الملة الحنيفية السمحة
"الإسلام هو دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام قال الله تعالى مشيرا إلى ذلك : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } سورة البقرة ، آية 130/133
أي أنه لا يعرض عن دين إبراهيم إلا من ازدرى إنسانيته وهبط بعقله إلى الدرك الأسفل ولقد اصطفاه الله في الدنيا بالرسالة الخالدة، وانه في الآخرة لمن الصالحين المقربين لأنه استجاب لربه عندما طلب إليه أن يذعن ويؤمن بدين الله وهو الإسلام فقال : " أذعنت وأسلمت لرب العالمين".
ولقد أوصى بنيه أن يتبعوا هذا الدين وبين لهم أن الله اصطفى لهم دين التوحيد وأخذ عليهم العهد أن يثبتوا عليه حتى لا يموتوا إلا وهم مسلمون.
ثم شنع الحق تعالى على اليهود قائلا لهم : أيها اليهود لقد زعمتم أنكم تسيرون على الدين الذي مات عليه يعقوب فهل كنتم شهداء إذا حضره الموت فرأيتم ملته التي مات عليها ، ألا فلتعلموا أن يعقوب وأبناءه كانوا مسلمين موحدين ولم يكونوا يهودا مثلكم ولا نصارى ، وأن يعقوب حينما جاءه الموت جمع بنيه وقال لهم : ما تعبدون من بعدي؟ فقالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له خاضعون مذعنون للحق مؤمنون بدين الإسلام.
ولقد بين لنا جل شأنه بأنه أكمل النعمة علينا بأن خصنا بتسميتنا مسلمين في الكتب المنزلة السابقة لأننا خير أمة أخرجت للناس وأن كل الأنبياء بعثوا مبشرين بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأن دينه الإسلام الذي هو الملة الحنيفية السمحة دين أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام وجميع الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى :{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } سورة الحج ، آية : 78
أي جاهدوا لإعلاء كلمة الله سبحانه فقد اختاركم وارتضاكم لدينه وجعلكم أمة وسطا ولم يفرض عليكم فيما شرعه لكم ما فيه مشقة لا تطيقونها فالزموا هذا الدين فهو دين أبيكم إبراهيم عليه السلام لتكونوا شهداء على الأمم السابقة بما جاء في القرآن من أن الرسل قد قاموا بالتبليغ إليهم.
وقد بين سبحانه وتعالى دين إبراهيم وما كان عليه من الحق والدين القيم. قال سبحانه وتعالى: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } سورة آل عمران ، آية : 67
أي أن إبراهيم عليه السلام ما كان على دين اليهودية ولا على دين النصرانية ولكن كان على الملة الحنيفية السمحة تاركا الأديان الباطلة متجها إلى الدين الحق وهو إسلام الوجه لله تعالى.
وأشار جل جلاله إلى الصلة الوثيقة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه وبين خليله عليه السلام قال تعالى : { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } سورة آل عمران ، آية : 68
أي أن أحـق الناس بالانتساب إلى خليل الله إبراهيم عليه السلام هم الذين أجابوا دعوته واتبعوا هديه في زمنه وكذا هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن آمن معه، فإنهم أهل الدين القويم والتوحيد الخالص وهو دين خليل الله إبراهيم عليه السلام والله يحب المؤمنين ويؤيدهم بنصره لأنهم أولياؤه وأتباع دينه فيتولاهم برعايته ويمنحهم فضله العظيم .
وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يبين أنه على دين الإسلام الحنيف الذي هو دين الخليل .
قال جل شأنه : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } سورة الأنعام ، آية : 161/163
أي قل يا أيها النبي موضحا ما أنت عليه من الدين الحق:إن ربي منحني الهداية وأرشدني إلى طريق الحق ومنهج الصدق الذي بلغ نهاية الكمال في الاستقامة وكان هو الملة السمحاء والدين الذي اتبعه إبراهيم عليه السلام لم يشرك مع الله إلها آخر بل كان موحدا لله مخلصا في عبادته ولذا قال: إن صلاتي وجميع ما أتقرب به إلى الله تعالى في حال حياتي وما أموت عليه من الإيمان والطاعة كله خالص لوجه الله الذي يملك جميع الكائنات فيربيها على موائد كرمه وإحسانه ولا شريك له في الأمر والخلق والتدبير ولا في استحقاق الخضوع والتسليم، وقد أمرني ربي بذلك الإخلاص في التوحيد والعبادة ، وأنا أول من أسلم وجهه لله." اهـ
الإسلام دين الله
"لقد وضح بعد هذه الدلائل الساطعة والبراهين القاطعة من محكم كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أن الإسلام هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده .
قال الله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } سورة آل عمران ، آية 19/20
أي أن الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده هو منهج الإسلام والتوحيد والخضوع التام لأوامر الله تعالى ، ولقد اختلف اليهود والنصارى فحرفوا وبدلوا ولم يكن اختلافهم عن جهل اذ جاءهم العلم بل كان حسدا وبغيا وعنادا وان من يجحد بآيات الله فلينتظر حساب الله وعقابه وهو أسرع الحاسبين.
ثـم بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن شيمتهم المراء والجدل فقال له : فإن جادلك هؤلاء في هذا الدين بعد أن أقمت لهم الدلائل فلا تجارهم في الجدل وقل : سلمت أمري لله الذي رضي لنا الإسلام دينا ، وأخلصت عبادتي لله وحده أنا ومن اتبعني من المؤمنين ،وقل لليهود والنصارى ومشركي العرب : قد وضحت لكم الحجج وظهرت لكم الدلائل فأسلموا فإن أسلموا فقد اهتدوا إلى طريق الحق واتبعوه وإن أعرضوا فلا مسئولية عليك في إصرارهم على الباطل فليس عليك إلا أن تبلغهم رسالة الله وتدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة وتجادل الذين يقبلون ويخضعون للحق بالتي هي أحسن.
وهكذا لو تتبعنا جميع الأنبياء والمرسلين لظهر جليا أنهم بعثوا بدين الله وهو الإسلام ولكن الإنسانية في تدرجها الفكري والحضاري كانت تحتاج إلى تشريعات تناسبها وتعالج أدواءها ، فكان كل نبي يرسل بمنهج رباني يلائم فطرتها ويسمو بطبيعتها من الحضيض إلى المستوى الذي أراده الله تعالى لها وهكذا كلما تقدمت البشرية في نضجها العقلي أدركها الله تعالى بأحكام تكفل سعادتها في الدنيا والآخرة ، حتى بلغت الإنسانية رشدها وكمالها ، فأرسل الله نبيه سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأتم علينا النعمة بإكمال الدين الذي اختاره لنا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } سورة المائدة ، آية : 3. "اهـ10