عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 9  ]
قديم 29-10-2011, 05:19 AM
محمد سعدالبرعصي
ضيف شبكة عبس
الصورة الشخصية لـ محمد سعدالبرعصي
رقم العضوية : 13163
تاريخ التسجيل : 2 / 7 / 2011
عدد المشاركات : 9
قوة السمعة : 0

محمد سعدالبرعصي بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي حرب البراعصة الاشراف مع العبيدات
الرئيسية | الأخبار | المتن | كنوز التراث | مختارات | بريد المجلة | ديوان المطالعين
ويتخذ منكم شهداء
محمد علي احداش
طعنة لا تندمل (قصة)
حمادة عبد الإله حامد
مساخر.. في الجامعة !
محمد خليل الزروق
الراقصون في صخب (شعر)
عبد الإله بن منصور المالك
متى تعود الجامعة الإسلاميَّة بالبيضاء إلى الظُّهور؟
محمد أحمد الوليد
شاهد على الميدان (قصة)
حمادة عبد الإله حامد
في لندن
أكرم علي حمدان

حسين مازق (1)

إدريس فضيل

تاريخ النشر: 07/01/2011
اقرأ للكاتب
لست أزعم أن هذه السطور تعد سيرة لحسين مازق رحمه الله، ولكنها لا تعدو أن تكون مواقف ومقتطفات من سيرته، وعلى ذلك يبقى المجال مفتوحاً لمن يأنس في نفسه الكفاءة، وتتوفر تحت يده المعلومة، ويمتلك ناصية اللغة، ليسطر الصفحات المجيدة المشرقة لحياة حسين مازق الكاملة، وإنجازاته في خدمة وطنه.
نسبه ومولده :


ينحدر حسين مازق من الجذر الأصيل لقبيلة البراعصة، بيت طامية فرع حدُّوث، وكان جده الأعلى أبو بكر بو حدوث، بمثابة أمير لبرقه في زمانه مهابة وغنى، وأجداده بعده ترددت أسماء بعضهم كقادة في حركة الأدوار، ومن بينهم محمد بو مازق بو شديق، والصيفاط بو فروة، وهم رجال البيت المعروفون بكرم الضيافة، وصحة التفكير، والقدم الراسخة في دعم حركة الجهاد، والجود بالمال والتدبير، لمساندة قضية الوطن منذ العصر التركي، وكانوا قد ظفروا ببركة متوارثة، ودعوة صالحة، من الزعامات الدينية، التي هبطت الوطن في القرن التاسع عشر، فلا يزاحمهم أحد، على شرف النسب، وأصالة الرأي، وزعامة القبائل.
ولد حسين عام 1918م ونشأ بين سوسة وشحات، وتلقى تعليمه بين القريتين، وكانتا هما العامرتين بالجبل الأخضر، لم يذكر لوالده دور عمليّ في الجهاد، كبقية إخوته، سوى التدبير بالرأي النافع المفيد، ولكن هواه كان مع الحركة الوطنية على وجه اليقين، وأكبر الظّنّ أنّه اضطر للتخلي عن المساهمة القتالية في الحرب، لتقدم سنه وضعف بصره، الذي ما زال يخبو حتى كف في آخر حياته، وعرف عن يوسف بو مازق أنه كان يمد المجاهدين بالمال والسلاح، وحدث أن كان في بنغازي ليشتري سلاحاً لهذا الغرض فوشى به بعض المتعاونين مع الإيطاليين، فقبض عليه وأودع مركباً نقلته من بنغازي إلى سوسة، ثم نقل إلى شحات، حيث وضع تحت الإقامة الجبرية، وطلبت السلطات منه أن يبعث ليحضرزوجته وابنه، وكانوا بجوار عمر المختار في ميدان الجهاد، ثم طلبوا منه أن يبعث إلى إخوته في (الأدوار) ليضعوا السلاح ويعودوا إلى ديارهم، تحت حكم الطليان، فما كان من الشيخ يوسف إلا أن رفض هذا الطلب، بحجة أنه لا يملك سلطة على إخوته يلزمهم بها، ثم كيف يطلب منهم إلقاء السلاح ومغادرة الميدان والرضوخ للغاصبين؟ أما بالنسبة لأسرته وهي زوجته وطفله الرضيع، فهؤلاء لا دور لهم في الجهاد، فلا ضير في عودتهم إلى شحات، وذلك هو سبب إقامته هناك.
ويروَى أن حسين كان وحيد والديه، وكان باراً بأبيه، وهو ما يزال طفلاً، وذكر بعض الرواة، أنه رآه في قرية القيقب يقود أباه، ويلبي طلباته، وما أكثر طلبات العميان، فيدعو له الوالد الأعمى قائلاً :
نجّك ليّه يا عكّازي * يا اللّي عايش بك فنطازي * إنشا الله تحكم في بنغازي
ويبدوأن أبواب السماء كانت مفتوحة تلك الساعة، فتحققت دعوة الوالد الضرير لولده المطيع.
ثقافته وتدرجه الوظيفي:


تلقى حسين مازق قدراً طيباً من التعليم، حيث أتم المرحلة الابتدائية في المدرسة الإيطالية ونال الشهادة بتفوق، وواصل دراسته الإعدادية حتى وصل إلى الشهادة وأشرف على الامتحان فيها، وحدث أن زار المدرسة مفتش التعليم ببرقة حين ذاك، وناقش الطلبة، فبهت لنجابة الطالب حسين مازق وتمكنه من اللغة الإيطاليّة، التي كان يتحدث بها، فمدحه وأشاد بقدراته العلمية، مما أدخل السرور على قلب معلمته التي كانت تفخر دائماً به، وتتنبّأ له بمستقبل مشرق باهر، وإلى هنا بدا الأمر ساراً، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ لم تمض سوى أيّام عشرة على الزيارة، حتى فوجئ مدير المدرسة بخطاب من المفتش، يأمره فيه بفصل الطالب حسين مازق من المدرسة، وضرورة مبارحته لها حالاً، وكانت هذه نقطة تحول في مسيرته إلى الحياة العامة. وتعد تلك المرحلة التعليمية التي بلغها، مرحلة متقدمة، بالقياس إلى القدر الذي تسمح به النظم الاستعمارية حينذاك.
انصرف حسين مازق وهو ما يزال في مقتبل الشباب، إلى الحياة العامة، وإلى كثرة الاطلاع لتثقيف نفسه، وربما أعانه على النجاح في هذه الرغبة، إلمامه الجيّد باللغتين العربية والإيطالية، فكان يديم المطالعة باللغتين، ويلتهم كل ما يقع تحت يده من أدبهما، وما كتب فيهما من النظم السياسية والقوانين الحكومية.
عمل حسين في البداية، في وظيفة كاتب إبّان العهد الإيطالي، حيث تدرب على أعمال السكرتارية، وقوانين العمل وأنظمة الدولة، ثم عيّن مديراً للآثار بشحات وسوسة، وتحول لاحقاً مديراً لعدة مناطق منها: سوسة وشحات وتوكرة والمرج، ثم متصرفاً في جهات أخرى، وهكذا تدرج صاعداً على السلم الوظيفي درجة درجة، فلم يبلغ قمة الهرم -وهي مرتبة الوزارة والولاية -إلا وقد مارس كلّ ألوان الوظائف، وتمرس باستخدام النظم واللوائح، يسانده في رحلته ضمير حيّ، وعقل نافذ، ووطنية راسخة، وولاءٌ يفوق الوصف، وحبّ وراثيّ غير محدود لأقطاب الدعوة الدينية الإصلاحية في الوطن، ويبدو أثر ثقافته العلمية والقانونية، في خطبه التي كان يلقيها، وبياناته التي يدلي بها، أثناء عمله بالدولة، والياً لبرقة 54 -1962م، ووزيراً للخارجية 1964م، ثم رئيساً للوزارة 65- 1967م .
أول مرة أسمع فيها عن حسين مازق وأنا صبيّ، كانت في أوائل الخمسينيات عندما حضر إلى البيضاء حوالي عام 1954م، فرأيته وسمعت اسمه، كان طويل القامة، منير الطلعة، وسيم الملامح، يملأ العين روعة وجلالاً، وهو يختال في بذلته الرمادية المقدودة، وطربوشه (العزيزي) الرائع، وكان قد قدم القرية، لينقل رفات والده من مقبرة بني زرقاء -الواقعة حين ذاك في الطرف الشرقي للقرية -إلى ضريح الأنصاري في غربها، وكان ذلك النقل قد تقرر، بعد مضي تسع عشرة سنة على دفن والده، وبناء على رؤيا رأتها زوجة الراحل الكريم، وهي السيدة والدة حسين، فقد رأت في منامها أن زوجها يعتب على ولده البار حسين، أن أقر دفنه في مكان بعيد عن الأنصاري، حيث إن بعده من الضريح، يحرمه من مجاورته والانتفاع ببركته.
فلما قصت رؤياها على ولدها، قرر أن يلبي رغبة والده في مماته، كما كان مطيعاً له باراً به في حياته، وهكذا فتحوا القبر، وجمعوا العظام، ونقلوها إلى ضريح آخر مهيب، أعدوه أقرب ما يكون إلى جوار الأنصاري، حتى إذا فرغوا من تلك المهمة، جلست هناك في مدخل قبة الشيخ، مجموعة من الفقهاء والأقارب والأعيان، يقرأون الفاتحة ويدعون بالرحمة. وفي هذه الأثناء جاء كاتب المقال، ضمن مجموعة من الصبيان، وأخذنا نتطلع من بعيد، لنرقب ما يجري، فرأينا بين الجالسين رجلاً غريباً عن القرية، متميزاً في هيئته وهندامه، فلما استفسرنا عنه علمنا أنه حسين مازق والي برقة .
أخلاقه الشخصية وحكمته السياسية :


قدم علينا بالمعهد الديني طالب متقدم في السنّ كفيف، عام 1955 م يدعى عبد الله البرعصي، وقد اكتسب لقبه هذا من غربته عن قبيلته إلى بنغازي، فالتحق بالدراسة في البيضاء، موفداً من إدارة التعليم في بنغازي، وكان كثيراً ما يحدثنا عن الصفات الإنسانية المتميزة، التي يتصف بها والي برقة، ومنها أنه يحرص على التواصل مع الناس، عن طريق حضور المناسبات الاجتماعية، فيشعرهم أنه واحد منهم، يشاركهم في مشاعرهم، ومن أهم صفاته أيضاَ، أنه يسوي بين أفراد كل القبائل في برقة في المعاملة، ويقضي لكل منهم حاجته حين يقصده، بغضّ النظر عن القبيلة التي ينتمي إليها، فهو لم يكن يتعامل بالأساليب العنصرية الضيقة، التي يتعامل بها كثير من الناس اليوم، وذكر أنه كان كثيراً ما يزور نزلاء الملجأ، من العجزة والأيتام والفقراء هناك، ويتفقد أحوالهم، حتى نشأت بين الطرفين علاقة، تجاوزت حدود العلاقة العادية، بين المسئول وفرع صغير من فروع إدارته، ونشير هنا إلى أن هذه الأخلاق التي رويت من هذا الوجه، استفاضت روايتها من طرق أخرى عديدة، بحيث لم يعد للشك في صحتها من سبيل.
ومتابعة لتلك العلاقة، وحرصاً على استمرارها، كان الطالب عبد الله البرعصي يكلفني بكتابة تهان، إلى حسين مازق في كل مناسبة تستحق التهنئة، كالأعياد والزيارات التي يؤديها، ومواسم الحج التي يخرج إليها . وكنا نتلقى من مكتبه الردود الرقيقة بتبادل التهاني، والشكر على تلك المكاتبات فنتعجب، ثم نشعر بالفخر والاعتزاز، ولعل أول ما يدل عليه هذا الاهتمام، من جانب الوالي المسؤول الكبير، نحو طلاب صغار، هو ما يتحلّى به الرجل من الذوق الرفيع، والأدب الجم، والمشاعر الإنسانية العالية .
وكنا نحرص على أن نرى صوره، ونتابع نشاطاته في شؤون الولاية، التي تمثل عندنا كل الحكومة، إذ تقوم حكومة الولاية بكل ما يهم المواطن ويعالج مشكلاته، بينما تتفرغ الحكومة الاتحادية للشؤون العامة، ومعالجة القضايا السياسية، ولم نكن نشعر بأي نقص أو خلل.
وكان حسين مازق في فترة من فترات تفرغه من وظائف الدولة، بعد استقالته من الولاية، يقيم في شحات، وخاصة في فصل الصيف، وكان يحرص على صلاة الجمعة، في مسجدها الوحيد القديم المطل على الآثار، وكان يصاحبه عادة ابن عمه مفتاح بو نصيرة، ضابط مركز البيضاء، فكانا يحضران خطبة الجمعة التي كنت ألقيها هناك، وكنت حينها شديد الخجل، ضعيف الصوت، رديء الإلقاء، ولكن التعلم والتدريب كان ضرورياً، فكان المصلون يجاملونني، ويظهرون الاستحسان تشجيعاً لي، ويحتملون مساوئ خطبتي، وعيوب إمامتي، ومنهم حسين مازق، وبو نصيرة والأستاذ عبد السلام سالم الطيف، وغيرهم.
مازق والوزارة :


وتدرج مازق على السلم الوظيفي - كما أشرنا- ويذكر بن حليم أن مازق كلف بوزارة الخارجية، (وأنه بينما كان في القاهرة لحضور اجتماع للجامعة العربية، استدعاه الرئيس عبد الناصر، وحمله رسالة تحية لحكومة ليبيا، ولها صلة بالقواعد، ومضمونها يتفق مع اتجاهات الحكومة الليبية، فقوبلت تلك الرسالة باستحسان)* وهذا يدل على سمعة مازق الطيبة، والثقة التي حازها عند الرئيس المصري، وليس ذلك بالأمر الهيّن.
وروى مازق أنه بينما كان في القاهرة طلب مقابلة الرئيس المصري ليتحدث إليه بخصوص أملاك الليبيين في مصر، التي كان الرئيس قد أممها أسوة بأملاك المصريين، وقال إنه طالب الرئيس بالعفو عنها، فوعده خيراً. وفي المرة الثانية كان في مصر للإعداد لمؤتمر القمة، فطلب موعداً مع عبد الناصر، لتأكيد موضوع إعادة أملاك الليبيين تنفيذاً للوعد السابق، وفي تلك الفترة كانت مفاوضات الجلاء على أشدها بين الحكومة الليبية والدولتين بريطانيا وأمريكا، ولم تكن هناك مشكلة مع الوفد الإنجليزي، فقد خرجت جميع القوات من المناطق التي تتواجد فيها ولم يبق سوى قاعدة العدم، حيث طلبوا مهلة لخروجهم حتى تنتهي مشكلة قواتهم في اليمن. وهكذا بدا الطريق مع الإنجليز معبداً لا عوج فيه .
لكن المشكلة كانت مع الوفد الأمريكي، الذي كان يترأسه في البداية سفير أمريكا في ليبيا، ثم طلب من حكومته رفع مستوى الوفد الأمريكي المفاوض، إذ وجد نفسه أمام سياسي بارع، ومفاوض صلب عنيد، وعند ما احتدم الخلاف بين رئيس الوفد الأمريكي ومازق هدّد الأول بأن يتصل بعبد الناصر، ليستعين به على الليبيين، فقال له مازق: لا أتصور أن الرئيس عبد الناصر سيطلب من الشعب الليبي أن يبقوا القواعد على أرض بلادهم، ما داموا غير راغبين في بقائها، فقال الأمريكي: عبد الناصر ليس كما تتصوّرون، نحن عندنا عليه أفضال كثيرة .
قال مازق: حُدد موعد لقائي مع الرئيس وركزت فيه على موضوع أملاك الليبيين، استكمالاً لما سبق بحثه، ثم ودّعت الرئيس وهممت بالخروج، وهنا قال لي، بصورة مفاجئة: اسمع يا حسين بيه الأمريكان اشتكوا لي منّك، يا ابني ما دام قبلوا مبدأ الجلاء، الوقت مش مهم، إيروحوا دي الوقت، وإلاّ بعد عشر سنين، شوف الإنجليز دول عملوا فيّ أيه؟
قال مازق: فالتفت إلى السيد محمود الخوجة، سفير ليبيا في مصر آنذاك وكان حاضراً، وقلت له: من يصدّق أن أمين القوميّة العربيّة، يطلب من وزير خارجيّة ليبيا أن يبقي القواعد الأجنبية في بلاده!
قال مازق: هذا المشهد موثق تماماً في محاضر الادعاء بمحكمة الشعب، وقد حاولت أن أعلنه في قاعة المحكمة، كما ينبغي ويقتضي الحق والعدل، ولكن بذل القاضي والمدّعي المستحيل لكي يمنعاني من التصريح به، وهكذا كان .
قال: ولقد حدّثني صالح بويصير قبل وفاته بأسبوعين، فقال: سألت بشير هوادي لماذا لم تمنح حسين مازق فرصة في الجلسة ليتحدث عن مفاوضات الجلاء، ويكشف عمّا دار بينه وبين عبد الناصر حول الموضوع؟ فقال هوادي: كانت عندي تعليمات أن أحول بينه وبين الإفصاح عما في نفسه حول هذا الموضوع، ولو بلغ الأمر أن أرفع الجلسة، أو أقطع التيّار الكهربائي .
وعلى ذلك فليس من المستبعد أن يكون ساسة مصر قد أصدروا تعليمات خاصّة للمحكمة، مفادها أن ما قاله الرئيس المصري لحسين مازق، هو سياسة سرّية بين الرئيس والأمريكان، لا يصح البوح بها على الملأ مهما تكن الظروف، ولو أدّى الأمر إلى تكذيب الساسة الليبيين.
ثم بعد الخارجية كلف مازق برئاسة الوزارة، ويقول بن حليم: (وكان اختياره لرئاسة الحكومة في تلك الفترة، اختياراً موفقاً من جميع الوجوه، فقد كان أهم أعضاء الحكومة السابقة، وأكثرهم نشاطاً وكفاءة، في تعاطيه مع سياسة البلاد الخارجية، وهو كذلك سليل عائلة عريقة ذات صلة متينة بالحركة السنوسية، نزيهاً حصيفاً، وعلى قدر كبير من الاطلاع، وقد قوبل تعيينه باستحسان شعبي عام، ويضيف: إن اختيار مازق كان موفقاً ومنتظراً، قوبل باستحسان عام وترحيب من صفوة الليبيين، فقد كان سياسياً نزيهاً يتمتع بسمعة جيدة بين مواطنيه وخبرة طويلة في الشئون الداخلية، ثم توسع أفقه واكتسب خبرة وديناميكية في الشئون الخارجية، ومهارة في التفاوض مع الدول الغربية، ومازق في إدارته لشئون الدولة يميل إلى اللين دون ضعف والإقناع دون عنف، وقد بدأ بإذاعة بيانات أكد فيها تمسك حكومته باتباع سياسة عربية قومية مع الحفاظ على مصالح ليبيا الوطنية، فلا فائدة لليبيا من أيّ تعاون عربي، ما لم تكن قوية مستقرة، لذلك قوبل اختياره لرئاسة الحكومة، في الأوساط السياسية العربية -خصوصاً القاهرة- بترحيب واستحسان).
غير أن وزارة مازق جاءت في ظروف صعبة، هي واحدة من أحرج الفترات، في تاريخ الشرق العربي في العصر الحديث، وقد ازدحمت بالقلاقل، والتحريض على الانقلابات، وإثارة الفتن والمشكلات، ويكفي أنها كانت عام هزيمة العرب أمام إسرائيل، ومع ذلك ففي عهد وزارته -على قصر مدتها- استطاع مازق ببصيرته وحكمته، وحسن معالجته للأمور، أن يحتفظ لبلاده بموقعها المناسب بين أخواتها العربيات، حيث كانت تؤدي تجاه أمّتها العربية ما عليها من التزامات، وتقف إلى جانبها، فيما يطرأ على الساحة من قضايا تهم أمة العرب، فى حين تسلك مع الغرب سياسة صداقة متوازنة، قوامها المودة والاحترام.
ذلك على صعيد السياسة الخارجية، وفي الميدان الداخلي، انتهجت الحكومة سياسات ضمنت لشعبها الرضا والاستقرار، وأول خطوة في هذا السبيل، أن مازق أشرف مع وزير داخليته على الإعداد لانتخابات نزيهة، تمخضت عن مجس نيابي متوازن، حاز الرضا والقبول.
وعلى مدى عمر وزارة مازق، كان يتعامل هو والوزراء مع مجلس النواب تعاملاً ممتازاً، معارضين وموالين، وأظهر مازق براعة قيادية، وكياسة برلمانية وتعاوناً مع نواب الشعب، فأبدى كثير من النواب ـمعارضين وموالين- تفهمهم لحاجة الحكومة للوقت والمؤازرة، في معالجتها أهم مشكلة تواجهها في حينها، وهي موضوع القواعد، كما ظهرت شفافية وحرية صحافية، تنامت في السنوات الأخيرة، وكلها أكسبت حكومة مازق تفهماً وثقة شعبية، مكنته من الحصول على موافقة البرلمان على الموازنة العامة. ومن هنا نشطت حكومته في تنفيذ مشروعات الإعمار والإسكان، فأعلنت الدولة عن نيتها لإقامة مشروع إسكاني ضخم، من مائة ألف وحدة سكنية هو (مشروع إدريس للإسكان)، الذي كان مأمولاً منه أن يغطّى معظم قرى ليبيا فضلاً عن مدنها، ويساهم في حل مشكلة الإسكان، بطريقة لم تر ليبيا لها مثيلاً في تاريخها كله، ومن المؤسف أنه لم ينفذ من المشروع سوى عشرة آلاف وحدة سكنية نفذت قبل الثورة، بينما عطلت بقية المشروع حتى هذه اللحظة، مع أن إجمالي تكاليفه لم تكن تزيد على أربعمائة مليون جنيه، وهو مبلغ زهيد في حينه . ثم اتجهت الحكومة إلى توسيع واستكمال الطريق السريع الذي يربط ليبيا من الشرق إلى الغرب، ولم تنس أن توسع الجامعة الليبية وتنقلها إلى قاريونس، وتزودها بخيرة الأساتذة في كافة التخصصات، واكتشفت حكومة مازق مخزوناً هائلاً من المياه الجوفية في منطقة الكفرة فأقامت عليه سلسلة من المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية.


وحمله رسالة تحية لحكومة ليبيا، ... ولها صلة بالقواعد
يبدو أن هنا سقطاً . تنبيه9-1-2011
أجدت يا دكتور وأفدت ، وأنصفت هذا الرجل المنسي ، ولكنه مذكور عند الله تعالى ، ثم عند المخلصين من أمثالكم .
وشكراً ألف شكر . طالب9-1-2011
ليت الدكتور الفاضل يضيف صورا للأعلام المترجم لهم ؛ لإتمام الفائدة . المهدي الأعيرج12-1-2011
الاسم ارسال التعليق