بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ،،،
الإهــــداء
الى دعاة الأدب والفضيلة والأخلاق والى الباحثين عن منهج التعامل مع الأفراد والمؤسسات والمجتمعات والى كل من يخالط الناس ويتعامل معهم نهدي هذا الكتاب
قال الله سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83
وقال عز وجل {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34
ويقول صلى الله عليه وسلم ( صل من قطعك واعط من حرمك واعف عمن ظلمك)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه
وبعد
الإنسان مدني بطبعه لايستطيع أن يعيش وحيدا بمفرده بل من سروره وسعادته أن يخالط الناس ويجالس الأصدقاء ويصاحب الرفقاء وهو بحاجة إلى أن يتعامل مع غيره بحكم المصالح المشتركة وحاجة كل إنسان لأخيه الإنسان
ولقد أكد الإسلام هذه الحقيقة الاجتماعية عند الإنسان وأبان الغرض الحقيقي الذي ينبغي أن يجتمع عليه الناس قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
وقضية التعامل بين الناس من أهم القضايا التي يجب أن تتوجه إليها جهود العلماء والمفكرين والمصلحين ليقوموا بدورهم في معالجة هذه القضية التي باتت كغيرها مهددة بالتردي والانحطاط إن كثيرا من المجتمعات وأعدادا من الناس لايزالون إلى اليوم يتعاملون مع غيرهم معاملة سيئة منافية لكل أدب بعيدة عن كل مروءة وذوق فتجد إنسانا يكلمك وهو مشغول بأمر آخر ووالد يحاسب ابنه على كل خطأ بقسوة ومدرس يستخدم الضرب مع طلابه لأتفه الأسباب وامرأة تتعامل مع وليدها الصغير بدلال زائد فلا تفارقه ولا تتركه وحده حتى لايتأذي وخطيب يرفع صوته أكثر من حاجة السامعين ولايبالي أطال الوقت أم قصر ومدير يحاسب موظفيه على كل تقصير ولايشكرهم على إنجاز العمل وزائر يدخل عليه بشعر ثائر ومظهر مشين ورائحة كريهة ورجل يجالس الناس فيمد رجله أمام الحاضرين وآخر يقص أظفاره في المجلس أو يمتخط بين رفقائه أو يستاك بالسواك في وجوه الناس وزائر يطرق الباب بعنف ورب عمل لايسمح للموظفين عنده بأداء الصلاة في وقتها ومتحدث يتكلم مع جلسائه ولايكاد يسكت وإمام يصلي بالناس فيطيل ومسؤول عابس بوجهه لايكاد يبتسم وشخص يسلم عليك والمفتاح أو القلم بيده وهكذا أمثلة كثيرة من الواقع تدل على الممارسات الخاطئة في سلوك التعامل والتعامل الخاطئ مع الآخرين لايقف عند حد التخلق بصفات ذميمة وذوقيات فاسدة وإنما يتعدى إلى فساد كبير فتتردى أخلاق الناس وتتقطع أواصر المودة والمحبة وتنتشر البغضاء ويعجب كل ذي رأي برأيه وينقلب الصدق إلى كذب والأمانة إلى خيانة ويقرب السفيه وينحى الصالح ويتصدر الرويبضة ومن أجل إصلاح هذا الفساد وغيره كانت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التي عبر عنها بوضوح " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
التعامل مع الناس في المفهوم الإسلامي
لايزال الأسلوب الاسلامي في التعامل مع الناس وسيظل هو الأسلوب الأمثل والأحسن ولايزال المسلم الحق الملتزم بدينه المحافظ على أخلاقه الإسلامية شامة بين الناس وقدوة حسنة يحبه كل من يخالطه ويسر له من يجالسه المسلم الصادق شخصية اجتماعية راقية تخلق بآدب الإسلام وتحلى بمكارم الأخلاق حتى غدا نموذجا حيا للإنسان الاجتماعي الراقي المهذب التقي الطيب وقدوة المؤمنين ومثالهم الأول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وصفه ربه {وإنك لعلى خلق عظيم } والذي وصفته عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن " وقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )
وقد دعا الإسلام إلى حسن التعامل مع الناس رغبة في تحبيبهم إلى الخير وسعيا في هدايتهم للحق وإشعارا بكرامة الإنسان قال الله تعالى { ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا }
وحث الإسلام على مخاطبة الناس بالحسنى { وقولوا للناس حسنا }
وحتى من كان جبارا وطاغية أمر الإسلام بأن يخاطب بخطاب لين { إذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } إن كان الموقف بحاجة إلى جدال ونقاش وحوار ، أكد الإسلام على ضرورة الإحسان في المجادلة { وجادلهم بالتي هي أحسن } وطالب بأن تستمر هذه المعاملة مع العدو رجاء عودته إلى الحق قال تعالى { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وقال عز وجل { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة }
ومن أجل تحسين العلاقة الاجتماعية مع الناس أوصى الإسلام بصلة الأرحام وحذر من قطعها وذلك قول الرسول على الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد ( صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك )
هذه هي أخلاق التعامل في الإسلام فما أحوج البشرية اليوم إلى الاعتصام بحبل الله المتين وإلى التمسك بمثل الإسلام وهديه الذي لاتطيب الحياة إلا به ولاتسود القيم الإنسانية الرفيعة إلا بوجوده .
|