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان " أي أن تقبل الدنيا على كثير من الفقراء الذين لم يكن لهم عمل إلا رعي الإبل والغنم فكانوا لذلك حفاة الأقدام عليهم ثياب بالية لا تكاد تواري الأجسام فإذا بهم وقد كثرت أموالهم ، ونمت ثروتهم ، وصاروا يتطاولون في البنيان فخرا وعجباً أي يرفعون البنيان بدون حاجة.
وقيل معناه : أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة يرتقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتفاخروا بالبنيان ويشتغلوا عن أوامر الله تعالى.
فلما أتم السائل أسئلته بادر بالانصراف حتى اختفى عن الأبصار.
ومعنى " فلبثت مليا " أي مكثت وقتا طويلا وهو سيدنا رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه راوي الحديث . ثم قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت "الله ورسوله أعلم. قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " وفي هذا دليل على ان الإسلام والإيمان والإحسان تسمى كلها دينا." اهـ