عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 24  ]
قديم 26-08-2007, 11:47 PM
خالد العويمري
عضو سوبر
الصورة الشخصية لـ خالد العويمري
رقم العضوية : 504
تاريخ التسجيل : 17 / 11 / 2006
عدد المشاركات : 2,837
قوة السمعة : 21

خالد العويمري بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي رد : ملف كامل للصحفي محمد الرشيدي ( على البال )
عوداً على بدء حول الشعور بالمسؤولية إنها أمانة ولنحذر أن تكون خزياً وندامة



محمد بن أحمد الرشيد
لا أمل الحديث عن وجوب الشعور بالمسؤولية عند أفراد المجتمع بعامة - كل في موقعه الذي هو فيه - وعند من يتولون مسؤولية التربية والتعليم في كل مراحله بخاصة. إذ أن الناس يُوءدعون لدى تلك الفئة منهم أغلى ما يملكون: فلذات أكبادهم، وكل أمانيهم، ورجائهم أن يكون تعليم أبنائهم سبيلاً للنجاح في الحياة وإسهاماً فعالاً في تطور البلاد وإعمار الكون، وهذا لن يتحقق إلا بتربية هادفة تُخرِّج المستنيرين والمتخلقين بأخلاق ديننا الإسلامي، دين اليسر، والرحابة، والتسامح، والاعتدال الذي يتسع صدره للناس جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وأقطارهم!
لذا - ومع إدراكي لما حققته مؤسسات التعليم عندنا في الماضي والحاضر من نقلة حضارية كبرى - فإني أخشى من التراخي في أخذ الحيطة والحذر، وخاصة في هذا الزمان الذي يموج بالفتن، وأتوجه إلى المربين والأساتذة - بحكم أنهم الأكثر تأثيراً في تشكيل فكر المجتمع وخاصة اليافعين منه - وأدعوهم إلى اليقظة والشعور بالمسؤولية وأن يكون كل واحد منهم حارساً أميناً للرسالة السامية شاعراً بالمسؤولية تجاهها، وألا يندس بينهم من لا يعي واجبات تلك المهمة العظيمة، أو يحرفها عن مسارها السامي.

إن من أجمل وأهم العبارات التي أدعو دائماً إلى إشاعتها هي عبارة "نعم، إنها مسؤوليتي" لتكون على كل شفة ولسان، تقال في محلها، دون أن يتصدى المرء لما لا يُحسنه ويقدر عليه، ودون أن يتهرب مما يحسنه ويقدر عليه.

وإذا كان التهرب من المسؤولية ذنباً وعيباً في كل مكان وزمان، فإنه في مؤسسات التربية والتوجيه والتعليم ذنبٌ أكبر، وعيب أعظم، وذلك لما يترتب عليه من الضرر الذي يصيب الفرد والمجتمع.

وإذا كان الحديث في هذا المقام عمّن هم في سلك التربية والتعليم لأهميتهم فإن ذلك لا يعني أنهم هم وحدهم الذين يتحملون المسؤولية دون سواهم بل إن كل أفراد المجتمع مسؤولون، كل من موقعه الذي هو فيه، بمن فيهم رب الأسرة، إعمالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".

وإني على يقين أن من هم في الميدان: من أعضاء هيئة التعليم في الجامات، والمعلمين، والمديرين، والمشرفين التربويين، يرون ما لا يراه غيرهم؛ لذا فالمطلوب منهم: الرأي المبني على الخبرة الواقعية لا الافتراضية، وعلى الحكمة العملية لا النظرية، وعلى الحقائق لا على الأوهام. ومن هذا يدركون أنه لا غنى لصانعي القرار التربوي، وراسمي سياسته عن عونهم، ومشورتهم، وآرائهم الصريحة، ونقدهم الإيجابي البنّاء.. وهذا اليقين يزداد عندي مع الأيام رسوخاً، وفي كل مرة أكوِّن رأياً عن التعليم في مراحله كافة أرجع فيه إلى النخبة من الذين هم في الميدان التربوي والتعليمي، وتلك النخبة هي في مقدمة المسؤولين حتى لا يكون بينهم من لا يعي المسؤولية والواجبات المترتبة عليها، وكذلك عن غربلة مكونات التعليم وعناصره وتخليصها من كل الشوائب التي ينتج عنها أفراد ذوو توجهات فيها إفراط أو تفريط، والإفراط والتفريط كلاهما يقودان المجتمع في النهاية إلى كارثة - نجانا الله منها -.

وبقدر ما تصفو النفوس مما يشوبها، وتسلم القلوب من الغل، وتتطهر الصدور من السخائم، وتتحلى العقول بصفة البحث عن الصواب لتكون الحكمة ضالتها، أينما وجدتها فهي أحق بها، يكون النجاح والتوفيق، ويكون التأييد من الله تعالي، لأن "يد الله مع الجماعة"، وبهذا أدّبنا ربنا سبحانه وتعالى، ونبينا صلى الله عليه وسلم؛ فجاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {.... ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا...} وقوله سبحانه: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}. وجاء في السنَّة المطهرة دعاؤه عليه الصلاة والسلام: "اللهم اسلل سخيمة قلبي"، والسخيمة: هي الحقد في النفوس. ومعلوم أن قلبه صلى الله عليه وسلم مطهر من السخائم، إنما قال هذا تعليماً لنا. لذا ينبغي أن يسود الصفاء، والنقاء، والوضوح، والصراحة، والنصيحة الخالصة لله تعالى، التي لا يُلطخها هوى أو حزازة، وفي كل ندواتنا ومؤتمراتنا ولقاءاتنا، واجتماعاتنا وقنواتنا الفضائية، وسائر وسائل إعلامنا، لنخلص بأفضل النتائج، ونسعى لتطبيقها على أكمل وجه.

إن الفكر المنحرف حين يغرس بذوره غلاة من البشر يخاطبون العامة ويؤثرون في بعضهم من مواقع ذات اتصال بالناس، فإنهم بذلك يدفعون من هم في مقتبل العمر إلى ركوب الصعاب بالتشدد تجاه كل من خالف رأيهم في أمور فرعية، أو كان سلوكه مخالفاً لسلوكهم فيما لا يناقض ثابتاً من ثوابت الشرع الحنيف. ولا بد من العمل على توعية الناس بأخطار تلك الأفكار المتطرفة والعمل على استئصالها، وردع من يشيعها ويحرض عليها.

إني أدعو إلى التيسير والتسامح الذي وردت في معاناة أحاديث كثيرة كلها في الصحيح، منها قوله صلى الله عليه وسلم: يسّروا ولا تعسّروا، وبشروا ولا تنفروا"، قوله: "إن هذا الدين يُسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه..."، وما أحكم ما قاله الإمام العلم سفيان الثوري رحمه الله: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيُحسنه كل أحد".

بناء على المعاني السامية التي أشرت آنفاً إلى بعضها، واستئناساً بما قرره علماء التربية، والنفس، والاجتماع، يجب أن تكون مدارسنا وكلياتنا، ومعاهدنا، وجامعاتنا أماكن تدعو طلابها إلى التفاؤل، والسرور، والاستبشار، والعمل، والاقبال على الحياة لإعمارها وفق ما شرع الله، لا أماكن تسب الحزن، والانقباض، والخوف، والقنوط، واليأس، والعجز، والكسل، والانسحاب من الحياة. كل ذلك دون الإخلال بالتوازن المطلوب، مع إعطاء كل مرحلة عمرية ما يناسبها.

إن الأخطاء صفة ملازمة للبشر: "كل بني آدم خطّاء..."، وأنا هنا أتحدث عن الأخطاء العادية التي يقع فيها الناس العاديون، ولا يجوز أن تضخم الأمور، ويحكم على نوايا أصحابها، ولا تعطى آداب مستحبة صفة الواجبات اللازمة، ولا توغر صدور الشباب على من لا يأخذ بتلك الآداب.

إن مواجهة الأخطاء ومعالجتها تتطلب الحكمة (وأغلب ما عالجه النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم من الأخطاء كان بالرفق واللين)، والموعظة الحسنة، وبالتي هي أحسن، حتى إنه ترفق بأعرابي بال في المسجد، فلم يضلله، ولم يفسّقه، ولم يقل له: إنّ فعله حرام من الكبائر، مع استفظاع بعض الصحابة لفعله. وبمثل هذه الحكمة ينبغي أن يكون علاجنا لكل ما قد يقع من أخطاء وتجاوزات، ولا ينبري كل أحد للتحريم، والتضليل والتبديع، والإخراج عن السنّة والجماعة، ولا تشحن النفوس اليافعة بتطرفات تجعلها تشعر بالسخط على أقرب المقربين. إن الغلو يقود للمصائب التي لا تقتصر على من اتصف بها بل تصيب المجتمع وتسيء للمعتقد. إن توضيح الحلال والحرام هو من وظائف العلماء الفضلاء المتمكنين في العلم والدين، الذين شهد الناس لهم بالفضل، وعُرفوا بحسن الذكر. فخير أمة أخرجت للناس، تأمر الناس بالمعروف، يجب أن يكون أمرها (بالمعروف)، لا بالشدة والقسوة: قال تعالى مخاطباً خير خلقه صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر...). ولا يجوز بحال من الأحوال تفسيق الناس - فضلاً عن تكفيرهم - إلا بمخالفة أمر مجمع عليه، إذ لا إنكار في مسائل الاجتهاد.

لقد كان ولا يزال هذا هو فكري الذي أشيعه بين من ألقاهم من عموم الناس وبين المربين على وجه الخصوص منذ أن كنت معلماً واستاذاً جامعياً ومسؤولاً في وزارة التربية والتعليم وسأظل أنافح عن هذا الفكر مهما سبب لي من متاعب ومصاعب.

إننا في مرحلة حاسمة تقتضي منا مضاعفة الجَدّ والتكاتف والتعاون والتآزر لدرء الشر عن مجتمعنا وبلادنا، كما تقتضي منا أن نُتءبع القول السديد بالعمل الرشيد؛ فالأقوال بدون أفعال لا فائدة منها. ولنتذكر أن كل منا يحمل أمانة. وهو مسؤول عنها أمام الله سبحانه وتعالى. فلنتق الله في أماناتنا حتى لا تكون علينا خزياً وندامة - لا قدر الله -.

ومن الله نستمد العون والتأييد.


Facebook Twitter