السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشر خبر في المنتديات بشكل كبير على أنه حديث قدسي وهو (يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك) ، فإليكم نصه ثم التعليق عليه بحول الله وقوته :
أولاً : (نـص الخبـر) :
(يقول الله : يا ابن ادم ما أنصفتني، خلقتك ولم تك شيئاً، وجعلتك بشراًسوياً، وخلقتك من سلالة من طين، ثم جعلتك نطفة في قرار مكين، ثم خلقت النطفة علقة،فخلقت العلقة مضغة، فخلقت المضغة عظاما، فكسوت العظام لحماً، ثم أنشأناك خلقاًآخر.
يا ابن ادم هل يقدر على ذلك غيري؟ ثم خففت ثقلك على أمك حتى لاتتمرض بك ، ولا تتأذى، ثم أوحيت إلى الأمعاء أن اتسعي، وإلى الجوارح أن تفرق فاتسعتالأمعاء من بعد ضيقها، وتفرقت الجوارح من بعد تشبيكها، ثم أوحيت إلى الملك الموكلبالأرحام أن يخرجك من بطن أمك فاستخلصتك على ريشة من جناحه، فاطلعت عليك فإذا أنتخلق ضعيف، ليس لك سن يقطع ولا ضرس يطحن، فاستخلصت لك في صدر أمك عرقاً يدر لك لبناًبارداً في الصيف، حاراً في الشتاء، واستخلصته لك من بين جلد ولحم ودم وعروق، ثمقذفت لك في قلب والدتك الرحمة، وفي قلب أبيك التحنن، فهما يكدان ويجهدان ويربيانكويغذيانك ولا ينامان حتى ينوماك.
ابن ادم أنا فعلت ذلك بك لا لشيءاستاهلته به مني او لحاجة استعنت على قضائها.
ابن ادم فلما قطع سنك ووطحنضرسك أطعمتك فاكهة الصيف في أوانها وفاكهة الشتاء في أوانها، فلما أن عرفت أني ربكعصيتني، فالآن إذا عصيتني فادعني فإني قريب مجيب وادعني فإني غفوررحيم)
هذا هو لفظ الخبر ، وهو مشهور في الشبكة العنكبوتية باللفظ التالي :
(تتجلى عظمة الخالق ... في الحديث القدسي الشريف
قال سبحانه وتعالى :
((يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك .. و غشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام .. و جعلت لك متكأ عن يمينك و متكأعن شمالك .. فأما الذي عن يمينك فالكبد .. و أما الذي عن شمالك فالطحال ..و علمتكالقيام و القعود في بطن أمك .. فهل يقدر على ذلك غيري ؟؟فلما أن تمّت مدتك .. وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك .. فأخرجك على ريشة من جناحه .. لا لك سن تقطع .. و لا يد تبطش .. و لا قدم تسعى ..فأنبعث لك عرقين رقيقين في صدر أمك يجريان لبناخالصا .. حار في الشتاء و باردا في الصيف .. و ألقيت محبتك في قلب أبويك .. فلايشبعان حتى تشبع .. و لا يرقدان حتى ترقد .. فلما قوي ظهرك و أشتد أزرك .. بارزتنيبالمعاصي في خلواتك ..و لم تستحي مني ..و مع هذا إن دعوتني أجبتك .. و إن سألتنيأعطيتك .. و إن تبت إليّ قبلتك ))
ثانياً: (حال الخبر وكلام أهل العلم حوله) :
ليس هذا الخبر بحديث قدسي ، إنما رواه الإمام أبو نعيم في كتابه الحلية (15914) في ترجمة العباس بن إسماعيل الطامدي فقال :
(حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن خلة الصفار قال حدثنا محمد بن يوسف الصوفي قال حدثناالعباس بن إسماعيل الطامدي قال حدثنا مكي بن إبراهيم بن موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي قال :
"قرأت في التوراة أو قال في صحف إبراهيم الخليل ،فوجدت فيها : يقول الله يا بن آدم ما أنصفتني خلقتك ..")ا.هـ
كما ذكره الحافظ السيوطي بلا إسناد في كتابه "الدر المنثور في التأويل بالمأثور" (6/520) عندتفسير قول الله تعالى (ثم السبيل يسره) من سورة عبس ، وفي كتابه "الحبائك في أخبارالملائك" (ص 37) فيما جاء في ملك الأرحام عليه السلام فقال :
(وأخرج أبونعيم في الحلية عن محمد بن كعب القرظي قال: قرأت في التوراة - أو قال في صحفإبراهيم عليه السلام - فوجدت فيها: يقول الله: يا بن آدم ماأنصفتني..)ا.هـ
محمد بن كعب القرظي تابعي عالم ثقة كثير الحديث .
فهذا الخبر من قبيل أخبار أهل الكتاب التي تسمى بـ (الإسرائيليات) ، وأهلالعلم يقسمون ما ورد إلينا من أخبارهم إلى ثلاثة أقسام:-
الأول : ما جاءموافقاً لما في شرعنا ، فهذا نصدقّه ويجوز لنا روايته .
الثاني : ما جاءمخالفاً لما في شرعنا ، فهذا نكذّبه ويُحرم علينا روايته إلا لبيان بطلانه .
الثالث : ما سكت عنه شرعنا ، فهذا نتوقف فيه ، فلا نحكم عليه بصدق ولابكذب، ويجوز لنا روايته على جهة الاستئناس به ، لأن غالب ما يُروى في ذلك راجع إلى القصص والأخبار لا إلى العقائد والأحكام ، وروايته ليست إلا مجرد حكاية له لما هوفي كتبهم أو كما يحدثون به بصرف النظر عن كونه حقاً أو غير حق .
ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وآله سلم :
( بلّغوا عني ولو آية وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي معتمداً فليتبوأ مقعده من النار)
[أخرجهالإمام البخاري في صحيحه (3461)]
قال الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمهالله تعالى وهو يتحدث عن القسم الثالث في مقدمة تفسيره (1/8) :
(وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني)ا.هـ
والخبر الإسرائيلي المذكور منالقسم الثالث لأنه مسكوت عنه في شرعنا الحنيف .
***
وإليكم بعض فتاوى أهل العلم حول هذا الخبر :
[1] قال الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله تعالى :
(هذا الحديث مما تلوح عليه علامات الوضع والكذب ، ولا يجوز نشره ولا تجوزنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم)ا.هـ
[2] قال الشيخ حامد العلي حفظه الله تعالى :
(هذا الحديث لا يصحّ ، لا يُعرف لهأصل ، ولا إسناد أصلاً)ا.هـ
[3] قال مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية بإشراف
د. عبد الله الفقيه :
(فهذاالحديث لا نعرفه في شيء من دواوين السنة التي وقفنا عليها، وفضل الله عز وجل علىالإنسان فوق ما ذكر، ولكن لا تصح نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذاروي لنا بإسناد من شأنه أن يقبل ، والله أعلم)ا.هـ
والخلاصةأن هذا الخبر ليس من الأحاديث القدسية الثابتة التي يرويها النبي صلى الله عليهوآله وسلم عن الله تعالى ، إنما هو من الأخبار الإسرائيلية التي لا نصدقها ولانكذبها ، وليس فيه فائدة دينية كبيرة .
والله أعلم .
وصلى الله علىنبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً