" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة
الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان
الله بما تعملون بصيرا * إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم " الآية .
فإنها نزلت في قصة الاحزاب من قريش ، والعرب الذين تحزبوا على رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، قال : وذلك أن قريشا قد تجمعت في سنة خمس من الهجرة ، و ساروا في العرب وجلبوا
واستنفروهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة ، وكان رسول
الله صلى
الله عليه وآله حين أجلا بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة ، وكان رئيسهم حيي بن أخطب ، وهم يهود من بني هارون عليه السلام ، فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر وخرج حيي بن أخطب إلى قريش بمكة وقال لهم : إن محمدا قد وتركم ووترنا وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا ، وأجلا بني عمنا بني قينقاع ، فسيروا في الارض ، وأجمعوا حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل وهم بنو قريظة ، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق ، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد ، ويكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق ، وهم من أسفل ، وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين ، وهو الموضع الذي يسمى ببئر بني المطلب ، فلم يزل يسير معهم حيي بن أخطب في
قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والاقرع بن حابس في قومه وعباس بن مرداس في بني سليم ، فبلغ ذلك رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، واستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل فقال سلمان : يا رسول
الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة ، قال : فما نصنع ؟ قال : نحفر خندقا يكون بيننا و بينهم حجابا ، فيمكنك منعهم في المطاولة ، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه ، فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة ، فنزل جبرئيل على رسول
الله صلى
الله عليه وآله فقال : أشار بصواب ، فأمر رسول
الله صلى
الله عليه وآله بمسحه من ناحية أحد إلى راتج ، وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والانصار يحفرونه فأمر فحملت المساحي والمعاول ، وبدأ رسول
الله صلى
الله عليه وآله وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه ، وأميرالمؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة ، حتى عرق رسول
الله صلى
الله عليه وآله وعي وقال : " لا عيش إلا عيش الآخرة ،
اللهم اغفر للانصار والمهاجرين " فلما نظر الناس إلى رسول
الله صلى
الله عليه وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب ، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر .
وقعد رسول
الله صلى
الله عليه وآله في مسجد الفتح ، فبينا المهاجرون والانصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه ، فبعثوا جابر بن عبد
الله الانصاري إلى رسول
الله صلى
الله عليه وآله يعلمه ذلك ، قال جابر : فجئت إلى المسجد ورسول
الله صلى
الله عليه وآله مستلقى على فقاه ، ورداؤه تحت رأسه ، وقد شد على بطنه حجرا ، فقلت : يا رسول
الله إنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه ، فقام مسرعا حتى جاؤه ، ثم دعا بمآء في إناء وغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ، ثم شرب و مج ذلك الماء في فيه ثم صبه على ذلك الحجر ، ثم أخذ معولا فضرب ضربة ، فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام ، ثم ضرب أخرى فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور المدائن ، ثم ضرب أخرى قبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور اليمن ، فقال رسول
الله صلى
الله عليه وآله : أما إنه سيفتح
الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق ، ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل .
فقال جابر : فعلمت أن رسول
الله صلى
الله عليه وآله مقوى أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر ، فقلت : يا رسول
الله هل لك في الغداء ؟ قال : ما عندك يا جابر ؟ فقلت : عناق وصاع من شعير ، فقال : تقدم وأصلح ما عندك ، قال جابر : فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها ، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول
الله صلى
الله عليه وآله فقلت بأبي وأمي أنت يا رسول
الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت ، فقام صلى
الله عليه وآله إلى شفير الخندق ثم قال : يا معشر المهاجرين والانصار اجيبوا جابرا ، وكان في الخندق سبعمائة رجل ، فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والانصار إلا قال : اجيبوا جابرا ،
قال جابر : فتقدمت وقلت لاهلي : قد و
الله أتاك رسول
الله صلى
الله عليه وآله بما لا قبل لك به ، فقالت : أعلمته أنت ما عندنا ؟ قال : نعم .
قالت : هو أعلم بما أتى ، قال جابر : فدخل رسول
الله صلى
الله عليه وآله فنظر في القدر ثم قال : اغرفي وأبقي ، ثم نظر في التنور ، ثم قال : أخرجي وأبقي ، ثم دعا بصحفة فثرد فيها وغرف ، فقال : يا جابر أدخل علي عشرة ، فأدخلت عشرة ، فأكلوا حتى نهلوا ، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذارع ، فأتيته بالذراع فأكلوه ، ثم قال : أدخل علي عشرة فدخلوا فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذراع فأتيته فأكلوا وخرجوا ، ثم قال : أدخل علي عشرة ، فأدخلهم فأكلوا حتى نهلوا وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ، ثم قال : يا جابر علي بالذراع فأتيته بالذراع ، فقلت : يا رسول
الله كم للشاة من ذراع ؟ قال : ذراعان ، فقلت : والذى بعثك بالحق نبيا لقد أتيتك بثلاثة ، فقال : أما لو سكت يا جابر لاكلوا كلهم من الذراع ، قال جابر : فأقبلت أدخل عشرة عشرة ، فيأكلون حتى أكلوا كلهم : وبقي و
الله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياما .
قال : وحفر رسول
الله صلى
الله عليه وآله الخندق وجعل له ثمانية أبواب ، وجعل على كل باب رجلا من المهاجرين ورجلا من الانصار مع جماعة يحفظونه ،
وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة ، ففرغ رسول
الله صلى
الله عليه وآله من حفر
الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام ، وأقبلت قريش ومعهم حيي بن أخطب ، فلما نزلوا العقيق جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة في جوف الليل وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، فدق باب الحصن ، فسمع كعب بن أسيد قرع الباب ، فقال لاهله : هذا أخوك قد شأم قومه ، وجاء الآن يشأمنا ويهلكنا ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين محمد وقد وفى لنا محمد وأحسن جوارنا ، فنزل إليه من غرفته فقال له : من أنت ؟ قال : حيي بن أخطب قد جئتك بعز الدهر ، فقال كعب : بل جئتني بذل الدهر ، فقال : يا كعب هذه قريش قي قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة ، وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة ،
وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان ، ولا يفلت محمد وأصحابه من هذا الجمع أبدا ، فافتح الباب وانقض العهد بينك وبين محمد ، فقال كعب : لست بفاتح لك الباب ، ارجع من حيث جئت ، فقال حيي : ما يمنعك من فتح الباب إلا جشيشتك التي في التنور تخاف أن أشركك فيها ، فافتح فإنك آمن من ذلك ، فقال له كعب : لعنك
الله لقد دخلت على من باب دقيق ، ثم قال : افتحوا له الباب ففتحوا له ، فقال : ويلك يا كعب انقض العهد بينك و بين محمد ، ولا ترد رأيي فإن محمدا لا يفلت من هذا الجمع أبدا ، فإن فاتك هذاالوقت لا تدرك مثله أبدا ، قال : واجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول ، وياسر بن قيس ، ورفاعة بن زيد والزبير بن باطا، فقال لهم كعب : ما ترون ؟ قالوا : أنت سيدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا وعقدنا ، فإن نقضت نقضنا معك ، وإن أقمت أقمنا معك ، وإن خرجت خرجنا معك ، قال الزبير بن باطا ، وكان شيخا كبيرا مجربا قد ذهب بصره : قد قرأت التوراة التي أنزلها
الله في سفرنا بأنه " يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة ، ومهاجره في هذه البحيرة ، يركب الحمار العري ، ويلبس الشملة ، ويجتزئ بالكسيرات والتميرات ، وهو الضحوك القتال ، في عينيه الحمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر " فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم ، ولو ناوى على هذه الجبال الرواسي لغلبها ، فقال حيي : ليس هذا ذاك .
ذلك النبي من بني إسرائيل ، وهذا من العرب من ولد إسماعيل ، ولا يكونوا بني إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا ، لان
الله قد فضلهم على الناس جميعا ، وجعل منهم النبوة والملك ، وقد عهد إلينا موسى أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، وليس مع محمد آية ، وإنما جمعهم جمعا وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتى أجابوه ، فقال لهم : أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد فأخرجوه ، فأخذه حيي بن أخطب ومزقه ، وقال : قد وقع الامر فتجهزوا و تهيأوا للقتال ، وبلغ رسول
الله صلى
الله عليه وآله ذلك فغمه غما شديدا ، وفزع أصحابه ، فقال رسول
الله صلى
الله عليه وآله لسعد بن معاذ وأسيد بن حصينوكانا من الاوس ، وكانت بنو قريظة حلفاء الاوس : ائتيا بني قريظة فانظروا ما صنعوا ، فإن كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلي وقولا : عضل والقارة ، فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم سعدا وشتم رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، فقال له سعد : إنما أنت ثلعب في حجر ، لتولين قريش وليحاصرنك رسول
الله صلى
الله عليه وآله : ولينزلنك على الصغر والقمأ ، وليضربن عنقك ، ثم رجعاإلى رسول
الله صلى
الله عليه وآله فقالا له : عضل والقارة ، فقال رسول
الله صلى
الله عليه وآله : " لعنا ، نحن أمرناهم بذلك " وذلك أنه كان على عهد رسول
الله صلى
الله عليه وآله عيون لقريش يتجسسون خبره ،
وكانت عضل والقارة قبيلتان من العرب دخلا في الاسلام ثم غدرا ، وكان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل ، فيقال : عضل والقارة .
ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، ففرحت قريش بذلك ، فلما كان في جوف الليل جاء
نعيم بن مسعود الاشجعي إلى رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش ، بثلاثة أيام ، فقال : يا رسول
الله قد آمنت ب
الله وصدقتك وكتمت إيماني عن الكفرة ، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت ، وإن أمرت أن أخذل بين اليهود وبين قريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم ، فقال رسول
الله صلى
الله عليه وآله : خذل بين اليهود وبين قريش ، فأنه أوقع عندي ، قال : فتأذن لي أن أقول فيك : ما أريد ؟ قال : قل ما بدالك ، فجاء إلى أبي سفيان فقال له : تعرف مودتي لكم ونصحي ومحبتي ان ينصركم
الله على عدوكم ، وقد بلغني أن محمدا قد وافق اليهود أن يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ، ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي قطعه بني النضير وقينقاع ، فلا أرى أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا بهم إلى مكة ، فتأمنوا مكرهم و غدرهم ، فقال له أبوسفيان : وفقك
الله وأحسن جزاءك ، مثلك أهدى النصائح ، ولم يعلم أبوسفيان بإسلام نعيم ولا أحد من اليهود ، ثم جاء من فوره ذلك إلى بني قريظة فقال له : يا كعب تعلم مودتي لكم ، وقد بلغني أن أبا سفيان قال : نخرج هؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد ، فإن ظفروا كان الذكر لنا ، وإن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب ، فلا أرى لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم ، إنهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمد وبينكم ، لانه إن ولت قريش ولم يظفروا بمحمد غزاكم محمد فيقتلكم ، فقالوا : أحسنت وأبلغت في النصيحة ، لا نخرج من حصننا حتى نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا .
وأقبلت قريش فلما نظرواإلى الخندق قالوا : هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك ، فقيل لهم : هذا من تدبير الفارسي الذي معه ، فوافى عمرو بن عبد ود وهبيرة بن وهب وضرار بن الخطاب إلى الخندق ، وكان رسول
الله صلى
الله عليه وآله قد صف أصحابه بين يديه ، فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول
الله صلى
الله عليه وآله فصاروا أصحاب رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلم كلهم خلف رسول
الله صلى
الله عليه وآله ، وقدموا رسول
الله صلى
الله عليه وآله بين أيديهم ، وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من أخوانه : أما ترى هذا الشيطان عمرو ؟ ألا و
الله ما يفلت من يديه أحد ، فهلموا ندفع إليه محمدا ليقتله ، ونلحق نحن بقومنا ، فأنزل
الله على نبيه في ذلك الوقت : " قد يعلم
الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا " إلى قوله : " أشحه على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط
الله أعمالهم وكان ذلك على
الله يسيرا " وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الارض وأقبل يجول جولة ويرتجز ويقول :
ولقد بححت من النداء * بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع * مواقف القرن المناجز
إني كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز
إن الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز
فقال رسول
الله صلى
الله عليه وآله : من لهذا الكلب ؟ فلم يجبه أحد ، فوثب إليه أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : أنا له يا رسول
الله ، فقال : يا علي هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل ، قال : أنا علي بن أبي طالب ، فقال له رسول
الله صلى
الله عليه وآله : ادن مني ، فدنا منه فعممه بيده ، ودفع إليه سيفه ذا الفقار ، وقال له : " اذهب وقاتل بهذا ،
اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته " فمر أميرالمؤمنين عليه السلام يهرول في مشيته وهو يقول :
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة * والصدق منجى كل فائز
إني لارجو وأن أقيم * عليك نائحة الجنايز
من ضربة نجلاء يبقى * صوتها بعد الهزاهز
فقال له عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول
الله و ختنه ، فقال : و
الله إن أباك كان لي صديقا ونديما ، وإني أكره أن أقتلك ، ما أمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا ، فاتركك شائلا بين السماء والارض لا حي ولا ميت ؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار ، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة ، فقال عمرو : كلتا هما لك يا علي تلك إذا قسمة ضيزى ، فقال علي : دع هذا يا عمرو ، إني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول : لا يعرض علي أحد في الحرب ثلاث خصال : إلا أجبته إلى واحدة منها ، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة ، قال : هات يا علي ، قال : تشهد أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا رسول
الله ، قال : نح عني هذا ، قال : فالثانية ، أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول
الله ، فإن يك صادقا فأنتم أعلى به عينا ، وإن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره ، فقال : إذا تتحدث نساء قريش بذلك وينشد الشعراء في أشعارها أني جبنت ورجعت على عقبي من الحرب ، وخذلت قوما رأسوني عليهم ، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : فالثالثة أن تنزل إلي فإنك راكب وأنا راجل حتى أنابذك ، فوثب عن فرسه وعرقبه ، وقال : هذه خصلة ما ظننت أن أحدا من العرب يسومني عليها ، ثم بدأ فضرب أميرالمؤمنين عليه السلام بالسيف على رأسه ، فاتقاه أمير المؤمنين عليه السلام بالدرقة فقطها ، وثبت السيف على رأسه ، فقال له علي : يا عمرو أما كفاك أني بارزتك وأنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير ؟ فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه أميرالمؤمنين عليه السلام مسرعا على ساقيه فأطنهما جميعا ، وارتفعت بينهما عجاجة ، فقال المنافقون : قتل علي بن أبي طالب ، ثم انكشفت العجاجة و نظروا فإذا أميرالمؤمنين عليه السلام على صدره قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ، ثم أخذ رأسه وأقبل إلى رسول
الله صلى
الله عليه وآله والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو ، وسيفه يقطر منه الدم ، وهو يقول والرأس بيده :
أنا علي بن عبدالمطلب * الموت خير للفتى من الهرب .
(1)
---------