(8)
الفرح بانتشار الأفكار
إننا نحن حين " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا ، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم ، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا ، وعدوان الآخرين عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله ، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً ، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا ، كما لو كانت بغير إرادة منا ، حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا ! .
إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للآخرين ، ونحن بعد أحياء . إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض – زاداً للآخرين وريّاً ، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضا والسعادة والاطمئنان ! .
" التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلاقات التجارية " لبضائعهم ، كي لا يستغلها الآخرون ، ويسلبوهم حقهم من الربح ، أما المفكرون وأصحاب العقائد ، فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ، ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم ، لا إلى أصحابها الأولين ! .
إنهم لا يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الأفكار والعقائد ، وإنما هم مجرد " وسطاء " في نقلها وترجمتها ... إنهم يحسُّون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خَلْقِهم ، ولا من صنع أيديهم . وكل فرحهم المقدّس ، إنما هـو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهـذا النبع الأصيل ! …
=
(13)
حول الحرية والعبودية
أحياناً تتخفى العبودية في ثياب الحرية ، فتبدو انطلاقاً من جميع القيود : انطلاقاً من العرف والتقاليد ، انطلاقاً من تكاليف الإنسانية في هذا الوجود ! .
إن هنالك فارقاً أساسياً بين الانطلاق من قيود الذل والضغط والضعف ، والانطلاق من قيود الإنسانية وتبعاتها ، إن الأولى معناها التحرر الحقيقي ، أما الثانية فمعناها التخلي عن المقومات التي جعلت من الإنسان إنساناً ، وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة ! .
إنها حرية مُقَنَّعَة ، لأنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية ، تلك الميول التي قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها ، لتتخلص من قيودها الخانقة ، إلى جو الحرية الإنسانية الطليقة …
لماذا تخجل الإنسانية من إبداء ضروراتها ؟ لأنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه الضروريات هو أول مقومات الإنسانية و، أن الانطلاق من قيودها هو الحرية ، وأن التغلب على دوافع اللحم والدم ، وعلى مخاوف الضعف والذل ، كلاهما سواء فـي توكيد معنى الإنسانية ! .