عرض مشاركة مفردة
  رقم المشاركة : [ 6  ]
قديم 15-07-2007, 08:08 AM
بنت العبسي
جُـنـُونِي سِر فُـنُـونِي
الصورة الشخصية لـ بنت العبسي
رقم العضوية : 1695
تاريخ التسجيل : 25 / 6 / 2007
عدد المشاركات : 7,636
قوة السمعة : 25

بنت العبسي بدأ يبرز
غير متواجد
 
الافتراضي رد : مخلوقة اقتحمت حياتي .... قصة قمة في الروعة ...


الحلقة الرابعة


لم استطع النوم تلك الليلة

جعلت أتقلب على فراشي و الأمور الثلاثة : الدراسة ، الحرب ، و رغد تآمرت علي و سببت لي أرقا و صداعا شديدا


أوه يا إلهي ... أنا متعب ... متعب !




فلتذهب الدراسة للجحيم !

ولتذهب الحرب كذلك للجحيم !

و رغد ...

رغد ...

فلأذهب أنا إلى رغد !








قفزت من سريري في رغبة ملحة جدا لرؤية الصغيرة ...

لابد أنها غارقة في النوم الآن ... كم كنت قاسيا معها ! كم أنا نادم !




سرت ببطء حتى دخلت غرفة رغد ، و تعجبت إذ رأيت الظلام مخيما عليها !

صغيرتي تخاف النوم في الظلام الشديد و تصر على إضاءة النور الخافت




اقتربت من السرير و أنا أدقق النظر بحثا عن وجه الصغيرة ، ألا أنني لم أره


أشعلت المصباح الخافت المجاور لسريرها ، و أصبت بالفزع حين رأيت السرير خاليا ...




نهضت مذعورا ... و تلفت من حولي ... ثم أنرت المصباح القوي و دققت النظر في كل شيء ... لم تكن رغد في الغرفة ...



خرجت من الغرفة كالمجنون و ذهبت رأسا إلى غرفة دانة ، ثم سامر ، ثم جميع غرف المنزل و أنحائه و لم أبق منه مترا واحدا دون تفتيش ... عدا غرفة والديّ



سرت و أنا أترنح و متشبث بأملي الأخير بأن تكون رغد هناك ...



توقفت عند الباب ، و رفعت يدي استعدادا لطرقه فخانتني قواي


ماذا إن لم تكن رغد هنا ؟

أين يمكن أن تكون ؟



القلق بل الفزع و الخوف على رغد تملكاني و ألقيا جانبا أي تفكير سليم من رأسي

طرقت الباب طرقات متوالية تشعر أيا كان بالذعر !



ثوان ، و إذا بأمي تقف أمامي في فزع :


" وليد ؟ خير يا بني ؟ "


التقطت عدة أنفاس متلاحقة ثم قلت :


" هل رغد هنا ؟ "



كنت أحدق بعين والدتي و كأنني أريد أن أخترقها إلى دماغها لأعرف الجواب قبل أن تنطق به ...

قولي نعم أمي ... أرجوك !


" نعم ! نامت هنا "


كأن جبلا جليديا قد وقع فوق رأسي لدى سماعي إجابتها

ارتخت عضلاتي كلها فجأة ، فترنحت و أنا أعود خطا للوراء حتى جلست على أحد المقاعد



والدتي أقبلت نحوي ، و ألقت نظرة سريعة على ساعة الحائط ، ثم عادت تنظر إلي بقلق ...


" وليد ؟ ما بك عزيزي ؟ "


أغمضت عيني لثوان ، و أنا عاجز عن تحريك أي عضلة من جسمي ...

ثم نظرت إليها و قلت بصعوبة :

" قلقت حين لم أجدها في غرفتها ... بل كدت أموت قلقا ... "



اقتربت مني والدتي ، و مسحت على رأسي و قالت :

" هوّ ن عليك يا بني ...
جاءتني تبكي البارحة و تقول أنك غاضب منها و أخرجتها من غرفتك !
كانت حزينة جدا ! "




ربما تريد أمي معاتبتي لتصرفي مع رغد

أرجوك أمي يكفي فأنا قد نلت من تأنيب الضمير ما يكفي و يزيد ...

ألا ترين أنني لم أنم حتى هذه الساعة بسبب ذلك ...؟؟



" آسف لإزعاجك أماه ، تصبحين على خير "










رغد !

ما الذي تفعلينه بي !!!!!

نهضت متأخرا في الصباح التالي ، و حينما ذهبت إلى المطبخ وجدت أمي مشغولة في إعداد الطعام فيما تلعب رغد ببعض الدمى إلى جوارها



عندما رأتني رغد ، ابتسمت لها ، ألا أنها قامت و التصقت بأمي ، كأنها تطلب الحماية !



تضايقت كثيرا من هذا ... هل أصبحت طفلتي الحبيبة تخاف مني ؟؟



" رغد ! تعالي إلي ... "



لم تتحرك بل تشبثت بوالدتي أكثر ، الأمر الذي أشعرني بضيق شديد جدا فغادرت المطبخ فورا




ستنسى بعد قليل ... إنها مجرد طفلة و الأطفال ينسون بسرعة !

بل من الأفضل ألا تنسى حتى تبقى بعيدة عني و أتخلص من أحد همومي !








في المساء ، حضرت أم حسام بطفليها حسام و نهلة لزيارتنا

أم حسام هي خالة رغد الوحيدة و التي كانت ترعاها في السابق ، بعد وفاة والديها





حسام هو ابنها الأكبر و البالغ من العمر سبع سنوات على ما أظن ، أما نهلة فتصغر رغد ببضعة أشهر


و يبدو أن ( أخا جديدا ) على وشك الانضمام لهذه العائلة !





رغد تحب خالتها هذه كثيرا ، و الخالة تتردد علينا من حين لآخر للاطمئنان على رغد



تحوّل بيتنا إلى ملعب أطفال ... لعب ، ضحك، بكاء ، شجار ، عراك ، هتاف ، صراخ !



كانوا جميعا سعداء ، أما أنا فقد لزمت غرفتي عكفت على الدراسة .





اختفت الأصوات تماما فيما بعد ، فاستنتجت أن الضيوف قد رحلوا .


في وقت العشاء ، كنت أول الجالسين حول المائدة فقد كنت جائعا ، و لم أكن قد تناولت أي وجبة رئيسية لهذا اليوم .


الكرسي المجاور لي هو الكرسي الذي تجلس عليه صغيرتي رغد عادة
و كنت أساعدها في تناول الطعام دائما



اجتمع أفراد أسرتي حول المائدة ، ألا أن الكرسي المجاور ظل شاغرا !



" أين رغد ؟؟ "


وجهت سؤالي إلى والدتي ، فأجابت :


" أصرت على الذهاب مع خالتها و بما أن الغد هو يوم جمة تركتها تذهب لتبات عندهم ! "



اندهشت ، فهي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا ... لطالما كانت الخالة تزورنا فلماذا تصر على الذهاب معها اليوم و اليوم فقط ؟؟




لقد فقد شهيتي للطعام ، و لم أتناول منه إلا اليسير ...




مساء الجمعة ذهبت مع أبي لإحضار رغد من بيت خالتها

دخلت أنا للمنزل فيما ظل والدي ينتظر في السيارة

لقد كان الأطفال ، رغد و نهلة و حسام ، يلعبون ببعض الألعاب في إحدى الغرف


عندما رأوني توقفوا عن اللعب ، و اخذوا يحدقون بي !


هل أبدو مرعبا ؟؟

ربما لأنني طويل و ضخم البنية نوعا ما !


ابتسمت لهذه المخلوقات الصغيرة ثم قلت :


" مرحبا أعزائي ! ألم تكتفوا من اللعب ! "


لم يبتسم أي منهم أو يحرك ساكنا !


وجهت نظري إلى صغيرتي رغد ، و قلت أخاطبها :


" صغيرتي الحلوة ! حان وقت العودة إلى البيت "

" لا أريد "



كانت أول جملة تنطق بها رغد ! إنها لا تريد العودة للبيت !


" ماذا رغد ؟ يجب أن نعود الآن فغدا ستذهبين إلى المدرسة ! "



" سأبقى هنا "



" رغد ! سوف نأتي بك إلى هنا لتلعبي كل يوم إن أردت ! هيا فوالدنا ينتظر في السيارة "



لم يبد أنها عازمة على النهوض .



و الآن ؟؟ ماذا افعل مع هذه الصغيرة ؟؟



كيف يجب ان يكون التصرف السليم ؟؟



تدخلت أم حسام قائلة :


" بنيتي رغد ، غدا سيحضرك وليد إلى هنا من جديد . و كل يوم إذا أردت اللعب مع نهلة فتعالي و أحضري ألعابك أيضا "



" لا أريد "


ثم بدأت بالبكاء ...





ربما تظن خالتها أننا نسيء إليها بشكل ما !




ماذا جرى لهذه الصغيرة ؟ لماذا أصبحت لا تريد الاقتراب مني ؟ أكل هذا لأنني
أخرجتها من غرفتي بقسوة تلك الليلة ؟



أم حسام أخذت تمسح على رأس الصغيرة و تهدئها و تكرر


" غدا سيحضرك وليد إلى هنا عزيزتي "




قلت ، محاولا إغراءها بالحضور بأي طريقة :


" سنمر بمحل البوضا و نشتري لك النوع الذي تحبين ! "



يبدو أن الفكرة أعجبتها ، فتوقفت عن البكاء و آخذت تنظر إلي ...


قالت خالتها مشجعة :

" هيا بنيتي ، و عندما تأتين غدا سنشتري لك و لنهلة و حسام المزيد من البوضا و الألعاب "


و أخذت تقربها نحوي حتى صارت أمامي مباشرة



رفعت رغد رأسها الصغير و نظرت إلي



إنها نظرة لا أستطيع نسيانها ما حييت ...

كأنها تعاتبني على قسوتي معها ... و تقول ... خذلتني !





مددت يدي و رفعت الصغيرة عن الأرض و ضممتها إلى صدري و قبلت جبينها


كيف لي أن أعتذر ؟


إنها اليتيمة التي و لو بذلت الدنيا كلها لأجلها ، ما عوضتها عن لحظة واحدة تقضيها في حضن أمها أو أبيها ...


قلت :

" ماذا تودين بعد ؟ لعبة جديدة أم دفتر تلوين جديد ؟ "

قالت :

" أريد لعبة و أريد دفترا "

قلت :

" يا لك من سيدة طماعة ! حاضر ! كما تأمرين سيدتي ! "

فابتسمت لي أخيرا ...







شعرت بشيء ما يحرك بنطالي ...

نظرت إلى الأسفل فإذا بها نهلة تمسك ببنطالي و تهزه ، ثم تقول :


" احملني ! "


نظرت إليها بدهشة و استغراب !


" رغد تقول أنك قوي جدا و كنت تحملها مع دانة سوية "

ربّاه !!

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

في تلك الليلة ، جعلت رغد تنام على سريري للمرة الأخيرة ... و لونت معها كثيرا و قرأت لها أكثر من قصة ، و طبعا اشتريت لها أكثر من لعبة و أكثر من دفتر تلوين إضافة

إلى البوضا !



ربما كانت هذه طريقتي في الاعتذار !



إن كنت أدلل صغيرتي كثيرا فهذا لأنني أحبها كثيرا ...



و هي نائمة على سريري بسلام ، أخذت أتأملها بعطف و محبة ...



كم هي رائعة !


و كم أنا متعلق بها !


كم يبدو هذا جنونا !



ذهبت إلى حيث وضعت صندوق الأماني ، فأخذته و جعلت أنظر إليه بحدة


كم تمنيت لو أن بصري يخترق الصندوق إلى ما بداخله !


ليتني أعرف ... الاسم الذي تلا هذه الجملة


( عندما أكبر سوف أتزوج .... ؟ )






عندما تكبرين يا رغد ...

فقط عندما تكبرين ....

فإنني ...











~ ~ ~ ~ ~ ~






في أحد الأيام ، قررنا تناول بعض المشويات في المنزل

في حديقة المنزل أعد والدي ما يلزم و أشعل الفحم


كان يوما جميلا ، و كنا مسرورين لهذه ( النزهة المنزلية ) التي قلما تحدث


الأطفال ، سامرـ إن كنت أعتبره طفلا ـ و دانة و رغد كانوا يتجولون هنا و هناك



سامر مهووس بدراجته الهوائية و التي لا يتوقف عن قيادتها و العناية بها في جميع أوقات فراغه ، و رغد تهوى كثيرا الركوب معه ، و قد تعلمت كيف تقودها بنفسها



كانت تقود الدراجة فيما يجلس سامر على المقعد الحفي ، و كانت تترنح ذات اليمين و ذات الشمال و تسقط بالدراجة من حين لآخر


ألا أنها كانت سقطات خفيفة غير مؤذية ، يستمتعان بها و يضحكان مرحين !



دانة كانت تساعد أمي في إعداد اللحم ، فيما والدي يهف الجمر فيزيده اشتعالا



كنت أنا أراقب الجميع في صمت و برود ظاهري ، بينما أشعر بشيء يتحرك و يشتعل في صدري مثل ذلك الجمر ... لا أعرف ما يكون ...؟؟




ذهب والدي لإحضار شيء ما ...

و ابتعاده عن الجمر أعطاني مجالا أوسع لأراقب اشتعاله و تأججه ...
و جحيمه !




إن عيني ّ كانتا تتنقلان بين رغد و سامر على الدراجة ، و بين الجمر المتقد ...




ثم شردت ...








فجأة ... ترنحت الدراجة و هي تسير بسرعة ، تقودها رغد الصغيرة ، و قبل أن يتمكن سامر من إيقافها ارتطمت بشيء فسقطت ...






كان يمكن لهذه السقطة أن تكون عادية كسابقاتها ن لو أن الشيء الذي ارتطمت الدراجة به لم يكن صينية الجمر المتقد ....




تعالت الأصوات و انطلق الصراخ القوي يزلزل الأجواء ...




ركضنا جميعا نحو الاثنين بفزع ...




والدتي تولول ، و دانة تصرخ ... و رغد تصرخ ... و وليد يتخبط مستنجدا ... صارخا ... من فرط الألم ...







جمرة واحة أصابت رغد بحرق في ذراعها الأيسر ...


أما سامر ...


فقد انتهى بوجه مشوه مخيف ، و جفن منكمش يجعل العين اليمنى نصف مغلقة ... مدى الحياة ...





لقد كان حادثا سيئا جدا ... و انتهى يومنا الجميل بندبة لا تمحى ...



و رغم العمليات التي خضع لها ، ألا أن وجه سامر ظل يحمل أثر الحادثة المشؤومة إلى الأبد





رغد و التي خرجت من الحادث بأثر حرق واحد في الذراع ، خرجت منه بآثار عميقة لا تمحى في الذاكرة و القلب





أما دانة ، فقد غرست في نفس رغد الاعتقاد الأكيد بأنها السبب فيما حدث لسامر لأنها من كان يقود الدراجة وقتها






رغد أصبحت مرعوبة فزعة متوترة معظم الأوقات ... و أصبحت تخشى النوم بمفردها و تصر على أن أبقى إلى جانبها حتى تدخل عالم النوم ، و كثيرا ما كانت تستيقظ فزعة

من النوم في أوائل الأيام ... و تركض إلي ...






و المرة التي كنت أعتقد أنها الأخيرة ، تلتها مرات أخرى ، نامت فيها الصغيرة
في غرفتي ... طالبة الأمان و الطمأنينة ...



" وليد أنا خائفة ... النار مؤلمة ... "

" وليد لن أركب الدراجة ثانية ً ... "

" وليد لا أريد أن أبقى وحدي ... الجمر يلاحقني ... "

" وليد ... عندما أكبر سأصبح طبيبة و أعالج سامر " !









و في إحدى تلك المرات ، كتبت إحدى أمانيها و أدخلتها في ذلك الصندوق !

و هذه المرة لم تسألني عن أية كلمة ...

لكنني أكاد أجزم بأنها كتبت :

( يا رب اشف سامر ) !












توالت الأيام و الشهور ... و تأقلم الجميع مع ما حدث ، و سامر اعتاد رؤية وجهه المشوه في المرآة و تقبله ، و استسلم الجميع إلى أنها حادثة قضاء و قدر ...





أما أنا ...





فأشك في أن شيطانا قد خرج من صدري و قاد الدراجة نحو الجمر المتقد ...
و احرق سامر و رغد بنار كانت في صدري ...




و لم تزد النار صدري إلا اشتعالا



و لم تزد الحادثة الاثنين إلا اقترابا ...



و لم تزدني الأيام إلا تعلقا و تشبثا و جنونا برغد ....


توقيع بنت العبسي

 

 



Facebook Twitter