قبيلة بني رشيد

قبيلة بني رشيد (http://ban3abs.com/aa/index.php)
-   منتدى البحوث التاريخيه (http://ban3abs.com/aa/forumdisplay.php?f=101)
-   -   منازل غطفان في الجاهلية وصدر الإسلام (http://ban3abs.com/aa/showthread.php?t=129392)

سعد الرشيدي 31-12-2012 09:46 PM

منازل غطفان في الجاهلية وصدر الإسلام
 
http://bani-3abs.com/uup//uploads/im...3fee6d7419.gif

تقرير جديد من الباحث والعلامة/ عطالله بن ضيف الله المظيبري




http://bani-3abs.com/uup//uploads/im...9565e287cd.gif

منازل غطفان في الجاهلية وصدر الإسلام


نسبه: هو غَطَفَان() بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نِزَار بن معدّ بن عدنان.
وتحلُّ قبائل غطفان مساحة واسعة في عالية نجد، تمتدُّ من غرب بلاد القصيم حتى مشارف المدينة المنورة، ومن مشارف المدينة تمتدُّ شمالاً إلى الجهة الغربية من رمال عالج (النفود الكبير)، فتشمل حرتي (النّار وليلى)، ومساحة شاسعة مما كان يعرف قديماً بالجناب (صحراء الجهراء)، كما تنتشر على طول امتداد ضفتي وادي الرّمه من أعالي فروعه من حرّة النّار (حرّة بني رشيد) في الحجاز، حتى خرُوجه من بين جبلي أبانين في منطقة القصيم، وأيضاً تشمل عِدّة مواضع في شمال القصيم مثل: شرج (شري) وأُثال وناظره (نواظر) وضواحيها. ويجاورهم في الشمال بنو كلب، وفي الشمال الغربي قبائل: بنو عُذرة وبليّ وجهينه، وفي الشرق بنو أسد وطيء، وفي الجنوب بطون من بني كلاب من بني عامر بن صعصعه، وفي الجنوب الغربي بنو سُلَيم، وتحلُّ في الوسط منهم في عالية نجد بنو محارب بن خصفه ما بين فزاره حول وادي الجريب (الجرير) في الشرق وبني ثعلبه من ذبيان حول الربذة في الغرب.
إنّ هذا الانتشار لغطفان في أنحاء واسعة من نجد والحجاز كان قوامه في الجاهلية وصدر الإسلام قبائل: بنو ذبيان، بنو عبس، بنو أشجع، بنو عبدالله، بنو أنمار. وهذا الأخير كان بنوه يساكنون بني ثعلبه من ذبيان في ديارهم القديمة()، أمّا الآخرون فلكل قبيلة منهم منازل معروفة في ناحية من بلاد قومهم، تضيق وتتسع بتفاوت كثرة النسل بين كل قبيلة وأخرى. بيان هذا ما يلي:

 
1- بنو ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان
وهؤلاء ثلاث قبائل كبيرة؛ هم:
أ- بنو فزارة بن ذبيان:
ومنهم: بنو عَدِيّ، بنو بدر، وهم بيت الشرف في فزارة، وبنو مازن، وبنو شمخ، وبنو زنيم، جريد، وبنو العشراء، وبنو عَمِيرة()، وبنو عُقبة، وبنو صبح، وبنو نفيل، وبنو حذيفة، وبنو حصن، والشنفة، وبنو ظالم، وبنو سعد بن بكر، والمواجد، والمواشي، واللواحق، المساور، القبوس، والطواسي، والمقاومة، والعلاوي، وبنوسكين، وبنو سَلَمَة، وغيرهم.
ومن دراسة منازل فزارة يتضح أنها كانت متباعدة عن بعضها، مما يدل على أن فروعاً كثيرة منها كانت تملك من العدد وأسباب القوة ما أتاح لها مثل هذا التباعد في المنازل، فالمصادر تبيّن أن بلادهم تمتد من الجهة الغربية من رمال عالج (النفود الكبير) شمالاً شرقياً من تيماء حول سبّا():


سقَى اللهُ حيًّ من فزارة دارهم


بسبَّى كراماً حيثُ أمسوا وأصبحوا

هُمُ أدركوا في عبد ودٍّ دماءَهـم




غداة بنات القين والخيل جُنَّحُ

كأن الرجالَ الطالبين تِراتِهم


أسودٌ على ألبادها فهي تمتحُ



منساحة في المواضع الواقعة ما بين جبل (أجا) شرقاً وامتداد السفوح الشرقية لحرّتي: (ليلى، والنار) غرباً، ثم تمتد جنوباً شرقياً إلى حدود بلاد بني أسد()، وعلى طول امتداد الضفة الغربية لوادي الرمّة إلى جبل أبان الأحمر، وتشارك بني أسد في أبان الأسود() مع اتساع رقعة بلادهم في الضفة الغربية لوادي الرمّة عرضاً إلى النقرة()، ومنها تأخذ خطاً جنوبياً شرقياً حتى ملتقى وادي طلال بوادي الجرير(). ثم تنحرف شرقاً إلى شعبا وفيها()، ومنها يأخذ شمالاً في اتجاه رمل فزارة (نفود كتيفة)() وجبال الزهاليل (اللهيب)() إلى جبل أبان الأحمر، لتشمل ديارهم في هذه الجهة ما بين هذا الخط ووادي الرّمة.

ومن معالم بلادهم:
أولاً: الجبال، ومن جبالهم في الشمال: جبل برد، عرنان، رُؤاف، صبح (ظلما)،وظفر (ظفره)(). وفي الوسط: جبل طميّة()، أبان، أبرق الحنّان؛ وهذا الأخير لبني سعد بن بكر من بني فزارة؛ وسيأتي في الحديث عن بلاد بني ثعلبه من ذييان تفاصيل أكثر عنه، وقال البكري: يقال أبرق العزّاف وأبرق الحنّان: واحد؛ لأنهم يسمعون فيه عّزِيف الجنّ(). وفي الجنوب: شعبا() وجبال الزهاليل (اللهيب).
ثانياً: المياه: تذكر المصادر القديمة أن لفزارة وجوداً ظاهراً في بني سعد بن بكر من فزارة في فدك (الحائط)، ويديع (الحويّط) ونخل (الحناكية)، وهي واحات من أثرى بلاد غطفان بالمياه: (آبار، عيون، وأحساء)، ولهم مثل هذا من المياه في الجبال التي لهم فيها وجود كجبل أبان الأحمر مثلاً.



أوهام حول بني سعد بن بكر من فزارة


وأجدني هنا مدفوعاً إلى أن أدلي بدلوي في مسألة طال الخلط والغلط فيها، ففي "معجم شمال المملكة: 3/1389" أورد الشيخ حمد الجاسر في سياق كلامه على موضع "الهمج" بعض أقوال أهل العلم في خبر سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر من فزارة سنة ست من الهجرة بفدك، وبعد أن ذكر أن الهمج وادٍ لا يزال معروفاً، وهو أعلى وادي الرقم (الرقب) يفيض في موقع قرية الرقم القديمة (العَميرة). ثم قال: ويحسن التنبيه إلى أن صاحب "الطبقات" ذكر أن هذه السرية لغزو بني سعد بن بكر. وسعد بن بكر – عند الإطلاق – ينصرف إلى أظآر النبي صلى الله عليه وسلم – الذين أرضعوه – وهؤلاء بلادهم بقرب مكة والطائف. فأية صلة لهم بفدك؟ أو بيهود خيبر. لاشك أن كلمة (بن بكر) خطأ. وأن المقصود سعد بن ريث بن غطفان، فأولئك هم أهل تلك البلاد، وغطفان هم حلفاءُ اليهود وجيرانهم في خيبر، والواقدي وهو شيخ ابن سعد صاحب "الطبقات" لم يذكر في "المغازي" عند سياق القصة (بن بكر) ولكن محقق الكتاب أخطأ فذكر في الفهرس (سعد بن بكر).
وأقول: الحق بخلاف هذا، فقد ذكرهم الطبري بهذا الاسم ضمن جموع بني ثعلبة وبني مرّة وبني عبس من غطفان، في خبر الحملة التي قادها أبوبكر الصديق إلى بني ثعلبة من ذُبيان أيام حروب الردّة، فالتقى بهم بأبرق الربذة()، وقال البكري: حمامة على لفظ الطائر: ماء لبني سعد بن بكر بن هوازن بأبرق العزّاف، وقال: قال يعقوب: حمامة ماء يختصم فيه بنو ثعلبة بن عمرو بن ذبيان وبنو سليم، ثم قال في رسم العزّاف: ويقال أبرق العزّاف وأبرق الحنّان واحد؛ لأنهم يسمعون فه عزيف الجِنَّ، وقال الخليل: العزّاف رمل لبني سعد. وقال: قال يعقوب: اللعباء بين الربذة وبين أرض بني سليم، وهي لفزارة وبني مرّة وبني أنمار بن بغيض(). وفي كتاب "المناسك: 328" الربذة لقوم من ولد الزبير بن العوام، وكانت لفزارة، وزاد السمهودي أيضاحاً قال: قال الأسدي: الربذة لقوم من ولد الزبير، وكانت لسعد بن بكر من فزارة(). وقال ياقوت: أبرق الحنّان:... وهو ماء لفزارة().
وبناء على ما تقدم ففزارة الوارد ذكرهم في موضعي: (العزّاف ، حمامة)، ليسوا إلا بني سعد بن بكر من فزارة وتلك بلادهم منذ القدم، ولا وجود لبني سعد بن بكر بن هوازن في بلاد بني ثعلبة من ذبيان، لا قبل الإسلام ولا بعد مطلع فجره. ولعل الأستاذ: راشد بن حمدان الأحيوي أوفى من بسط القول في تفنيد أقوال من قال بنسبة بعض المواضع المتقدم ذكرها إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، مع بيان ما فيها من أوهام، قال: قلت: القول بأن أبرق العزّاف من منازل بني سعد بن بكر بن هوازن لا يصحّ فهذه ديار فزارة، ولا وجود لهوازن في هذه الأنحاء، بل هي ديار غطفان أصل فزارة، والصحيح أنه من منازل بني سعد بن بكر من فزارة وليسوا سعد بن بكر بن هوازن()... ويبقى القول أن سؤال الشيخ حمد الجاسر - يرحمه الله - الاستنكاري: أية صلة لهم - أي بني سعد من هوازن - بفدك؟ رداً على من قال متوهماً أن سرية علي بن أبي طالب كانت إلى بني سعد بن بكر بن هوازن كان وجيهاً ومحقّاً، إلا أن قوله: "لا شك أن كلمة (بن بكر) خطأ وأن المقصود سعد بن ريث بن غطفان" قد صوّب الخطأ وخطّأ الصحيح.

سعد الرشيدي 31-12-2012 09:49 PM

عود على بدء
فقد عدّ المتقدون من مياههم (النقرة)() في الوسط، و(سبّا وصفاراء)() في الشمال، وفي مكان آخر تكلّم أبو على الهجريّ مطوّلاً عن مياههم في الجنوب الداخلة في حِمَى ضرِيّة، ولا بأس من إيراده هنا كاملاً، لتعميم الفائدة، والتعليق عليه إن وُجِدَ ما يدعو إلى ذلك، وهذا نصّه: ... ثم الجبال التي تلي النّائعين في أرض بني عبس، منها جبل يقال له عمود العَمُودِ، مستقبل أبان الأبيض، بينهما أميال يَسِيرةٌ، وفي أرض العَمُود مياه لبني عبس.
قلت: في هذا المقطع من النص دليل على أن بني عبس كانوا في القرن الثالث والرابع من الهجرة يساكنون إخوتهم بني فزارة في جبل أبان الأحمر وحوله.
ثم قال: وجبل آخر في أرض بني عبس يقال له سَنِيح، وهو أسود فاردٌ ضخم. ولبني عبس ماءات في شُعَبٍ مِنْه.
ويرى شيخنا الجليل محمد بن ناصر العبودي أن سنيحاً هو ما يعرف اليوم باسم (الحميمة)، ولكن هناك نصوص في جبل العبد بالقرب من وادي الدآث تصدق على جبل الحميمة هذا.
قال ياقوت(): العليبه... مويهة بالدآث من بلاد بني أسد بقرب جبل عَبْد، وقد قال فيها الشاعر:
شـرُ مياه الحارث بن ثعـلبه
مـاء يسـمى بالحـزيز العلـيبه
وقال الأصفهاني: وبقرب الدآث جبل يقال له عَبْدٌ.
وقال – أيضاً: وفوق الدآث مما يلي المغرب حزيز صفيّة، وصفيّة ماءه لبني أسد، وبها هضب يقال له هضب صفيّة – هذاكله لأسد.
وفوق ذاك أبان الأبيض، لعبس().
وأقول: النظرة في هذه النصوص تحدد لنا بوضوح أن الحزيز هو جَلَدُ الأرض الصلبة الواقعة بين جبل أبان الأحمر ووادي الدآث، وأن العليبه وصفيّة ماءتان في الحزيز، وفيه هضب صفيّة، وهذا الهضب يقال له في يومنا هذا هضب الدوسري، وقد أشبع القول فيه الشيخ العبودي()، فقرب جبل العبد من الدآث، وأيضاً من ماءة العليبة بالحزيز يؤكد أنه يقع بالحزيز، ولا جبل أسود في حزيز صفيّة إلا جبل الحميمة الواقع بالركن الجنوبي من هضب الدوسري (هضب صفيّة قديماً) ولفظة الحميمة في لغة أهل نجد تعني العبد، وعليه فواقع الحال يقول بما لا يدع مجالاً للشك أن جبل الحميمة هو ما كان يقال له في هذه الناحية العبد قديماً.
أمّا جبل ٍسَنِيح: فكل ما جاء في النّص عنه من وصف وموقع ينطبق على جبل سمراء ضُمَيْنَه()، فهو الذي يليه جبال الزهاليل (اللهيب)، ويقع في حدود حِمَى ضريّة، وبأصله وادٍ عّذِيّ التربة، وفيه قرية للمضابرة بهذا الاسم، لا استبعد أن تكون في موقع المياه التي كانت في شُعَبٍ منه، لعبس.
ثم قال الهجري: ثم الجبال التي تليه – أي سنيح – في أرض فزاره: عَفْر الزّهَاليل، وبه ماءة يقال لها الزهوله. والزهاليل: جبال سُوْدٌ في أرض بني عَدِي بن فزارة، حولها رمل كثير ببلد كريم. قال الشاعر لإبله وهو ببيشه من طريق اليمن، وقد نزعت إلى الحمى:


كُلِي الرِّمثَ والخُضَّارَ مِنْ هُدْبة الغَضَا


ببيشه حَتَّى يَبْعَثَ الغَيْثَ آمِرُهْ


ولا تأمَلِي غَيْثاً تَهلّلَ صَوْبُهُ


على شُعَبَى أو بالزَّهَالِيلِ مَاطِرُهُ



ثم يليها من مياه فزارة ماءة لها شُعْبَة، في جَلَدٍ من الأرض. ولبني مالك من حَمِار ماءة يقال لها المظلومة. ولبني شمخ ماءٌ يقال له الشمع()، في ناحية من الرملة. ثم يليه ماءٌ يقال له الجفير()، وفي جوف رمل، ولهم هناك قرية يقال لها الجمام، بها نخلٌ كثير، وهي لبني سَلَمَة. ولبني بَدْرٍ من فزارة هناك بئرٌ يقال لها الجمام، يزرعون عليها. والعِتريفية: ماءٌ لبني شمخ بالبطان، والبطان سَهْلٌ منهبط في الأرض،رملة وصلابة()... فجميع مياه فزارة الداخلة في الحِمَى أحد عشر منهلاً، أكثرها فيها قُرىً ونخلٌ، ولفزارة سوى هذه المياه مياهٌ خارجةٌ عن الحِمَى، بها نخلٌ وقرىً.

ثالثاً- الفَلَوات: لا يجد الباحث غضاضة في القول: إن معظم ديار فزارة هي في الغالب فلوات – جمع فلاة – غير أنني لن أذكر منها سوى اثنتين؛ لشيوع شهرتهما في الأخبار والأشعار القديمة، وهما:
1- الجناب: وهذا الاسم يتردد كثيراً في المراجع القديمة، كعلم لناحية من الأرض فيها حقوق مشتركة لكل من بني فزارة، وبني عُذره، وبني كلب، وبليّ وجهينة، مما يدل على اتساع رقعتها الجغرافية طولاً وعرضاً، غير أن أرضاً بهذا الاسم قد جهلت بين من حلّ فيها من القبائل المعاصرة إلى أن قام الشيخ حمد الجاسر فأشبع القول في هذا الاسم بحثاً وتحقيقاً، فمن ذلك اتضح أن الجناب قديماً هو ما يطلق عليه اليوم اسم (الجهراء) وهذه صحراء واسعة الأنحاء، تمتد من أعراض خيبر الشمالية الشرقية حول (جُبار) جنوباً إلى تيماء شمالاً، وقد تمتد إلى أبعد من هذا في الشمال ومن جبل عرنان شرقاً إلى صمد عّذرة غرباً، وهذا الصمد عرّفه حمد الجاسر وقال - بتصرف - : أنه الجبال والآكام الممتدة من شرق العلا، بميل نحو الجنوب إلى الشرق من تبوك.وصحراء الجهراء هي في كل ذلك سهول وأودية ومراتع كريمة، وتقع بلاد بني عُذرة في الشمال الغربي منها، كما تقع بلاد كلب في الشرق، ومن إلقاء نظرة على أسماء المعالم التي كانت معروفة لقبيلة فزارة في الجناب (الجهراء) ولا تزال باقية على أسمائها القديمة.
يتضح من ذلك أنها كانت تسيطر سيطرة تامة على أوسع مساحة من هذه الصحراء، فهي تمتد من ضواحي جبل (جُبار) في الجهة الجنوبية الغربية منها، إلى مسافة قريبة من تيماء في الشمال، ثم من جهات تيماء تمتد نحو الجنوب الشرقي إلى الأطراف الشمالية الشرقية لحرّة ليلى، ثم تمتد نحو الشمال الشرقي إلى لبِّ رمال عالج (النفود الكبير) حول جبل عرنان. ومن أشهر هذه المعالم:
أ- أجبال صُبْح: لبني حِصْن بن حذيفة، وهرم بن قطبة، قال الشاعر:


أَلاَ هَلْ إلَى أَجْبَالِ صُبْحٍ بِذِي اْلغَضَا



غَضَا اْلأَثْلِ مِنْ قَبْلِ المّمَاتِ مَعَادُ؟!



بِلاَدٌ بِهَا كُنَّا وكُنَّا نُحِبُّها





إذ الأَهْلُ أُهْلٌ والبِلاَدُ بلادُ



وقال أرطأة بن سُهَيّة المرِّي:


حَمَوْا عَالِجاً إلاَّ على مَنْ أطَاعَهُمْ




وأَجْبَالَ صُبحٍ كُلَّها فالحرائِرَا



وأجبال صبح تعرف اليوم باسم ظلما().

ب- جبل عرنان: قيل فيه أقوال كثيرة أصحها قول نصر:عرنان: مما يلي جبال صبح (ظلما) من بلاد فزارة. وهذا هو الواقع، ويوصف عرنان بكثرة الوحوش.
قال القتّالُ الكِلاَبيُّ:


وما مُعْزلٌ مِنْ وحشِ عِرنَان أَتْلَعَتْ




بِسنَّتِها أَخْلَتْ عليها الأَدَاعِيُ


وقال بشر بن أبي خازم:


كأَنِي وأَقْتَادِي على حَمْشةِ الشَّوَى



بِحَرْبَة أوطاوٍ بِعُفَانِ موجِس


 
تمَكَّثَ شيئاً ثُمَّ أنْحَى ظُلُوفَهُ


يُثِيْرُ التُّرابَ عَنْ مَبِيتٍ ومكنَسِي


أطَاعَ له مِنْ جَوِ عَرنَانَ بَارِضٌ


وَنَبْذُ خِصَالٍ في الخَمَائِلِ مُخلِسِ



فهو أخصب مراتع الوعول وأطيبها، ولا نزال نسمع بين حين وآخر من أصطاد وعلاً في عرنان، ولكن ذلك من النادر، فقد قضى على أثرها فيه في هذا الزمان الصيد الجائر.

ج- وادي قوًّ: وهذ وادٍ عظيم يخترق الجهراء (الجناب قديماً) من الجنوب إلى الشمال، جاعلاً جبلي رؤاف وبرد يمينه، وهما جبلان لفزارة، مواصلاً مجراه في هذا الاتجاه حتى يفيض في المنخفضات الشمالية ما بين جبلي برد وغنيم. وأنشد الهجري لابن الدُّهَيِّ:


خَلِيلَيَّ سِيْرَا واجْعَلاَ هضب وابش



مَدَى الطَّرْفِ مِنْ أعْضَادِهِنّ المَيَاسِرِ


ومُرَّا على قوٍّ فقِيلا بِدومِهِ


وَرُوْحَا إذا فاءت ظِلاَلُ الهَوَاجر

فإنْ عسى أن تَسْلَمَا وتَغَنَّما


إذا قِيْلَ: تَرعَى بَالمُرَيْرِ الأباعِر


فائدة لغوية:
لقد استرعى انتباهي دقة المعنى اللغوي في قول الشاعر: ((إذا فاءت ظلال الهواجر)) وللاستفادة من معرفة الفرق بين الظل والفيء، قال الإمام اللغويّ أبو علي الهجري : يُعْرَفُ الظِّلُّ من ثلاث جهات ما نسختهُ الشَّمْسُ في مكانِهِ عند طُلُوعِهَا، والثاني: أنَّهُ يَنقُصُ إلى أن تَزُولَ الشَّمسُ، والثالث: أنّهُ ما كان مِنْ أوّلِ النَّهَارِ إلى زوالِ الشَّمسِ، ويُعْرَفُ أيضاً الفَيْء من ثلاث علامات: هو ما كان فيه الشَّمسُ فَعَادَ مكانُهُ ظِلاًّ، والثاني: أنّ الفَيْء يَزِيدُ إلى غَيَابِ الشَّمسِ. والثالث: أنَّهُ مِنْ زَوَالِ الشَّمسِ إلى غَيْبَتِها، ويجوز أنْ يُسمَّى ظل الغداة فَيْئاً، فكُلُّ فَيْءٍ ظِلٌّ وليس كُلُّ ظِلٍّ فيْئاً.
2- الصلعاء: وهي الأرض المنبسطة الواقعة بين اجتيازك وادي الرمّة من الحاجر في طريق الحاج الكوفي إلى النقرة، قال في كتاب: "المناسك: 319" في وصف الطريق من الحاجر إلى مكة: (قرورى على ثلاثة عشر ميلاً من الحاجر، وهي المتعشَّى، وهي أرض مستوية لا ترى فيها جادّةً، تُسمَّى الصلعاء، وفي مثلها توجد الكمأة، وهي أرض معمورة، وهي لبني عُمَير. وقرورى هو الجبل المشرف على المتعشّ مفرد وعليه علمٌ بيّن، وبه بركتان في موضع واحد؛ يمنة ويسرة. عند القصر. والقصر يمنة، والجبل يسرة وعليه علم وإحدى البركتين زبيدية مدورة، والأخرى مربعة يسرة، وعند الجبل أربع آبار واحدة منها ماؤها كثير وهي مربعة. وإذا خرج الخارج من (قَرَوْرَى) فإنه يسير في أرض سهلة دحس لا تبيّن المحاج فيها). انتهى

وفي "معجم شمال المملكة: 2/785" حدّد الشيخ حمد الجاسر أرض الصلعاء وقال: تقع جنوب وادي الرمّة بين امتداده من مشاش (جاوان) حتى البعايث (الحاجر)، ثم من البعايث جنوباً حتى جبل (ديم) هذا من الناحية الشرقية، ومن الغرب من مشاش جاوان حتى النقرة الشمالية...
وأقول: من أبرز الأعلام وأشهرها في هذه الصحراء جبل أُمِّ رُقَيْبَة (قرورى قديماً)، وأسناف اللحم وفي أصله تلقاء أمِّ رقيبة آثار، يظهر أنها آبار وبرك للحاج، وجبل (ديم).
وفي عام 580 هـ مرّ ابن جبير في رحلته بجبل قرورَى في وسط الصلعاء، وقد سمّاه (قاروره) بزيادة ألف بعد القاف وإبدال الألف المقصورة الأخيرة (هاء) مربوطة، محرفاً عن الأصل. ووصف أرضه، وهي أرض الصلعاء وصفاً جميلاً وشيقاً، قال: (ونزلنا ليلة الخميس من السادس عشر لمحرم وسادس يوم رحيلنا – يريد من المدينة المنورة – على ماء يعرف بالقاروره، وهي مصانع مملوءة بماء المطر، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد، وما أرى أن في المعمورة أرضاً أفسح بسيطاً، ولا أوسع أُنفاً، ولا أطيب نسيماً، ولا أصح هواءً، ولا أمدّ استواءً، ولا أصفى جوّاً، ولا أنقى تُربةً، ولا أنعش للنفوس والأبدان، ولا أحسن اعتدالاً في كل الأزمان من أرض نجد، ووصف محاسنها يطول والقول فيها يتسّع، وفي الخميس المذكور مع ضحوة النّهار نزلنا في الحاجر). انتهى. وفي الصلعاء كان يوم من أيام العرب في الجاهلية يسمى يوم الصلعاء، لهوازن على غطفان، قال النّوَيري... غزا دّريد بن الصّمّة غطفان بالصلعاء، فخرجت إليه، فقال لصاحبه، ما ترى؟ قال: أرى خيلاً عليها رجال كأنهم الصبيان، أسنتها عند آذان خيلها()، قال: هذه فزارة، ثم قال: انظر ما ترى؟ قال: أرى قوماً كأن عليهم ثياباً غُمست في لجاب المعزى(). قال هذه أشجع، ثم قال: انظر ما ترى؟ قال: أرى قوماً يجرون رِمَاحهم سوداً يخدُّون الأرض بأقدامهم، قال: هذه عبس أتاكم الموت الزؤام فاثبتوا فالتقوا بهم بالصلعاء، فاقتتلوا فكان الظفر لهوازن على غطفان، وقتل دريدُ ذؤابَ بن زيد بن قارب العبسي، انتهى، وقال دريدُ بن الصّمّة:


قَتَلْتُ بعبدالله خَيرَ لِدَتِهِ



ذؤابَ بن أسماء بن زيد بن قارب


ومُرَّةُ قد أخرجتُهُمْ وتَرَكتَهُم



يَرُوغُونَ بالصلعاء رَوْغَ الثَّعَالِبِ



ويظهر أن النويري قد خلط بين يوم اللّوَى ويوم الصلعاء؛ فالأوّل: لغطفان على هوازن، وكان من أمره أن غزا عبدالله بن الصّمّة وأخوه دريد ومعهم بنو جشم وبنو نصر من هوازن – غطفان، فاستاقوا أموالهم، فلما كانوا في مكان غير بعيد عنهم، أمر عبدالله بن الصّمّة رئيس الغزاة أن يبيتوا، وقد نهاهم دريد عن هذا، فعصوه، فما لبثوا إلا وقد لحقت بهم غطفان – فزاره أشجع عبس – فسألوا طليعتهم الأسئلة وأجوبته عليها، كما أوردها النويري في يوم الصلعاء، فتلاحقوا بالمنعرج من رميلة اللوى – عريق الدسم – فاقتتلوا، فقتل رجلٌ من بني قارب من عبس عبدالله بن الصّمّة، وسقط دريد مصاباً بجروح بليغة، فتظاهر عند وقوفهم عليه أنه قد مات، فاعتقدوا ذلك، فلما نجا دريد من الموت قال – من قصيدة له – :


أمرتُهم أمري بمنعرج اللّوَى



فلم يستبينوا الرُّشدَ إلا ضحى الغدِ


فلما عصوني كنت منهم وقدأرى


غوايتهم وأنني غير مهتدِ

وهل أنا إلاّ من غزِيّة إن غوتْ


غويتُ وإن ترشُد غزية أرشدِ




والثاني: لهوازن على غطفان، وقد جاء ثأراً لمقتل عبدالله بن الصّمّة في الصلعاء، وفي هذا اليوم ظفر دريد بقتل ذؤاب العبسي ثأراً لأخيه.
والصلعاء كانت في الجاهلية من ديار عبس، ثم أصبحت بعد ظهور الإسلام من ديار فزارة(). وكان عيينه بن حذيفة رئيس غطفان في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم قد نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدخل العلوج – أي الأعاجم – المدينة المنورة، وقال: كأني برجلٍ منهم قد طعنك هنا، ووضع يده تحت سرته، وهو الموضع الذي طُعِنَ فيه، فلما طعنه أبو لؤلؤة لعنه الله قال: إنَّ بين النقرة والحاجر لرأياً. وكان يشير إلى عيينه وأن منازل قومه آنذاك كانت بين النقرة والحاجر()، وهي أرض الصلعاء.
ومن مشاهير بني فزارة:
بدر بن عمرو؛ قتيل بني أسد، وحذيفة بن بدر، قتيل بني عبس، وهو صاحب الفرس الغبراء، التي بسببها كانت حرب داحس والغبراء، ودامت على ما في الأخبار الطوال أربعين سنة، وهي مستعرة بين أهل نسب وحسب واحد، وحِصن بن حذيفة؛ قتيل بني عُقَيل من بني عامر، وهو الذي على يده عُقِدَ الصلح بين بني ذبيان وبني عبس، وبموجبه تمّ إنهاء الحرب بينهما في جبل قطن()، وكان الحُطَيْئةُ قد شهد التنافس بين عيينه بن حصن بن حذيفة وزبّان بن سيّار على رئاسة غطفان وفضل عيينه على زبّان بما قدّم آباء عيينه له من مجدٍ يصعب التطاول عليه فقال:-


أَبَى لَكَ آباءٌ أَبَىَ لَكَ مجدهم



سوى المجد فانظرْ صاغراً من تنافرُه


قبُورٌ أصَابَتْها السّيُوفُ ثلاثةٌ
أرى


نجومٌ هوتْ في كُلِّ نجمٍ مَرَائِرُه

فقبرٌ بأجبال وقبرٌ بِحَاجرٍ


وقبرُ القَلِيْبِ أسعَرَ الحربَ سَاعِرُه


وشرُّ المنايا هَاِلِكٌ وسطَ أهلِهِ


كهُلكِ الفَتَاةِ أيقظ الحيَّ حَاضِرُه



"فقبر بأجبال" يعني قبر بدر بن عمرو، و"قبر بحاجر" يعني قبر حصن بن حذيفة، و"قبر القليب" يعني الهباءة؛ قبر حذيفة بن بدر().
وعيينة بن حصن بن حذيفة رئيس غطفان في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد أغار على إبل النبيّ صلى الله عليه وسلم – قبل إسلامه – وهي في الغابة فنهبها، فردّتْ منه، وكان أحد رؤوس الأحزاب في غزوة الخندق، أسلم قبل الفتح وشهد فتح مكة وحُنَيناً والطائف، وكان من المؤلفة قلوبهم، وبعثه النبيَ صلى الله عليه وسلم إلى بني تميم، فسبى بعض بني العنبر وزوّج ابنته (أم البنين) من الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان قد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجرة عائشة، فقال: من هذه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة، فقال: أفلا أنزل لك عن خير منها.. فغضبت عائشة وقالت: من هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا الأحمق المطاع()، وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان ممن ارتدّ عن الإسلام، وانضمّ إلى طليحة بن خويلد في (بزاخة) وهناك دارت معركة حامية الوطيس، انتهت بهزيمة المرتدين، وفيها أسر خالدٌ بنُ الوليد عيينه، فوثقه، وبعثه إلى المدينة، وهناك نُكِّل به، على يد الصبية من أهل المدينة، فأسلم وحقن دمه أبوبكر()، فساءت أحواله، ثم عمي في إمرة عثمان بن عفان رضي الله عنه()، ولم أقف على تاريخ وفاته.
وبيت آل بدر في فزارة أحد بيوتات العرب الخمسة، قال أبو علي الهجري: بُيُوتات العرب: بيت تميم إلى حَاجَب بن زُرَارةُ، وبيت ربيعة قيسُ بن مسعود ذِي الجدَّيْنِ، وبيتُ قيس عَيْلان إلى آل بدر من فزارة، وَبَيْتُ ضبّة إلى ضِرَارِ بن المنذر بن حسّان، وَبَيْتُ كِنْدَةَ إلى الأَشْعَث بن قيس(). وبنو بدر هؤلاء تمثل فيهم في هذا المعنى ابن مَيّادةَ، وقال:


تُيَمِّم خيرَ النَّاس مَاءً وحَاضِراً



وتَحْمِلُ حَاجَاتٍ تضمنَّها صدرِي


فإنِّي على رَغْمِ الأَعادي لَقَائِلٌ
أرى


وَجَدْتُ خِيَارَالنَّاسِ حيَّ بني بدرِ


لهم حَاضِرٌ بالهجمِ لم أرَ مِثْلَهُمْ


مِنْ النّاسِ حيّاً أهل بدوٍ ولا حضرِ



وخيرُ معدٍّ مجلساً مجلسٌ لهم



يَفِيءُ عليه الظّلُّ مِنْ جَانِبِ القصرِ

أخُصُّ بِهَا روقى عُيَينة أنّه


كذاك ضحاحُ الماء يأوِي إلى الغَمْرِ

فأنتُمْ أحقُّ النّاس أن تتخيروا


المياه وأن تَرْعَوْا ذُرَى البلد القّفْرِ


ومنهم – أيضاً – بغيض بن مالك من بني عّدِيّ؛ اجتمعت عليه قيس في الجاهلية، ويزيد بن عمرو بن هبيره والي العراقيين وأبوه أيام يزيد بن عبدالملك()، وآخرون يطول ذكرهم.
ومن النساء:
1- أُمُّ قِرْفه: وهي التي كانت العرب تضرب بعزِّها المثل وتقول: ((لو كنت أعزَّ من أُمِّ قرفه ما زدت)) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية بقيادة زيد بن حارثه إلى وادي القرى، وهناك اشتبك مع جماعة من فزارة، وقتل عدداً منهم، وأسر أمَّ قِرفه؛ وهي: فاطمه بنت ربيعه بن بدر، وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر، فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أمُّ قرفة، فقتلها قتلاً عنيفاً؛ بربط رجليها بحبلين، ثم ربطهما إلى بعيرين، حتى شقاها شقاً، وكانت عجوزاً كبيرة، وهذا العنف في قتل أمّ قرفه يعزى إلى غزوة لزيد بن حارثة على بني فزاره أيضاً في وادي القرى في شهر رجب من السنة السادسة للهجرة، وقد قُتل عدد من أصحابه فيها، وأصيب هو بجروح بليغة، على يد أحد بني بدر، فلما استعاد قوته كانت له هذه الغزوة، التي قتلت فيها أمّ قرفه في شهر رمضان من السنة نفسها().
2- سلمى أُمُّ زِمْل بنت مالك بن حذيفة بن بدر: وهي بنت أم قرفه المتقدم ذكرها، وكانت قد سُبِيتْ في مقتل أمها، فجيء بها إلى المدينة، وكانت من أجمل النساء، فوهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وقعت لعائشة فأعتقتها، فذهبت إلى قومها، وكان فلول المرتدين من غطفان قد اجتمعت إليها بعد معركة (بزاخه)، وهي في (ظفر) من أرض فزارة، فألهبت فيهم نار الحماسة، وفي ذلك يقول الطبري: (فاجتمعت تلك الفلال إلى سلمى، وكانت في مثل عزّ أمها، وعندها جمل أم قرفه، فنزلوا إليها، فذمّرتهم، وأمرتهم بالحرب، وصعّدتْ سائرة فيهم، وصوّبت تدعوهم إلى حرب خالد، حتى اجتمعوا لها وتشجعوا على ذلك، وتأشّب إليهم الشرداء من كل جانب... من غطفان وهوازن وسليم وأسد وطئ، فلمّا بلغ ذلك خالداً، وهو فيما فيه من تتبُّع الثأر، وأخذ الصدقة ودعاء النّاس وتسكينهم سار إلى المرأة، وقد استكثف أمرها وغلظ شأنها، فنزل عليها، وعلى جمّاعها، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهي واقفة على جمل أمها، وفي مثل عزّها، وكان يقال من نخس جملها فله مائة من الإبل لعزها، وأبيرت يومئذٍ بيوتات من جاس من غنم وهاربة من غنم، وأصيب في أناس من كاهل، وكان قتالهم شديداً حتى اجتمع على الجمل فوارس فعقروه، وقتلوها، وقتل حول جملها مائة رجل...)().
وظفر الذي وقعت المعركة فيه، وفيه أيضاً قتلت سلمى الفزارية جبل لا يزال معروفاً، ولكنه ينطق بصيغة المؤنث (ظفرة)، قال حمد الجاسر – بعد أن أورد الشواهد عليه – : وظفرة هذا جبل أسود ذو رؤوس سود متفرقة يجمعها أصل واحد، ويقع شرق بلدة الشملي بما يقارب 44 كيلاً، وجنوبه قرية الفيضة فيضة ابن سُوَيْلم بما يقارب 30 كيلاً بينها وبين هذه القرية هضاب تدعى أم عِدْلّيْن()...
3- هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري: تزوجّها بشر بن مروان، بعد أن مات عنها عبيد الله بن زياد، فولدت له عبدالملك بن بشر، ثم تزوّجها الحجاج بن يوسف الثقفي، فافترقا بالطلاق().
4- خولة بنت منظور بن سيّار الفزاري: تزوّجها محمد بن طلحة بن عبيد الله، فولدت له إبراهيم وداود وأم القاسم، ثم قتل عنها يوم الجمل، وتزوّجها الحسن بن علي بن أبي طالب، فولدت له الحسن بن الحسن().

قال الشاعر:


إنّ الندى في بني ذُبيان قد علموا



والجود في آل منظور بن سيّارِ


الماطرين بأيديهم ندىً دِيمَا
أرى


وكُلَّ غيثٍ من الوسمي مِدْرَارِ

تزور جاراتهم وَهْنَا فواضلهم


وما فتاهم لها سرّاً بزوّارِ

ترضَى قريش بهم صهراً لأنفسهم


وهم رضىً لبني أختٍ وأَصْهَارِ



5- أم البنين بنت عيينه بن حصن: زوجة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ب
- بنوثعلبهبنسعدبنذبيان:

ومنهم: بنو الحارث، بنو مازن، بنو بجالة، بنو رزام، بنو أمة، بنو ناصره()، بنو هاربه، بنو ناشب، بنو ناشرة، بنو عُمَير بنو جحّاش – جمع جحش –، وبنو عُوَال، وهذا البطن الأخير يضاف إليه حزم، يقال له حزم بني عُوَال، وفيه حِبْسهم (سدماء) وعنده تنقطع حرّة بني سليم().
وبلادهم تمتدُّ من الأطراف الجنوبيّة لحرّة النّار شمالاً إلى أقصى حدود حِمَى الربذة جنوباً، ومن ديار بني محارب مابين حسو عليا ووادي الجرير() شرقاً، إلى (حَجْر) و(قَلَهَى) و(دومة) و(الحجون) في الجانب الشمالي الشرقي لحرّة بني سليم غرباً، وهي التي عناها زهير بن أبي سلمى، في معرض تحذيره بني تميم من مغبّة غزو غطفان، وهم بمنازلهم، في هذه الجهة من بلادهم قائلاً:


أَلا أَبْلغْ لديك بني تميم


وقد يأتِيك بالنُّصْح الظّنُونُ

بأن بُيُوتَنَا بمَحَلِّ حَجْرٍ


بكُلِّ قَرَارةٍ منها نكونُ

إلى قَلَهَى تكونُ الدّارُ مِنَّا


إلى أكنافِ دَوْمَةَ فالحَجُونُ

بأوديةٍ أسَافِلهُنّ روضٌ


وأَعلاَها إذا خِفْنَا حُصُونُ

نَحلُّ سهُولَها فإذا فَزَعنَا


جَرَى منهنّ بالآصال عُونُ



و"حجر" و"قلهى" قريتان؛ الأولى: لاتزال معروفة، وتدعى الحجريّة، وقد مررت والشيخ ناصر بن عياد ابن رميح بها في 28/2/1433هـ وقد أدركتنا صلاة الظهر فيها، وبعد انقضاء الصلاة كان لنا بجوار المسجد حديث، مع بضعة رجال من أهلها عن بعض المواضع، ومن بينها جبل القنينه الذي كان يضاف إليها منذ عهد بعيد، فإذا هو مطل على القرية من مطلع الشمس، وقد وصلت إليه في عصرنا هذا مبانيها، وقد ذكره عرّام بن الأصبغ السلمي في القرن الثالث من الهجرة بعد ذكره الرحضية()... قال: وحذاءها قرية يقال لها الحجر، لبني سليم خاصة، وماؤها عيون، وحذاءها جُبَيل شامخ يقال له قُنّة الحجر.

قال الشاعر:

أَلا ليت شعري هل تغيّر بعدنا؟


أروم، فأرام، فشابه، فالحضر؟

وهل تركت أُبْلَى سواد جبالها؟






وهل زال بعدي عن قنينته الحجر؟



ومن ألطف ما قرأت في ذكره قصيدة لشاعرة من البادية تستخطب فيها صاحباً لها من دون أن تبوح باسمها لا باسمه، وفيها تقول:


يا ونّتي ونّيتها في القنانه()



والضلع أبو الريحان من ونّتي ونّ

يا مرسلي قل له: تقل لك فلانه


وجدي على لاماك يا (هنّ ابن هنّ)

أخلط لك السكر بتمر اللبانه


بضايعٍ في السوق ما قطّ سِيْمَنّ

وادي حجر يذكر تعدّى صفاْنه


وأن الوَدَايا في حجر ساعٍ أفننّ



فقد كانت بليغة، فهي تكني بالسكر والتمر في البيت الثالث عن نفسها بما لا يحسن التصريح به، وبتعدي وادي حجر لصفينه وأن النخل فيه قد حان اقتطاف ثمارها عن كونها قد بلغت مبلغ النساء في الزواج.
والثانية: غير معروفة، ولكن يرى أحد الباحثين() أن قلهى هي ما يعرف اليوم باسم "الغُبَيّة" وهذه آثار من المباني المبنيّة بالحجارة، فوق حريرة هابطة في الأرض، عند ملتقى وادي الجعير "ذو رولان قديماً"() بوادي الخليج، على حافته الجنوبية. إمّا "دَوْمَةَ" و"الحجون" لا يزالان معروفين، وهما اسمان لموضعين من وادٍ واحد، ينطلق سيله من جبل أحامر؛ أحد جبال "أُبْلى" متجهاً صوب الشمال، حتى يفيض في وادي الشعبة، فأعلاه يسمَّى (أبو دومه) وأسفله يعرف باسم (الحجون)().
ثم تمتدّ في الجهة الشمالية الغربية امتداداً لحزم بني عُوَال، حتى مشارف المدينة المنورة()، وبهذا تشمل بلادهم مساحة كبيرة مما كان يعرف قديماً بأرض الشرَبّة().

ومن معالم ديارهم:
1- الجبال منها: رحرحان، القهب، هضب الهاربية، هضب المنحر، أبرق العزّاف()، راكس، حزم بني عُوَال()، شابة().
2- المياه ومنها: بطن نخل: وادٍ ذات مياه كثيرة، يشاركهم فيه فروع من غطفان، وقد أصبح في هذه العهد مدينة كبيرة تُدعَى (الحناكية)()، وغدير قلهى، وأعوج، والعزّافه، وحمامة، وجفر القهب وغيرها.
3- الفَلَوات ومنها:
أ- اللعباء: صحراء متباعدة الأطراف، تقع جنوباً شرقياً من الحناكية، متصل طرفها الجنوبي برمل القوز، قال البكري: بين الربذة وبين أرض سليم، وهي لفزارة، وبني ثعلبه، وبني أنمار بن بغيض..، وتوسّع البلادي في وصفها وقال: صحراء واسعة جنوب شرقي الحناكية، بينها وبين الربذة، تتخللها أودية وحزوم وقيعة.. ثم قال: وهي اليوم خبت واسع، من ضفة وادي الشعبة اليمانية: (معالم الحجاز: 7-8/1472). وهذه هي التي يقول فيها الشاعر كثيّر:


سقى الكّدر فاللعباء فالبُرق فالحِمَى



فلوذَ الحصى من تغلمين فاظلما

فأروى جنوب الدونكين فضاجعاً


فدرّاً فأُبْلَى صادق الوبل أسحما

تثج رواياه إذا الرّعد زجّها


بشابة فالقهب المزاد المحذلما



ب- الربذة(): قرية كانت عامرة بالسكان، في طريق الحاج الكوفي، لقوم من ولد الزبير بن العوام، وكانت لفزارة، وهي في وسط فلاة من أكرم الأماكن موضعاً، وأطيبها مرعىً، ولهذا جعلها الخليفة عمر بن الخطاب حِمىً؛ لإبل الصدقة، وكان حِمَاه الذي أمر به، وعُرِف تاريخياً بـ "حمى الربذة" بريداً في بريد()، ثم توسعت الولاة فيما بعد في زيادة رقعته إلى أن شمل دائرة واسعة حول الحِمَى، وفي كتاب "أبو علي الهجري" بحث مطوّل عن هذا الحمى وحدوده، لا مثيل له عند غيره.
من الأحداث التاريخية القديمة التي وقعت على بني ثعلبه؛ أهل الربذة القدامى ما رواه صاحب كتاب "المناسك" عن عبدالرحمن بن بشر عن أبي عمرو الباهليّ عن الأصمعي عن أبي الزناد، قال: قدم على عمر قوم فرأى إبلهم خماصاً، فقال: أسأتُم السير، وعذبتُم هذه البهائم؟ قالوا: لا، ولكن جلاتنا بنو ثعلبة بن ذبيان عن الربذة، فوجّه إليهم جيشاً حتى أجلاهم(). وأقول: كان لهم أيضاً مثل هذا في عهد الخليفة أبي بكر الصديق أيام الردة، فقد قاد بنفسه حملة على بني ثعلبه ومن يليهم من بني عبس وبني مرة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكان النصر لأبي بكر الصديق على بني ثعلبه بن ذبيان، ثم أجلاهم عن بلادهم، وقد أورد الطبري خبر هذه الحملة وقال: ((... فخرج في تعبيته إلى ذي حسى() وذي القصه.. حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق فاقتتلوا فهزم الله الحارث وعوف()، وأخذ الحطيئة أسيراً، فطارت عبس وبنو بكر()، وأقام أبوبكر الصديق على الأبرق أياماً، وقد غلب بني ذبيان على البلاد، قال: حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد، إذ غنمناها الله، وأجلاها... وحمى الأبرق لخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة النّاس على بني ثعلبه، ثم حماها كلها لصدقات المسلمين، لقتال وقع بين الناس، وأصحاب الصدقات، فمنع بذلك بعضهم من بعض...))().
ولعل هاتين الحادثتين هما اللتان مكنتا قوما ً من ولد الزبير بن العوام أن يحلُّوا محل بني ثعلبه في الربذة()، وآخرين من بني أبي طالب بالأبرق()، مما يدل على أن بني ثعلبه كانوا بين حين وآخر يعودون إلى بلادهم التي أجلاهم عنها أبوبكر الصديق أولاً، ثم عمر بن الخطاب ثانياً، لأسباب تعود – على ما يبدو – إلى حروب الردة، وهو ما سمح لاحقاً لفروع من بني سليم أن ينتشروا في المواضع الغربية والجنوبية من بلادهم القديمة، والشيء نفسه لبني محارب في المواضع الشرقية والشمالية والوسط.
وفي خلافة عثمان بن عفان أمير المؤمنين انتقل أبوذرٍّ الغفاري صاحب رسول الله إلى الربذة مغاضباً، فسكنها وله فيها قصر ومسجد وبئر، وبها مات ودفن، وقد أورد صاحب كتاب: "المناسك" بعض أقوال من سأله في زمانه من أهل الربذة عن مكان قبره رضي الله عنه وقال: وقد اختلف أهل الربذة في قبره، فقيل ليّ: هو تحت المنبر، وقيل: لا، بل تحت المنارة، وأخبرني شيخ قديم أن قبره في رحبة المسجد، وأراني موضعاً فيه حشيش أخضر لا يجف ولا يتغيّر شتاءً ولا صيفاً. ثم ذكر أن فيها عدداً كبيراً من الآبار، وعدّ من خيارها أربع عشرة بئراً، منها بئر المسجد، وهي بئر أبي ذرٍّ.
قلتُ: لقد أظهرت الحفريات التي قام بها علماء الآثار عن الربذة أنقاض مبانيها، بعد أن ظلت تحت الأرض مئات السنين، ومنها بات واضحاً وجود مسجد لأهلها في الجهة الشمالية الغربية منها، وبئر تكاد تكون ملاصقة بجدار المسجد من الشرق، وكان رجل من البادية قد بعثها قبل اتضاح أمرها، فجعلها مورداً للبادية، ثم شملها السياج الذي أحيط به موقع القرية، حفاظاً على ما بقى من آثارها.

سعد الرشيدي 31-12-2012 09:53 PM

أيام حرب داحس والغبراء
وتحسن الإشارة إلى أن بلاد بني ثعلبه من ذبيان قد شهدت في الجاهلية بداية ونهاية حرب داحس والغبراء، مثل: يوم اليعمرية في بطن نخل الحناكية، ثم المريقيب، ثم ذي حسى "حسو عليا"، ثم جفر الهباءة، فذات الجراجر، وغيرها. ومن أهم أحداث أيام تلك الحرب ما حدث على شفا جفر الهباءة، ذلك المكان الذي قُتِل فيه حذيفة بن بدر الفزاري سيد بني ذبيان، ومن معه من قومه، على يد قيس بن زهير سيد بني عبس، بمشاركة بضعة فرسان من قومه، ما زاد الحرب اشتعالاً بين عبس وذبيان، وألبس ذلك الموقع تاجاً من الشرف الخالد في صفحات التاريخ.
ولوقوع هذا الموضع في بلاد بني ثعلبه، مع ما يحمل من معنى عظيم في المجد والعزّ يستحسن أن ندخل ضمن هذا الحديث عن بلادهم ما سبق وأن نشر ليّ في مجلة "المسبار" حول تحديد موقعه، لتعميم الفائدة، ومما جاء فيه:

 
 
 
جفر الهباءة بين وادي بيضان ووادي اليعمله


لقد نقل مقتل حذيفة عند جفر الهباءة ذلك الموقع من مستنقع لماء المطر، لا تتجاوز معرفته آنذاك حدود من حوله من أهل البادية إلى علم صار من أكثر الأعلام شيوعاً وأبعدها ذكراً في المراجع التاريخية والأدبية قديماً وحديثاً، إلا أن ما يثير الاستغراب أن تحديد موقعه تحديداً شافياً ظل على مر الزمن غير متفق عليه، ولذلك دعونا نلقي نظرة على بعض أقوال من عنى بذكره من المؤرخين، وتطبيق ما جاء فيها ميدانياً على أرض الواقع، لعلنا بذلك نهتدي إلى معرفة موقعه، أو تحديد الموضع الذي يقع المكان بجزء منه، فلنبدأ، لنرى:
قال ياقوت: جفر الهباءة: اسم بئر بأرض الشّرَبّة قتل بها حذيفة وحمل ابنا بدر الفزاريان()..، ثم قال في مكان آخر: الهباءة: قال ابن شميل الهباء التراب الذي تطيره الريح فتراه على وجوه النّاس وجلودهم وثيابهم، وتأنيثه للأرض: وهي الأرض التي ببلاد غطفان قُتِل بها حذيفة وحَمَل ابنا بدر الفزاريان، قتلهما قيس بن زهير(). وجفر الهباءة: مستنقع في الأرض، وقال عرّام: الصحن جبل في بلاد بني سليم فوق السوارقية، وفيه ماء يقال له الهباءة، وهي أفواه آبار كثيرة مخرقة الأسفل يفرغ بعضُها في بعض الماء العذب الطيب ويزرع عليه الحنطة والشعير وما أشبهه؛ وقال قيس بن زهير العبسي:


تعلّمْ أنّ خيرَ النّاسِ ميتٌ


على جفر الهباءة لا يريمُ

ولولا ظلمه مازلت أبكي


عليه الدهر ما طلع النجومُ

ولكن الفتى حمل بن بدر


بغى والبغي مصرعه وخيمُ

أظن الحِلمَ دلّ على قومي


وقد يستهجلُ الرجل الحلمُ

ومارست الرجال ومارسوني


فمعوجٌ عليّ ومستقيم



وقال أيضاً قيس بن زهير من أبيات:


شفيت النفس من حمل بن بدر


وسيفي من حذيفة قد شفاني

شفيت بقتلهم لغليل صدري


ولكني قطعتُ بهم بناني





وقال صاحب المناسك: وذات أحباب من أرض بني سليم، من موقع يقال له بيضان، وهو وادي الهباءة، الذي قتل فيه قيس بن زهير من قتل().
وقال البكري: الهباءة: ممدودة، على وزن فعالة، قد مضى ذكره محدد في رسم الربذة() وفي رسم (شواحط). كانت فيه حرب من حروب داحس، لعبس على ذُبيان. وفيه قتل الربيع بن زياد حَمَل بن بدر، وقال قيس بن زهير يرثيه:


تعلّمْ أنَّ خير النّاس ميِّتٌ


على جفر الهباءة لا يريمُ



وقال عَقِيل بن عُلّفة:


وإنّ على جفر الهباءة هَامةً


تُنَادِي بني بدرٍ وعاراً مُخّلَّداً



وكان قد ذكر قبل هذا في رسم (شواحط) نقلاً عن عرّام السلمي وقال:... وحذاءه وادٍ يقال له بيضان، فيه آبار كثيرة، يُزرعُ عليها، وحذاءه بلد يقال له الصحن، وفيه يقول الشاعر:


جَلَبْنا من جنُوبِ الصَّحْنِ جرداً


عِتاقاً سَيْرُها نَسْلاً لنسلِ

فوافينا بَهَا يومى حُنَيْنٍ


نَبِيَّ اللهِ جدّاً غير هزلِ



وفيه مياه يقال لها الهباءة،آبار كثيرة منخرقة الأسافل يفرغُ بعضُها في بعض، عذبة يزرع عليها()..
وقال أبو علي الهجري وهو يتكلم على حِمَى الربذة مبتدئاً من جبل رحرحان، ومنهياً مساره على شكل دائرة حول الحمى، حتى عاد إلى رحرحان الذي بدأ مساره منه، آتياً إليه من الشمال، ومما قال فيه...، ثم يليها جبال يقال لها اليعمله، وبها مياه كثيرة، بوادٍ يقال له وادي اليعمله، وهي في أرض بني سليم وناحية أرض محارب، ومياهها مشتركة بين الحيّيْن، وبين الربذة واليعمله ثلاثة عشر ميلاً، قال عامر الخصفي:


أحْيَا أباه هَاشِمٌ بن حَرْمَلَةْ


بَيْنَ الهباءات وبَيْنَ اليَعْمَلَهْ

ترى الملوك حَوْلَهُ مُغَرْبَلَهْ


يَقْتُلُ ذا الذّنبِ ومَنْ لاَ ذَنْبَ لَهْ



ثم الجبال التي تلي اليعمله: هضاب حمرٌ عن يسار المصعد تُدْعَى قواني، واحدتها قانية، وهي في أرض حَرّة لبني سُلَيمٍ بينها وبين الربذة اثنا عشر ميلاً()...
وقال مؤلفو كتاب: "أيام العرب في الجاهلية"، وهم يتكلمون عن أيام حرب داحس والغبراء ما نصه: فتوافوا بذي حسى، وهو وادي الهباءة في أعلاه. وأقول: ذو حسى هو ما يعرف في يومنا هذا بـ (حسو عليا)، وكان قد جرى فيه يوم من أيام تلك الحرب.
واستعرض البلادي في رسم جفر الهباءة الكثير من هذه الأقوال، وقال: ويوجد مكان حول السُّوِارقيّة بهذا الاسم، وقد مرّ معنا عرضاً في هذا الكتاب() في (بيضان)، وقد حذفت هاءه هناك، ولعله للجمع، وهو اليوم في ديار بني عبدالله بن غطفان، ولكن هذه الأرض كانت أيام حرب داحس والغبراء من ديار بني سليم، ولكنها ليست بعيدة عن ديار غطفان، وجمعها الشاعر فقال:


أحْيَا أباه هَاشِمٌ بن حَرْمَلَةْ


بَيْنَ الهباءات وبَيْنَ اليَعْمَلَهْ



وهذا يوحي بأنها قريبة من الربذة. وهاشم هذا هو ابن حرمله بن الأشعر رئيس بني مرّه بن عوف بن ذبيان، فلما قتله قيس بن الأسوار الجشمي، قال:


أنا قتلت هاشم بن حرمله


بين الهباءات وبين اليعمله



 
وهذا يؤكد أنها من منازل بني ذبيان، وبنو ذبيان، وبنو سليم كانوا جيرة.
ومما تقدم ذكره عن جفر الهباءة يتضح أن الاسم كان يطلق على موضعين: أحدهما في وادي بيضان في ديار بني سليم القديمة، ولايزال معروفاً باسم (هبا)، والآخر قريباً من جبل اليعمله (الحندوري حالياً) بجهة الربذة في ديار بني ثعلبه بن سعد بن ذبيان من غطفان، وقد جُهِلَ موقعه منذ أمدٍ بعيد. ولاشك في أن الاتفاق في الاسم بين موضعين، ثم اقتصاره في مرحلة لاحقة من الزمن على إحداهما من دون الآخر قد يوهم أحد المؤرخين بنسبة ما لهذا الموضع غير المعروف من الأشعار والأخبار التاريخية للآخر الذي يحمل الاسم وحده من دون سواه.
ولذلك فليس من المستغرب أن نرى في بعض النصوص المتقدم ذكرها من قال: أن الهباء في وادي بيضان هو المكان الذي قتل فيه حذيفة بن بدر الفزاري سيد بني ذبيان، فيما قال آخرون: أن ذلك المكان كان على مقربة من جبل اليعملة، بناحية الربذة، والسؤال: هل مصرع حذيفة وأصحابه عند جفر الهباءة كان بوادي بيضان أم بجهات الربذة من ديار غطفان القديمة؟ والواقع أن لا معدى لنا عن الرجوع إلى الخلفية التاريخية والجغرافية لكلا الموضعين، لنبيّن من أقوال المتقدمين وواقع المشاهدة ما يقوى القول في أن هذا الموضع كان أحق بهذه النصوص من الآخر، بيان هذا:
أولاً: جفر الهباءة: يفهم من كلام المتقدمين في صفته ما يلي:
1- إنه مستنقع لماء المطر.
2- إنه في ملاذٍ طبيعي، لا يسمح لمن هو فيه أن يرى أبعد من رؤية حمل بن بدر لقيس بن زهير وأصحابه، وهم يباغتونهم في الجفر، وفي ذلك يروى أن حملاً لما أبصرهم قال لمن معه في الجفر: من أبغض النّاس أن يقف على رؤوسكم؟ فقالوا: قيس بن زهير والربيع بن زياد. فقال: هذا قيس قد أتاكم!، ولم ينفض كلامه حتى وقف قيس وأصحابه، وحالوا بينهم وبين الخيل()...
3- تراب أرضه من النوع الذي تتمرّغ به البهائم من إبل وخيول وحمير، وقد سبق شرح وتعريف هذا النوع من التراب لغويّاً من قبل ياقوت نقلاً عن ابن شميل.

ثانياً: وادي بيضان: وادٍ أفيح كثير الفياض، يقع جنوب السوارقيّة، يمتدُّ من الجنوب إلى الشمال، في منخفض من الأرض، بين حرّتين سوداوين، يتدفق فيه سيول الحرّتين غرباً وشرقاً إلى أن تبتلعه سباخ وقيعان السوارقية، وهناك يتوقف مجراه في هذه القيعان، وليس له مخرج منها، ومن بين أهم روافده من الأودية وادي الفطح()، تبتدئ أعالي فروعه منجهة هضيب بني عزيز: - جبل مرتفع برأس الركن الشمالي للحرّة الغربية، لمجرى وادي بيضان -، ثم ينحدر مشرقاً مع سفح الحرّة، إلى أن يوشك أن يخرج منها،وهناك يتسع في نزلة من الأرض غبراء التربة، وفيها تتشكل غابة ذات أشجار كثيفة من السَّلَم: (نوع من العضاة)، وفي أعلى هذه الأشجار ثمة آبار الهباء التاريخية، لا تزال كسابق عهدها لم تُهجر على مر العصور المتوغلة في القدم، إلا أن بقاء الحال من المحال، فقد نضب ماؤها بعامل الجفاف الذي بلغ فيها مداه في يومنا هذا، فإذا خرج الوادي من الحرّة مقترباً من شروعه في وادي بيضان ينداح من حافته الشمالية قاع فسيح أملس، يلتف عليه قوس من الحرّة، على هيئة الصحن، هذا القاع هو ما كان يعرف قديماً ولا يزال باسم الصحن، وعليه فهو قاع وليس جبلاً، كما في بعض النصوص السابق ذكرها، وفي هذا العهد قامت قرية فوق ربوة تطل على الصحن من جهة الغرب، تحمل اسم (هبا)، سكانها بنو عَزِيْز من بني عبدالله من مطير.
وبالإجمال: فوادي بيضان و(الهباء) جزء من جغرافيته فيه من العوائق السياسية والاجتماعية والجغرافية ما يمنع وقوع مثل يوم جفر الهباءة فيه للأسباب التالية:
1- إنّه في عمق ديار قبيلة بني سليم القوية، وفي حرز من حرّتها.
2- كان فيه آبار كثيرة ومزارع ودار إقامة دائمة لبطون من بني سليم.
3- وقوع مثل هذا اليوم بموقع الهباء من بيضان يفرض أن يكون بين بني سليم وعبس حلف يسمح لعبس في التواجد بينهم، وهذا لم يقل به أحد لا من المؤرخين ولا من الشعراء.
4- لو سلّمنا جدلاً أن مثل هذا الحلف كان قائماً بين عبس وبني سليم، فهل يسمح بنو سليم لقبائل بني ذبيان ومن معهم من الأحلاف كأشجع وبني أسد أن ينقلوا حربهم مع عبس إلى داخل ديارهم من دون أن يكونوا طرفاً في هذا اليوم، دفاعاً عن أهلهم وحرمة بلادهم ومن يمت لهم بحلف ويعيش بين ظهرانيهم؟ إن شيئاً من هذا لم يقع تاريخياً، ولا يمكن بأي حال تصور حدوثه في هذا المكان.
5- من المعروف تاريخياً أن عبساً قد أخذوا برأي قيس بن زهير، ليخدعوا بني ذبيان عند ردة فعلهم على مقتل قادتهم يوم الهباءة، فأمرهم أن يسرّحوا الإبل ترعى في الفلاة، ويرحلوا من منزلهم والمقاتلة من الفرسان ورائهم، فكان من رأي قيس أن الغزاة إذا طلعوا عليهم ووجدوا المال بلا حماية يميلون إلى اقتسام الغنائم، وهي غاية طلبهم، فإذا فرّق المغنم وحدة صفهم يعطفون الخيل عليهم، وحينئذٍ يسهل استلحامهم، واسترجاع المال من أيديهم، وقد وقع فعلاً ما توقعه قيس، فانهزم من سلم من القتل من بني ذبيان، في مجموعات صغيرة، وهم في فوضى من أمرهم()، وهذا اليوم الذي كانت الخيل ونجائب الإبل تجول في طوله وعرضه، وهي في حالة كرٍّ وفرٍّ ومطاردة لابدّ أن يكون ذلك في بيداء مترامية الأطراف، وهذا غير ممكن ولا متاح في وادي بيضان.
ثالثاً: جفر الهباءة بناحية الربذة:
1- قال ياقوت: جفر الهباءة: اسم بئر بأرض الشّربّة، قُتِل بها حذيفة وحمل ابنا بدر الفزاريان.
2- وفي كتاب: ((أيام العرب في الجاهلية)) فتوافوا بذي حسى، وهو وادي الهباءة في أعلاه.
3- أورد البلادي في كتابه: ((معالم الحجاز)) الشواهد المتقدمة في أوّل البحث عن جفر الهباءة، ثم قال: يوجد اليوم مكان حول السوارقية بهذا الاسم، وقد مرّ معنا عرضاً في هذا الكتاب في وادي (بيضان)، وقد حذفت هاءه هناك، ولعله للجمع، وهو اليوم في ديار بني عبدالله بن غطفان، ولكن هذه الأرض كانت ايام حرب داحس والغبراء من ديار بني سُلَيم، ولكنها ليست بعيدة عن ديار غطفان، وجمعها الشاعر فقال:


أحْيَا أباه هَاشِمٌ بن حَرْمَلَةْ


بَيْنَ الهباءات وبَيْنَ اليَعْمَلَهْ



وهذا يوحي بأنها قريبة من الربذة. وهاشم هو ابن حرملة بن الأشعر رئيس بني مرّة بن عوف بن ذُبيان، فلما قتله قيس بن الأسوار الجشمي، قال:


أنا قتلت هاشم بن حرمله


بين الهباءات وبين اليعمله



 
وهذا يؤكد أنها من منازل بني ذبيان، وبنو ذبيان، وبنو سليم كانوا جيرة.
4- لعل أدق ما ورد عن المتقدمين في تحديد جفر الهباءة في هذه الجهة قول أبي علي الهجري، في كلامه على حدود حمى الربذة، فعند ذكره جبل (اليعمله) كعلم من معالم حدود هذا الحِمَى قال... ثم يليها جبال يقال لها اليعمله، وبها مياه كثيرة بوادٍ يقال له وادي اليعمله، وهي في أرض بني سليم وناحية أرض محارب، ومياهها مشتركة بين الحيين، وبين الربذة واليعمله ثلاثة عشر ميلاً، وجفر الهباءة بناحية أرض بني سليم في ظهور اليعملة، قال عامر الخصفي:


أحْيَا أباه هَاشِمٌ بن حَرْمَلَةْ


بَيْنَ الهباءات وبَيْنَ اليَعْمَلَهْ

ترى الملوك حَوْلَهُ مُغَرْبَلَهْ


يَقْتُلُ ذا الذّنبِ ومَنْ لاَ ذَنْبَ لَهْ



ثم الجبال التي تلي اليعملة: هضاب حمرٌ عن يسار المصعد تُدْعَى قواني واحدتها قانية، وهي في أرض حرّة لبني سليم بينها وبين الربذة اثنا عشر ميلاً.
ومما ينبغي ملاحظته في هذا النص هو:
أ- إن جبل اليعمله يعرف اليوم باسم (الحندوري)()، وهو يمتدُّ من الغرب إلى الشرق، ويرى طرفيه الغربي واشرقي معاً، لمن يشاهده من الجنوب أو الشمال، وكأنه ظهر ناقة بلا سنام، ومعنى اليعمله لغويّاً: الناقة، قال الشاعر:

على يعملات كالحنايا ضوامرٍ


إذا ما أنيخت فالكلالُ عِقَالُها



ب- أبو علي الهجري عندما كتب عن حِمَى الربذة في أوائل القرن الرابع من الهجرة كان من سكان المدينة المنورة، فقوله: في ظهور اليعمله: أي: في جهة الشرق من الجبل لمن هو في المدينة.
5-في أخبار حرب داحس والغبراء إشارة يجب الاستفادة منها في البحث عن موقع جفر الهباءة، وهي: إن بني ذبيان بعد مقتل قادتهم في الجفر اجتمعوا إلى سنان بن حارثة المريّ مطالبين إياه بالثأر، فسار بهم إلى عبس، فأدركوهم بذات الجراجر، إلا أنهم لم يجدوا إلا أهل القوة والجلد من الفرسان، فيما الأموال والظعائن قد تم إرسالها إلى داخل ديار بني عامر بن صعصعة، وفي هذا دليل على أن جفر الهباءة في ديار بني ذبيان القريبة من ديار بني عامر.
ومما تقدم يتضح:
1- جفر الهباءة بأرض الشّرَبّة.
2- إنه بجهة الربذة وتحديداً بجوار جبل اليعمله (الحندوري حالياً) وفي الجهة الشرقية منه.
3- هضب قواني (الحمر حالياً) متناثرة في أعالي وادي اليعمله، والمسافة بين أقصى هذه الهضب تقدر بثمانية أكيال تزيد قليلاً أو تنقص مثله، وهذا ينسحب على طول امتداد الوادي فيما بينهما.
4- وادي اليعمله فيه مياه كثيرة مشتركة بين بني سليم وبني محارب، بطول المسافة بين قواني واليعمله، وجفر الهباءة في حقوق بني سليم، وهذا يعني أنه لا يبعد عن جبل اليعمله أكثر من خمسة أكيال.
5- جفر الهباءة، يقع في أعلى وادي حسي (حسو عليا) وأعالي وادي الحسو تنحدر من جهتين: الأولى: من هضبة مثلثة في الغرب منه، والثانية: من هضب قواني (الحمر حالياً) في الجنوب الغربي منه، ومن هذا الهضب ينحدر سيل وادي اليعمله مندفعاً صوب الغرب، ومارّاً باليعمله من جهة الجنوب، وقد ورد في مقتل حذيفة بن بدر على لسان الربيع بن قعنب قوله:


خَلَق المخازي غير أن بذي حسي



لبني فزارة خِزْيةً لا تَخلَقُ

تبيان ذلك أن في أست أبيهم


شنعَاءُ من صُحفِ المخازي تبرقُ




6- الربذة وهضب قواني، وجبل اليعملة، وذي حسى كلها مواضع من أرض ما يعرف قديماً الشّرَبّة.
وبناء على ما سبق بيانه أقول: يوجد إلى الشرق من جبل اليعمله (الحندوري) على أقل من ثلاثة أكيال هضبة ذات رؤوس ثلاثة أصلها واحد، تُدْعَى (ذَرِيح)، تقع على الضفة الشمالية لوادي اليعمله، ومنها تنحدر تلعة باتجاه الشمال، فإذا نزل سيلُها في الأرض اعترضه عارض من الهضبة، فينحرف مجراه نحو الشرق، مكوّناً من أثر ذلك منقعاً للماء، هذا العارض يمنع الرؤية من هذا المنقع وإليه من بعيد، فهو في ساتر من الهضبة، وكان في القديم– حسب رواية أهل هذه الناحية - إحساء جاهلية معروفة. إمّا اليوم فقد تحولت تلك الأحساء إلى آبار، وقد أُقيم عند أسافلها سدٌّ ترابي لحجز الماء، وكل النصوص التاريخية والشواهد والأشعار والأوصاف المتقدم ذكرها عن جفر الهباءة تنطبق على مكان هذه الآبار في هضبة ذرِيح، وإن لم يكن هو المكان بعينه، فلا يبعد أكثر من كيلين شرقاً عن هذا المكان، فالموضع الذي يقع الجفر بجزء منه، سواء أكان في هضبة "ذريح" أم في أعلى وادي حسي هو في هذا الهضب الذي كان يشمله اسم قواني (الحمر حالياً) وإن كان لكل هضبة منعزلة منه اسم تعرف به. وفوق كل ذي علمٍ عليم.
ج- بنو مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان:
ومنهم: بنو غيظ، بنو صرمة، بنو يربوع، بنو سهم، بنوسنان، بنو ربيعة، بنو سُلْمِى، بنو دهمان، بنو قتال، بنو الصارد، وغيرهم.
وفي كتاب "السيرة النبويّة: 1/102" ما يلي:
قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب: لو كنت مدعيّاً حيّاً من العرب، أو ملحقهم بنا لأدّعيت بني مرّة بن عوف، إنّا لنعرف فيهم الأشباه، مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني عوف بن لؤي.
وقال ابن إسحاق: أما عوف بن لؤي فإنه خرج – فيما يزعمون – في ركب من قريش، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس، أبطئ به، فانطلق من كان معه من قومه، فأتاه ثعلبه بن سعد، وهو أخوه في نسب ذبيان... فحبسه وزوّجه والتاطه – أي : ألصقه به – وآخاه. فشاع نسبه في ذبيان...، ثم قال: فهو في نسب غطفان: مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ربث بن غطفان. وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب: ما ننكره وما نجحده، وإنّهُ لأحبُّ النسب إلينا...، ثم قال: وحدثني من لا أتهُّم أن عمر بن الخطاب قال لرجال من بني مرّة: إنْ شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم فارجعوا إليه. وعلّل ابن إسحاق بقاءهم في نسب غطفان وقال: قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كُلّها فأقاموا على نسبهم، وفيهم كان البسل.

أمر البسل
قال: والبّسْلُ – فيما يزعمون – ثمانية أشهر حُرُمٌ لهم من كل سنة من بين العرب، قد عرفت ذلك لهم العرب، لا ينكرونه، ولا يدفعونه؛ يسيرون به إلى أي بلاد العرب شاءوا، لا يخافون منهم شيئاً. وبهذا المعنى تمثّل فيهم زهير بن أبي سلمى وقال:


إلى مَعْشَرٍ لم يُورثِ اللّؤمَ جَدُّهم



أصاغرَهم وكُلُّ فَحْلٍ له نَجْلُ


فإن تُقْوِيَا منهم فإنَّ مَحُجَّراً


وجزع الحسا منهم إذ قلّما يَخْلُو

بِلاَد بِهَانَادمتُهم وعرفتُهم


فإن أوحشتْ منهم فإنهم بَسْلُ

إذا فَزِعُوا طاروا إلى مستغيثهم


طوالُ الرماح لا قصارٌ ولا عُزْلُ

فإن يُقتلوا فيشفى بدمائهم()


وكانوا قديماً من مناياهم القَتْلُ



وفي "الطبقات"() لابن سعد: قدم وفد من بني مرّة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلاً، رأسهم الحارث بن عوف. فقالوا: يا رسول الله إنّا قومك وعشيرتك، نحن قوم من بني لؤي بن غالب: فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "أين تركت أهلك"؟ قال: بسلاح وما والاها. قال: "وكيف البلاد"؟ قال والله إنّا لمسنتون. فادع الله لنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسقهم الغيث" وأمر بلالاً أن يجيزهم، فأجازهم عشر أوقية فضّة، وفضّل الحارث بن عوف أعطاه اثنتى عشرة أُوقية، ورجعوا إلى بلادهم، فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منازل بني مرّة في حرّة النار
مثل ما كان لهم في عُرفِ النَّاسِ ثمانية أشهر حُرُمٌ في السنة، لا يجرؤ أحدٌ من العرب أن يمسَّهُمْ بسوء كان لهم – أيضاً – من منازلهم بحرّة النّار حصونٌ منيعة بجبالها ولُوُبِهَا، فهم في هذه الحرّة بمنأى عن الأعداء، قال النابغة الذبياني – متباهياً – :


إما عُصِيتُ فإني غيرُ مُنفَلتٍ


مني اللصابُ فجنبا حرّة النّارِ

أو أضعُ البيت في سوداء مظلمةٍ


تُقَيّدُ العَيرَ لا يسري بها السارِي

تُدَافعُ النَّاسَ عنّا حين نركبُها


من المظالم تُدْعَى أمُّ صبّارِ



فهي قاعدة بلادهم التي كانوا فيها يتكاثرون تكاثراً دعا أحد الشعراء أن ينكر أن لبني مرة أرضاً خارج هذه الحرّة، قال:

ما أن لمرّة من سهل تحل به


ولا حزن إلا حرّة النّارِ



فجلّ منازلهم كانت منتشرة في فدك الحائط، ويديع (الحويّط)، وضرغد (ضرغط)، وفي مختلف المواضع الشرقية من الحرّة حول هذه الواحات، يساكنهم فيها فروع من فزارة وغيرها، وكذلك في الجانب الشمالي الغربي من الحرّة في (الظهر)، و(جثا) و(جبار)، و(يمن) و(حجر) و(سلاح)() و(الممدور)() وما والاها في هذه الجهة، حيث منازل قبيلة بني سهم من بني مرّة، قال عمرو بن عون الصاردي المرِّي، وقد انتابه الشوق إلى معشوقته من بني سهم في هذه الجهة:


يّهِيْج عليَّ الشَّوقُ أنْ شطَّتِ النوى


بِسَهْمِيّةٍ ما شَمْلُها بِمُدَانى

تَحُلُّ جُثَا و الظَّهْرَ رابعةً بِهِ


ومَحْضَرُها بالصَّيفِ جَوُّعِتَانِ



وقال ابن مَيَّادَةَ من بني مرّة:


نظرنا فهاجتنا على الشوق والهوى


لزينب نارٌ أُوقدت بجُبَار

كأنَّ سناها لاح لي من خصاصة


على غير قصدٍ والمطيُّ سوارِ

حمَيْسِيَّة بالرملتين محلها


تمتَُ بحلفٍ بيننا وجوارِ



وبنو حميس بن عامر بن ثعلبه من جهينه وهم حلفاء بني سهم.
وفي "معجم شمال المملكة: رسم ضرغد" قال حمد الجاسر: ضرغد لا يزال معروفاً، ويقع شمال فدك (الحائط)، ولهذا فحرّة فدك يُسمَّى كُلُّ جانب منها باسم أحد مواضعه، فهي حرّة فدك وحرّة ضرغد وحرّة اثنان وحرّة النّار وحرّة مرّة وحرّة غطفان.
وأقول: ويشملُ هذه المواضع كُلُّها في هذا العهد اسم حرّة بني رشيد.
وتشمل ديارهم أيضاً حرّة ليلى()؛ وهي الطرف الشمالي الشرقي لحرّة النّار، يفصل بينهما وادي المخيط()، لا يزال معروفاً، قال ابن ميادة أحد شعراء بني مرّة:


ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلَةً


بِحَرَّةِ لَيْلَى حَيْثُ رَبَّتنِي أَهْلِي

بِلادٌ بِهَا نِيْطَتْ عليّ تَمائِمِي


وَقُطّعْنَ عَنَّي حِيْنَ أَدْرَكَنِي عَقلِي


ومن جبالهم:
1-جبل العلم: جبال وهضاب، وفيها أودية كثيرة أكثرها ذكراً في الأخبار والأشعار القديمة وادي الرقم (الرقب) الذي يخترق جبل العلم، ثم يخرج منه متجهاً صوب الشمال الشرقي، حتى يفيض في وادي الرمّة، مقابل قرية الثمامي من الغرب، وفيه يوم من أيام العرب في الجاهلية، لغطفان على بني عامر، وفي هذا اليوم فرّ عامر بن الطفيل عن أخيه الحكم، وهو ما دفعه لخنق نفسه، وفي ذلك تمثّل عُروة بن الورد متعجباً وقال:


عَجبْتُ إذ يخنقون نُفُوسَهُمْ


ومَقْتَلُهُم تحت الوغا كان أعذر



ونقل ياقوت عن نصر أن السهام الرقميّة كانت تصنع في وادي الرقم وإليه تنسب().
وفي القرن الثالث الهجري كان الرقم منزلاً من منازل الطريق من (فيد) إلى (المدينة المنورة) وقرية عامرة بالسكان، تعج بالنشاط التجاري والزراعي ومنافع الحياة، ذكر ذلك صاحب كتاب: "المناسك: 518-519" وهو يعدد المواضع التي يمرّ بها الطريق في وادي الرقم (الرقب)، ما هذا نصّه: .. ومن حساء بطن الرّمة إلى الرقم أربعة وثلاثون ميلاً.
ومن أسود العُشريات على اثنى عشر ميلاً من حساء وبها البريد، وهو ظِرب أسود على الطريق، وقباب خربه، وبئر عتيقة، ماؤها ملح.
وبعده بثمانية أميال على ظهر الطريق بئر عذبة الماء، عند شجرة خصبة الموضع عن يمين الطريق.
وبعدها بأربعة أميال عند البريد ماء وإليه ينسب، وهو محصور، وفيه بناء وآبار عمق كل بئر عشر قامات، وأبيات أعراب من بني مرّة بين جبلين يقال للأيمن الحديد، والأيسر ذو رأس.
ومن فــ
صـه الرقم إلى الخَرِب وسي، الخرب موضع فيه بئر كبيرة غليظة الماء في بطن الوادي على ظهر الطريق.
وبالرقم قصر وسوق ومنازل ونخل كثير وآبار كثيرة الماء عذبه، ومن الرقم إلى السعد أربعة وعشرون ميلاً.
والناصفه على ميلين من الرقم، وهو وادي سلم وطلح. انتهى ما يعنينا مما في كتاب المناسك من المواضع في وادي الرقب (الرقم)، ومما ينبغي ملاحظته وتجدر الإشارة إليه هو أن في بعض الجمل نقصاً واضحاً، وبعض أسماء المواضع مهمل أي بدون نقط، ولذلك كان سبيلنا في الاهتداء إلى معرفة بعض المواضع المهملة من النقط أو الذي يقع في جملة غير مكتملة المعنى هو الاستئناس بالوصف وتحديد المسافة بين كل موضع وآخر يليه.
ولتحري الدقة في تطبيق ما ورد له ذكر من المواضع في وادي الرقب بالمشاهدة فقد أبديت رغبتي للشيخ ناصر بن عياد بن رميح بمرافقتنا لهذا الغرض، فهو أعلم من عرفت من أهل هذه الجهة في معرفة الديار، فما كان منه إلا الموافقة، كما عهدته.
وكان صاحب كتاب ((المناسك)) قد ذكر أن الطريق يمرُّ قبل وصوله حساء وادي الرمة بهضبة فيها شامة بيضاء عن يمين الطريق، وأقول: هذه الهضبة معروفة وتدعى ((الغرّاء))، وسمها من صفتها، وهي محتجبة عمن هو في وادي الرمّة بسلسلة جبيلات سود منقادة من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي شرقاً من مدينة "السليمي" وتسمّى "أبا الغبطان" ومن الغراء كانت بداية رحلتنا متتبعين كل ما ذكر من المواضع بالمشاهدة على أرض الواقع، بدءاً من حساء بطن الرّمة، حتى خروج الطريق من وادي الرقب.
دراسة النص وبعض عباراته

أولاً: فالمسافر إذا اجتاز "أبا الغبطان" مغرّباً انكشفت أمامه قرية "العجاجة" على شاطئ وادي الرّمة، وكان لنا فيها وقفة تأمّل، ومن هناك كان يلوح أمامنا في الأفق البعيد جبل أسود مطل على وادي الرقب من الجنوب من حيث هو، وبسؤالنا رجلاً من أهل القرية عن اسم ذلك الجبل قال: "أسمر العِشَار" ومن الوصف وقياس المسافة تأكد أن أسود العُشريات لا يزال معروفاً، وإنه هو أسمر العشار، وإن ما تغير من لفظ اسمه القديم لا يغيّر من المعنى شيئاً. وبهذا يتضح أن قرية العجاجة قد أُنشئت في الموضوع الذي كان يعرف بحساء بطن الرّمة أو بالقرب منه.
ثانياً: ورد في النص بعد أسود العُشريات (أسمر العشار حالياً) بثمانية أميال بئر عذبة الماء، عند شجرة خصبة الموضوع عن يمين الطريق.
وأقول: ثمة بئر قديمة تعرف بالخزيميَّة، نسبة لابن خزيم أحد شيوخ بني رشيد التاريخيين، تقع شمال مجرى الوادي قريبة منه، والوصف والمسافة في هذا النص كلاهما ينطبقان على موقع بئر الخزيمية، وقد أصبح ذلك المكان اليوم قرية تدعى "بدع الرقب"، وفيها الكثير من الخدمات الحكومية.
ثالثاً: ورد في النص بعد مكان البئر (موضع بدع الرقب): وبعدها بأربعة أميال عند البريد ماء وإليه ينسب، وهو محصور، وفيه بناء وآبار عمق كل بئر عشر قامات، وأبيات أعراب من بني مرّة بين جبلين، يقال للأيمن الحديد، والأيسر ذو رأس.
ومما تجب ملاحظته في هذا النص هو:
1-إن اسم الموضع الذي يبعد عما قبله بأربعة أميال، وفيه بناء وآبار – مبتور، ولكن تحديده على هذا الوجه لا يترك مجالاً للشك بأن ذلك المكان هو موضع مزارع "القسمة"، مع امتدادها إلى "أم أرطى"، وهذا الموضع هو مفيض سيل وادي الرقب وروافده عند خروجه من جبل العلم متسعاً في الأرض بعد أن كان محصوراً بين الجبال.
2-عدّ المتقدمون جبل العلم من جبال بني الصارد من بني مرة من غطفان، فهم سكان جبل العلم القدماء: (معجم البلدان: 4/147).
3-ذكر أن الجبلين اللذين بينهما أبيات لبني مرّة يقال للأيمن الحديد، والأيسر ذو رأس. وأقول: لا يزال الجبل الأيسر معروفاً،يقال له أمُّ رأس و"أمُّ" بمعنى "ذات"، قال العبودي: وقد استعاضوا بها في كل كلمة عن "ذات" و"ذو" في كلامهم العامي. أمّا الجبل الأيمن فالحرف الأخير من اسمه مهمل من دون نقط، وغير متقن الرسم، مما يدل على أنه غير واضح في أصل المخطوطة، ولكن الجبل الذي يقابل أمُّ رأس عن أيمن الطريق يسمّى "الجراح"، وكل جانب منه له اسم، ومن أسمائه "أبو سواسي" و"النقب" و"الخُوَيْر"، ويبدو ليّ أن أصل اسم الجبل الأيمن هو "الخُوَيْر"، وأن "الحديد" هو تصحيف للخوير، ثم مع تقادم الزمن تقلّص ليعني جزءاً منه، وحل مكانه اسم الجراح.
رابعاً: جاء في النص: ومن فــصه الرقم إلى الخرب وسي، الخرب موضع فيه بئر كبيرة غليظة الماء، في بطن الوادي على ظهر الطريق.
وفي هذا النص على قصره من النقص في السياق، والأسماء المهملة من النقط والتصحيف ما يدعو إلى إيضاح ما ينطق به حال الواقع على الأرض، وأقول: يظهر أن المقصود من "فـــصه الرقم" بدون نقط هو: "فيضة الرقم"، إما موضع "الخرب وسي" كما في النص فقد نوّه الشيخ حمد الجاسر في هوامش تحقيقه كتاب: "المناسك" أن الاسم ورد في أصل المخطوطة هكذا: "الحرب وشي"، ولكنه – على ما يبدو – آثر كتابة: "الخرب" وفقاً لما في معجم البلدان: (الخرب: موضع بين فيد وجبل السعد على طريق يسلك إلى المدينة). والواقع أن هناك جبالاً على الجانب الأيمن من الطريق يقال لها "الخُرُش" غير بعيدة عن الموضع الذي قبل هذا، وعندها بئر كانت غزيرة الماء، ومتوغلة في القدم تدعى "الرَّنِيْنَه"، ولا استبعد أن "الخرب وسي، أو الحرب وشي" هو الخُرُش.
خامساً: يتكلم المؤلف في هذا المقطع من النص عن منزل الرقم القديم ويقول: وبالرقم قصر وسوق ومنازل ونخل كثير وآبار كثيرة الماء عذبة، ومن الرقم إلى السعد أربعة وعشرون ميلاً.
وهذا المكان من وادي الرقم (الرقب) كان لقرية تحمل اسم المكان (الرقم) وكانت في القرن الثالث من الهجرة منزلاً من منازل الطريق بين (فيد) و(المدينة المنورة)، وقد شهدت في تلك الحقبة من الزمن نقلة نوعية من تطور الحضارة، إذا كان سكانها يمارسون الاشتغال في التجارة والزراعة والصناعة والبناء وإقامة السدود، ما نهض بمستواهم الحضاري وساعد على تنوع مصادرهم الاقتصادية في ذلك الحين.
تلك القرية الغابرة تعرف اليوم باسم "العماير"، وهي مجموعة آثار من المباني المتهدّمة، متناثرة فوق كل مرتفع من الأرض عن مجرى الوادي، وعلى جانبيه بعض الآبار المطوية بالحجارة، ومقبرة كبيرة، وبقايا من السد الذي كان مشيّداً في أعلى القرية، وكل شيء من ذلك يلفت انتباه مشاهده إلى أهمية المحافظة على ما بقى من هذه الآثار، حتى لا تسوء بها الحال على يد من لا يدرك قيمتها التاريخية إلى أسوأ مما تعرضت له من قبل.
لا شك في أن الآثار توضح جوانب كثيرة من حياة أهلها القدامى، في مختلف العلوم الإنسانية اجتماعية كانت أم تاريخية، ولهذا فهي أولى مما تشدّ إليه رحال علماء الآثار والمؤرخين سواء بسواء، لمعرفة الشيء الكثير عن نمط حياة أقوام ذهبوا بالانقراض، ولم يبق لنا من أخبارهم سوى آثارهم في الأرض.
إنّ ما بقى من آثار هذه القرية القديمة سيفتح نافذة من الاهتمام بها ويعطيها مزيداً من الاعتبار لدى علماء الآثار والمؤرخين، ليس هذا فحسب، بل إن موقع هذه القرية كجزء من وادي الرقب الجميل الذي يفري جبال العلم، مع روافده من الأودية الكثيرة التي تأتي إليه من هذه الجبال – يعدُّ من أجمل الأماكن موضعاً في هذا الوادي، وأكثرها إغراء كمنتجع سياحي جميل.
سادساً: وفي آخر النص يقول: (والناصفه على ميلين من الرقم، وهو وادي سلم وطلح.
وقد علّق الشيخ حمد الجاسر على هذا النص وقال: ... إما الناصفة القريبة من الرقم فهناك شعيب في غرب الرقم خارج عن جبل العلم بعد إجتيازه يدعى الناصفه، وهو غير بعيد عن موقع الرقم القديم (العمِيرَة): (معجم شمال المملكة: 3/1303).
وأقول: الناصفه من الأسماء التي تطلق على مواضع من الجبال، فالمسافة التي حددها المؤلف لا تتجاوز خمسة أكيال، وكل شيء من هذا التحديد ينطبق على مدخل وادي الرقم (الرقب) في جبل العلم من الغرب، شاقاً طريقه من هناك بين هضاب حمر، ولعله ما كان يسمى الناصفة قديماً.
وتحسن الإشارة إلى أن وادي الرقم (الرقب) الذي كان في القديم حصناً منيعاً لأهله قد أصبح بفضل الله، ثم في هذا العهد الزاهر ذات قرى مفعمة بالحياة، هي: بدع الرقب، القسمة، أم أرطى، الحواره، النميره، النماره، فيضه المسعار، المرموثة، مع ربطها بطريق مزفلت، ومدها بالخدمات الحكومية من مرافق تعليمية وصحية وكهرباء وغيرها، ولا أبالغ إذا قلت: لو أقيم في أسفل هذا الوادي سد لصار أكبر خزاناً للمياه في المنطقة، وأجدى الحلول الممكنة لحل نقص المياه فيها في المستقبل.

وعن أهل الرقم (الرقب) المعاصرين قال الشيخ حمد الجاسر في كتابه: "معجم شمال المملكة: 589": والرقم الآن قرية لبني رشيد الذين أكثرهم من غطفان. ثم ذكر بعض الأحداث التاريخية الأخيرة التي وقعت في هذا الوادي داخل جبل العلم، قال: (ومن الوقائع الأخيرة ما حدث في عهد سعود بن عبدالعزيز بن رشيد إذ أغار أحد أمرائه ويدعى ابن ليلى على قبيلة بني رشيد()، وهم داخل العلم فهزموه وقتلوا من قومه 1800 رجل، وسمّوا تلك الوقعة "مسعر ابن ليلى" أي مكان استعار النّار في جند ابن ليلى).
وقد حدث قبل هذه الوقعة أن أغار سلطان الحمود بن رشيد على قبيلة بني رشيد، وهم في العلم وحوله، وقد ذكر العبيّد في مخطوطة كتابه: "النجم اللامع: 273" هذه الغارة ضمن حديثه عن قبيلة بني رشيد بعد أن ذكر قسمهم الآخر في الكويت، وقال: (والقسم الثاني منازلهم بين حائل والمدينة، وهم من بني رشيد أيضاً، ولهم أودية فيها نخيل منها ما يسمّى(ضرغط)، ومنها (الحائط، والحويّط) وهي التي تسمّى (فدك) في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها الحليفة وكانت هذه النخيل شركة بينهم وبين عنزه، وكل منهم يعرف ما يخصه منها، وكانوا معروفين بالركاب الأصيلة شديدة العدى، وربما أنها تجاري الخيل بسرعتها وكلهم يقال لهم بني رشيد، ولهم رؤساء، فمن رؤسائهم بن برّاك وابن شميلان وابن حمود وابن رفادان وغيرهم، وكانت منازلهم بالوسط بين حرب ومطير وعنزه، فكانوا يحمون أنفسهم من كل القبائل، وحدث أن أغار عليهم سلطان الحمود بن رشيد في ولايته على حائل سنة 1325هـ فهزموهم شر هزيمة وقتلوا على ابن رشيد رجالاً وخيلاً وركاباً فألجه الظمأ فورد على ماء يسمى النقره من مياه العلم، وهو الجبل الذي تنزل حوله بنو رشيد ويقول شاعرهم في تلك الوقعة:


يا جراد طار ما وقّع


ورّد النقره يبَى ماها

كم ذلولٍ وسمها مطقّع


فوقها الكفّه وسمناها

كم جوادٍ دمّها نقّع


في غميق الروح صبناها

أقفى عنّا معيفاً ومودّع


حتى خيامه والحمله كسبناها



وإمّا قوله: كم ذلول وسمها مطقّع أنه وسم الرشيد كل من رآه ضارط من الخوف منه، وقوله: فوقها الكفّه وسمناها والكفّة وسم قبيلة بني رشيد) انتهى.
وقد ذكر الشيخ العبودي في رسم (النقرة)() خبر هذه الوقعة وأورد أبيات القصيدة فيها على هذا النحو:


يا جراد طار ما وقّعْ


ورّد النقره يبَى ماها

كم ذلولٍ عليه مطقّعْ


وسمنا الكفّه وسمناها

كم رُحُولٍ حِسّها طنّبْ


لجّتْ الضلعان برغاها

كم هنُوفٍ نهدها مصقّعْ


طشّتْ البخنق بيمناها



وتروى هذه الأبيات عند بني رشيد في الغالب على هذا الوجه:


يا جراد طار ما وقّعْ


ورّد النقره يبَى ماها

قال: وقّعْ قال: ما وقّعْ


دِيْرتي وابعد ممساها

يوم حضرم() وسّطهُمْ صقّعْ


بَندقَه وازِيْنْ مَرْمَاها

كم ذلولٍ وسْمَها مطقّعْ


فوقها الكِفّهْ وسمناها

وكم رُحُولٍ حِسّها طَنّبْ


لجّتْ الضلعان برغاها

وكم جوادٍ دمّها نَقّعْ


من غَمِيْقْ الرّوح صبناها



لقد قالت المصادر المحايدة كلمتها في وقعتي (العلم) و(النقرة) بما فيه الكفاية، وإن جازلنا أن نزيد شيئاً ففي التنويه إلى أنهما قد وقعتا في الوقت الذي بدأ فيه بنو رشيد يستعيدون وحدة كلمتهم بعد هجرة الكثير من فروعهم في العصور المتأخرة، خارج شبه الجزيرة العربية.
2-جبل قنا: لا يزال معروفاً وشهرته تغني عن تحديده، وبجنبه جبل قُني تصغير قنا، وكان في القديم يقال لهما قنوان، أحدهما لبني فزارة والآخر لبني مرة()، قال البكري: ويضاف إلى قنا أبارق – جمع أبرق – قال نُهَيكة الغطفاني:


عُصَبٌ دَفَعْنَ من الأبارِقِ من قنا


بجنوب رخّه فالرخاخ فَيَثْقُبِ



وأورد ياقوت: لمسلم بن قرط الأشجعي:


تَطَربّنِي حُبُّ الأَبَارِقِ من قَنَا


كأنّ امْرأ لم يَجْلُ عن دَارِهِ قَبْلِي

فَيَا لَيْتَ شعرِي هل يعيقه سَاكِنٌ؟


إلى السعد؟ أمْ بالعواقِرِ مِنْ أهل؟

فَمَن لامَنِي في حُبِّ نجدٍ وأهلِهِ


وأن بَعُدَتْ دَارِيْ فلِيْمَ على مِثْلِي

على قُرْبِ أعْدَاءَ ونَأى عَشِيْرةٍ


وَنَائِبةٍ نَابَتْ من الزّمنِ المحلِ



وقال ياقوت(): وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: ... وقف نُصَيب على أبيات واستسقى ماء فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء فسقته وقالت: شبّبْ بي، فقال: وما اسمك؟ قالت: هند، فنظر إلى جبل وقال: ما اسم هذا العلم؟ قالت: قناً، فأنشأ يقول:


أحبُّ قناً مِنْ حُبِّ هِندِ وَلَمْ أكُنْ


أُبَالِي أقُرْباً زاده الله أمْ بُعْدَا

أَلا إنّ بالقَيعَان من بَطْنِ ذِي قنا


لنا حَاجَةٌ مَالَتْ إليه بنا عَمْدَا

أَرُوْنِي قنا أنْظُر إليه فإنّني


أَحِبُّ قنا أنِّي رأيتُ بِهِ هندا



قال: فشاعت هذه الأبيات، وخطبت الجارية من أجلها، وأصابت الجارية خيراً بشعر نُصَيب فيها.
وأورد أبو علي الهجري قول الشاعر:


أَلا إنّ برقاً لاحَ بَيْنَ مُحَجَّرٍ


وبين اللِّوَى بَرْقٌ لِعَينِيَّ شَائِقُ

سقى روضة الأجداد أَوّلُ وَبْلِهِ


وآخِرَهُ يَسْقِي حَلِيُّ الشقائِقِ

لقد أَنْزَلُونِي مِنْ عُوَارِضتي قَنَا


مَنَازِلَ مَا قَلْبِيْ لَهُنَّ بِلائِقِ

ترى أدبيّا – يا لك الخير – حائلا


وركن قَنَا من دون هَضْبِ الورائِقِ



فروضة الأجداد:- الروض- وأدَبِيّ وقنا وهضب الورائق كلُّها مواضع إلى الغرب من قنا، لا تزال معروفة ماعدا هضب الورائق. والورائق؛ لغة: السواد، فالأورق من الإبل من في لونه بياض وسواد، قال الهجري: وهضب الورائق بين فدك (الحائط) وبين قنا عن فدك بميلين. ومن هذا التحديد أصبح من اليسير معرفته، إنّه الهضب الذي يتوسطه جبل أثقب (يثقب قديماً)، فيجعله قسمين: قسماً يقع شماله ويسمّى الهضب، والآخر جنوبه، ويدعى حمر الحليفة العليا، ويظهر أن اسم الورائق لهذا الهضب قديماً كان مشتقاً من صفة اختلاط لونه الأحمر بلون جبل أثقب الأسود، الذي هو في الواقع جزء من امتداده الطبيعي.
وقد ورد ذكر قنا وقُنَي في الشعر الشعبي الحديث، قالت شاعرة من بني رشيد:


يا ذِيْبْ مَا شِفْتْ نَشر خليلي؟


على قَنَا وَقْنَيّ دَاجَتْ رَعَايَاه

وَادي الرّمَهْ مِنْ دَمع عَيْني يَسيلِ


ورَاعِي الْحْلَيْفَه يَزْرَعَ الحبِّ مِنْ مَاهْ

يالليْ بَذَرتَ الْحَبَّ قَلْبكْ هَبِيْلِ


يَابَاذْرٍ حَبٍّ على غَيْرِ مَجْرَاه



وفي معجم شمال المملكة: وقنا أهله سكان قرية السُّلَيْمِى من بني تميم. وقُنَيُّ لقبيلة بني رشيد، والجبلان بقرب قرية السليمى.


سعد الرشيدي 31-12-2012 09:57 PM

ومن مشاهيرهم:
الحارث بن عوف وهرم بن سنان(): ممدوح زهير بن أبي سلمى – وهما اللذان سعيا لإنهاء حرب داحس والغبراء، وتحملا حمالة الديات في هذه الحرب، وإياهما عنى زهير بن أبي سلمى بقوله:


سَعَى سَاعِيَا غيظ بن مُرّة بعدما


تَبَزَّلَ ما بَيْنَ العَشِيْرَةِ بالدّمِ

فَأَقْسَمْتُ بالبيتِ الذي طَافَ حَوْلَه


رِجَالٌ بَنَوْهُ مِن قُرَيش وجُرْهُمِ

يَمِيناً لَنِعْمَ السَّيدَانِ وُجدْتُما


على كُلِّ حَالٍ من سَحِيْل ومُبْرَمِ

تَدَاركْتُمَا عَبْساً وذُبيان بعدما


تَفَانَوا ودقّو بينهم عِطْرَ مَنْشَمِ()

وَقَدْ قُلْتُما إن ندرك السلم واسعاً


بمَالٍ ومَعْرُوفٍ من الأمْرِ نَسْلَمِ

فَأصْبَحْتُما منها على خَير موطنٍ


بَعِيدَينِ فيها من عُقُوقٍ ومَأثَمِ

عَظِيمَيْنِ في عُليا مَعَدٍّ هُدِيتُما


ومن يَسْتَبِحْ كنزاً من المجد يُعْظَمِ



والجُنَيد بن عبدالرحمن بن خارجه بن سنان بن أبي حارثة، والي خُرسان؛ وكان له عقب بالبيره. والشاعر المشهور أرطاة بن سُهَيّة، والشاعر شبيب بن البرصاء وفي كتاب: "جمرة النسب": وأمه أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة، يقال أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطبها، فقال أبوها: إن بها بياضاً، يريد البرص، ولم يكن بها شيء، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ((ليكن كذلك)) فبرصت، فلذلك سميت البرصاء، واسمُها قِرصافة، وأختها عمرة العوراء، وهي أمُّ عَقِيل بن عُلّفه..). والفاتك أبو الخريف عُبَيد بن نشبه؛ ويقال أنه هو الذي علم الحارث بن ظالم الفتاكة، والنابغة الذبياني، وهو زيا بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ، ويقال أنه له عقب بمصر، وعَقِيل بن عُلّفة، الذي خطب إليه عبدالملك بن مروان بعض بناته، لبعض ولد عبدالملك، فقال له عَقِيل: ((إن كان ولا بُدّ فجنّبني هُجناءك))، وخطب إليه عثمان بن حيّان، وهو أمير المدينة، إحدى بناته؛ فقال: ((أبكرةً من إبلي أيّها الملك)) فأمر بإخراجه على أسوأ أحواله.. وكان يفاخر ابن خالته (البرصاء) شبيب المتقدم ذكره بأنه زوّج ثلاثاً من بناته من بني مروان ملوك الشام، وسيأتي تباعاً ذكرهن في مشاهير نساء بني مُرّة.

والحارث بن ظالم الفاتك المشهور، الذي قتل خالد بن جعفر الكلابي السيد الغطريف في زمانه في بني عامر بن صعصعه، وكان من أمر ذلك أن القتيل كان قد قتل زهير بن جذيمة العبسي، وهو السيد المسود في زمانه على غطفان كُلِّها، فلجأ إلى النعمان ملك الحيرة طلباً لحمايته من غطفان، فكان له ذلك، ولكن غطفان أدركت بسيف ابن ظالم ثأرها منه، وهو تحت القبة التي عدّها النعمان له، وكان للحارث بن ظالم سيف اشتهر بيده، حتى أن جريراً وهو يهجو الفرزدق لا يجد سيفاً بمقام سيف الحارث بن ظالم ويقول هو يهجو الفرزدق ويعيبه في رداءة ضربة سيفه في خصمه:


بسيف أبي رغوان سيف مجاشع


ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم



ومنهم: مسلم بن عُقبة بن رياح صاحب يوم الحرّة، وكان فاسقاً ومسرفاً في القتل. وهاشم بن حرمله الذي فيه يقول الشاعر:

 

أحيا آباءه هاشم بن حرمله


بين الهباءات وبين اليعمله

ترى الملوك حوله مغربله


يقتل ذا ذنب ومن لا ذنب له



وسنان بن أبي حارثه الذي اجتمعت عليه بنو ذبيان، ومن معهم من الأحلاف() وقادهم على بني عبس بعد مقتل قادتهم يوم جفر الهباءة، وكان حازماً صلباً، ورياح بن عثمان بن حيّان بن عثمان بن معبد بن شداد.. والي المدينة للمنصور، وقد قُتل وولى أبوه عثمان المدينة لبني أميّة، والشاعر الفحل ابن مَيّاده واسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقه بن حرمله الخ وأمّه مَيّاده، وهي صقلبيّه – بلد في الأندلس – وفي شعره فارسيّة، قال يفخر في نسب أبيه في العرب ونسب أمّه في العجم:


أليس غلامٌ بين كسرى وظالم


بأكرم من نيطت عليه التمائمُ

لو أنّ جميع الناس كانوا بتَلْعَةٍ


وجئتُ بِجَدِي ظالمٍ وابن ظالمِ

لظّتْ رقابُ النّاسِ خَاضِعةً لنا


سُجُوداً على أقدامنا بالجماجمِ



ومن النساء:
البرصاء: أمّ الشاعر المشهور شبيب بن يزيد بن حمزة بن عوف بن أبي حارثة بن مُرّة، وتقدم القول في سبب تسميتها بالبرصاء، وعمرة العوراء، وهي أخت البرصاء، وأمُّ عَقِيل بن عُلّفه، والجرباء بنت عَقِيل بن علّفة: زوجة أمير المؤمنين يزيد بن عبدالملك بن مروان، فولدت له ابناً مات صغيراً، وعمرة بنت عَقيل بن علّفة: زوجة سلمةُ بن عبدالله بن المغيرة المخزومي، فولدت له يعقوب بن سلمة، وأمّ عمرو بنت عَقِيل بن عُلفة: زوجة يحيى بن الحكم بن أبي العاصي بن أميّة، فمات عنها؛ فتزوجها أخوه خالد بن الحكم، ثم مات عنها، فتزوجها أخوهما الحارث بن الحكم.

 
 
2- بنو عبس() بن بغيض بن ريث بن غطفان
ومنهم: بنو رواحة، بنو جذيمة، بنو قطيعة، بنو غالب، بنو المقاصف، بنو عوذ، بنو مالك، بنو بجاد، بنو قارب، بنو حشر، وغيرهم.
قال الجوهري في صحاحه: جمرات العرب ثلاث: بنو ضبة بن أد، بنو الحارث بن كعب، وبنو نمير بن عامر. فطفئت منهم جمرتان: جمرة ضبة؛ لأنها حالفت الرّباب، وجمرة بني الحارث؛ لأنها حالفت مذجح، وبقيت جمرة نمير لم تطفأ؛ لأنها لم تحالف. ثم قال: ويقال: الجمرات: عبس، والحارث، وضبة، وهم إخوة لأم، وذلك أن امرأة من اليمن رأت في المنام أنه خرج من فرجها ثلاث جمرات. فتزوجها كعب بن عبدالمدان؛ رجل من اليمن، فولدت له: الحارث بن كعب بن عبدالمدان؛ وهم أشراف اليمن، ثم تزوجها بغيض بن ريث، فولدت له عبساً؛ وهم فرسان العرب؛ ثم تزوجها أد، فولدت له ضبّة. فجمرتان في مضر وجمرة في اليمن(). وذكر مثل هذا أبو عبيدة().
 
 
 
منازل بني عبس
قال عُرْوَةَ بن الورد العبسي:

وقلتُ لقوم في الكنيف تروّحوا




عشيّة بتنا دون ماوان رُزَّحِ

تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفوسكم


إلى مستراح من حِمام مُبرّح

ومن يكُ مثلي ذا عيال ومقتراً


من المال يطرحْ نفسه كُلّ مَطْرَح

ليبلُغَ عُذراً أو ينال رغيبة


ومُبلغُ نفسٍ عُذرها مثلُ منجح


وقال ياقوت: قال ابن السكِّيت: ماوان هو وادٍ فيه ماء بين النّقرة والرَّبذة، فغلب عليه الماء فسمِّي بذلك الماء (ماوان)، قاله في شرح شعر عُرْوَةَ، وكانت منازل عبس، فيما بين أبانين والنقرة وماوان والرّبذة، هذه كانت منازلهم.
ومن هذا التحديد يتضح أن منازل عبس قبل أيام حرب داحس والغبراء كانت منتشرة في الجهة الشمالية الشرقية من أرض الشّرَبّةِ، وهي الأرض التي كان عنترة بن شداد قد أكثر من ذكرها في شعره:


أيا عَلَمَ() السعدي هل أنَا راجع؟



وأَنْظُرُ في قُطْرَيْكَ زهر الأراجِعِ

وتُبْصِرُ عَيْني الرّبوتينِ وحاجراً


وسُكّانَ ذاك الجزع بين المراتِعِ

وتجمعُنا أرضُ الشّرَبّةِ واللوَى()


وَنَرْتَعُ في أكنافِ تلك المرابعِ


أمّا بعد تلك الحرب فتحديدها – من وجهة نظري – يقتضي سعة نظر، فقد أزاحتها تلك الحرب من هذه الأماكن إلى أخرى، في جنوب نجد ثم إلى اليمامة، ثم إلى جهات الأحساء، ثم إلى منطقة القصيم، وربما كان لهم فيها وجود أقدم، كما سنبين ذلك بعد قليل، فمن أوائل من حددوا ديارهم في هذه المنطقة الحسن بن عبدالله الأصفهاني، فقد بسط القول في ذكر منازلهم في القرن الثالث من الهجرة، مبتدئاً بقوله: وأسافل الرّمَة تنتهي إلى القصيم؛ رمل لبني عبس...، ثم أنهى حديثه عن تلك المنازل بقوله: وأهل القصيم يسكنون في خِيَام الخُوصِ؛ وهي منازل بني عبس، وغيرهم. وذكر ما بين هذين النصين عدداً كبيراً من أسماء المنازل لعبس في القصيم، وهي:
1- أبان الأبيض، وقديماً كان لبني جريد من فزارة، وقد ذكر أبو علي الهجري من أهل القرن الثالث والرابع من الهجرة أن فروعاً من فزارة كانوا في منازلهم القديمة حول أبان، وقد تقدم قوله في ديار فزارة والتعليق عليه.
2- قطن: جبل مشهور في القديم والحديث، قال الشاعر:


أين انتهى يا ابن الصُّمَيْعَاءِ السَّنَنْ



ليس لعبس جبل غير قطنْ



ومن مياههم فيه: السُّلَيْعُ، والعاقرة، والثَّيِّله. وفي جبل قطن اجتمعت عبس وذبيان بعد أن اصطلحوا في إنهاء حرب داحس والغبراء بتدخل من سادة بني مُرَّة().
3- الخيمة: وبها ماءة يقال لها الغبارة، وهي أكمة بين وادي الرّمَة عند موازاته جبل أبان الأحمر وجبل قطن.
4- جفر الشحم: ماءة ببطن وادي الرّمة، بحذاء الخيمة. ويرجّح العبودي أنه في المواضع الذي قامت فيه قرية الخُطَيْم اليوم.
5- أُثال: لا يزال معروفاً وقد أصبح قرية عامرة.
6- جوُّ مرامر (القرعاء).
7- تياس (التيس حالياً).
8- ثادق (ثادج) وادٍ ضخم أسفله لعبس وأعلاه لبني أسد.
9- ضلفع (الضلفعه).
10- حَبْجَرى: وادٍ وفيه ماء بهذا الاسم().
ومن منازلهم في القصيم
أ- شرج (شري) قال البكري نقلاً عن قاسم بن ثابت: ماء لعبس بن بغيض، قال زهير:


قد نكَّبَتْ ماءَ شرج عن شمائلها



وجَوُّ سلْمَى على أركانها اليُمُنِ



وقال العبودى: وفي شرح ديوان الحطيئة المروي لعدد من أئمة اللغة: الحطيئة عبسي، ومنازل بني عبس: شرج والقصيم والجواء. وقال: وقال: عمارة بن عقيل: ناظرة حبل من أعلى الشقيق على مدرج شرج، قال: وأقول: وهذا هو الواقع إذ يذهب سيل وادي الترمس الذي فيه "شرج" حتى تقفه رمال "ناظرة"، ثم قال: وقد وقعت حوادث استحقت الذكر من المؤرخين والأدباء في المنطقة التي تشمل شرج "شري" وناظرة المجاورة له منها مقتل عنترة بن شداد العبسي الفارس الخالد في التاريخ، وخبر مبعث نبيّ من عبس يقال له خالد بن سنان.. ثم ذكر أشعار في شرج منها ما أنشده ياقوت لامرأة من كلب ذكرت شرج وقرنت ذكره بذكر نواظر، مع ذكر الشقيق (شقيق عبس) وهو عروق الأسياح، قالت:


سقى اللهُ المنازل بين شرج



وبين نواظر دِيمَاً رِهاما

وأوساط الشقيق شقيق عبس




سقى ربي أجارعَها الغماما

فلو كُنّا نُطاع إذا أمرنا


أطلنا في ديارهم المُقَاما



وقد تقدم قول الأصفهاني: وأسافل الرمة ينتهي إلى القصيم رمل لبني عبس، وأقول: وهذا الرمل هو الشقيق (عروق الأسياح حالياً)().
ب- ناظره قال البكري: ماء لعبس(). وفي "معجم بلاد القصيم: رسم ناظره: 3/2378" توسّع العبودي في ذكر النصوص التي ورد فيها ذكر لناظره، ونقتطف من كلامه قوله: وفي الحديث عن ناظره وشرج الذي يقترن ذكره بذكرها كثيراً لا يقتصر على التشوق والادِّكار، بل تعدى ذلك إلى زعم أكثر إغراقاً في المجد، وسمواً في المنـزلة، فقد زعم بعض الأخباريين القدماء أنه في بني عبس نبيٌّ يقال له سنان بن خالد وزعموا أنه لم يكن في بني إسماعيل نبيٌّ قبله.
ثم قال: وتكفّل أبو عثمان الجاحظ بردِّ هذا الزعم ولكنه أتى على ذكر (ناظره) وشرج، قال بعد أن ذكر زعم الزاعمين أولئك: والمتكلمون لا يؤمنون بهذا ويزعمون أن خالداً كان أعربياً وبريّاً() من أهل شرج و(ناظره) ولم يبعث الله نبياً من الأعراب، ولا من الفدّادين() أهل الوبر، وإنما يبعثهم من أهل القرى وسكان المدن.
وأقول: ما نقل الجاحظ عن بعض الأخباريين القدامى من أن خالد بن سنان كان من أهل شرج (شري) و(ناظرة) يقدم لنا حقيقة يصح القول فيها أن وجود بني عبس في منطقة القصيم كان وجوداً يمتد إلى عصر متوغل في القدم من عصور الجاهلية.

ثم في شمال الحجاز
وفي القرن الحادي عشر من الهجرة نجد أن لعبس وجوداً في شمال الحجاز، وفي مواضع مختلفة من الساحل، وقد ذكرهم في هذه الجهة غيرُ واحد من الرحالين منهم:

محمد بن عثمان السنوسي التونسي
وقد حجّ سنة 1299هـ وعاد منها مع الحاج الشامي ووصف منازل الحج إلى الشام، وذكر (اصطبل عنترة) الواقع بين المدينة والعلاء، وقال: بأن منـزل عنترة بن شداد العبسي في هذه الجهة الواقعة طريق الشام من المدينة()، وقد علّق الشيخ حمد الجاسر على هذا النص وقال: وهناك موضع يسمى (اصطبل عنترة) يقع بين منـزلتي الأزلم والوجه، في الطريق الساحلي للحجاج القادمين من مصر عن طريق البر، وقد توهم بعض الرحالين أنه منسوب إلى عنترة العبسي.
ومنـزل عنترة مع قومه بني عبس ليس في هذه الجهة من الحجاز، بل في نجد في نواحي القصيم، وقد قُتِل شرق منهل شرج بقرب ناظرة من رمال الدهناء.
وأقول: هذا الكلام للجاسر – مع صحته – لا ينفي أن القبيلة العربية في غياب سلطة الدولة قد تمرُّ ببعض الظروف التي قد تدفع مجتمع القبيلة أو بعضه إلى الانتقال إلى مكان آخر بحثاً عن الأفضل، وبنو عبس ليسوا إستثناءً من ذلك، بل ذكرهم في رحلته عبدالسلام الدرعي في الساحل، وهي أقدم من رحلة التونسي بقرن من الزمن، كما سيأتي، ثم أن الجاسر نفسه في تعليقه على ذكر عبدالسلام الدرعي (اصطبل عنترة) في الساحل بين (الأزلم) و(الوجه) قد ألمح إلى أن منازل قوم عنترة قد تكون في عهد المؤلف امتدت إلى بلاد بليّ في الساحل().

جون لويس بركهارت
(
Gohann Ludwig Burckhart)

زار مكة والمدينة، وأقام فيهما، وجدة والطائف وينبع، وتجول في هذه البقاع للفترة من منتصف شهر (تموز) 1814م حتى منتصف شهر (إيار) 1815م، وسجّل ما عنّ له من مشاهدات وانطباعات().
فقد ذكر قبيلة عبس شمال مدينة ينبع، قال: قلّة من أسر هذه القبيلة القديمة المشهورة، التي أنتجت عنتر المشهور، لا تزال تسكن جبل (حساني) على مسيرة ثلاثة أيام شمال ينبع، ويقطنون كذلك الجزيرة المقابلة له المسماه الحرّة. أنهم البدو الوحيدون في بلاد العرب الذين لايزالون يحتفظون باسم عبس على الرغم من وجود قبائل كثيرة تدعي انتسابها لتلك القبيلة العريقة، ولكن يعرفون بأسماء أخرى()... ثم ألمح إلى تغيُّر النظرة إليهم بعدما آلت بهم تقلُّبُ الأحوال إلى حالة من الضعف الشديد، ثم يكمل قائلاً... ولقد كانت قبيلة عبس هذه كثيرة العدد في بداية القرن الماضي (السابع عشر الميلادي): وحتى الآن فإن العوائل القليلة الباقية لاتزال تتقاضى ضريبة الحماية من قافلة الحج المصري، تلك الضريبة التي في الماضي البعيد كان أسلافهم قد فرضوها().
G.W. Murry. Sons of Ismael: A study of the Egyptian Bedouin
London: George & Sons. 1935
(جي. دبليو. موري. أبناءإسماعيل: دراسةعنبدومصر،لندن: جورجروتليدجآنسنس 1935):

عبس: هذه القبيلة المشهورة في الجاهلية والتي بين أحضانها نشأ عنتر، مرت خلال أيام شريرة أغرقتها حتى أصبح الآن اسم عبس يستخدم كلفظ إهانة... وعندما ضعفت عبس، وهي فرع من غطفان، لم يترك أعداؤها بلا شك الفرصة تفوتهم بإساءة تفسير اسمهم. ولقد قابل جنينقر براملي بعض أفراد قبيلة عبس في الشرقية وقبلهم (كلنـزينقر) بين عرب صيادي الأسماك على ساحل قويح وسفاجه حيث اختفوا الآن(). وقد ذكرهم بركهارت كصيادي أسماك على جزيرة حساني().

محمد بن عبدالسلام الدرعي المغربي

وقد حج مرتين: سنة 1196هـ، وسنة 1211هـ وفي الأولى ألّف معظم ما في الرحلتين من علم، وقد ذكر عبس في الحوراء (أمّ لجٍّ حالياً)()، وقال: وسرنا فنـزلنا الحوراء وقد مضى من النهار ساعتان وعشر دقائق، وبتنابها، وسوقنا أعراب: جهينه، وأهل الينبوع()، وبنو عبس؛ وهم فخذ من (...)

 
 
 
تنبيه هام
عدّ المؤلف عبساً كفرع من اتحاد قبلي كبير قوامه في الساحل في عهد المؤلف قبائل: بنو رشيد()، عبس، العوازم، العزايزه()، القزايزه، العرينات؛ ذلك ما يخرج به الباحث من قراءة التاريخ لكل قبيلة منها، سواء أكان ذلك أثناء وجودهم في الساحل الشرقي للبحر الأحمر أم من حيث تواجدهم اليوم في مصر والسودان والشام وفلسطين، مما لا يتسع له المقام لتسليط الضوء عليه في هذه العجالة، ومن ذلك يحسن أن نورد هنا نصاّ للجزيري عن العزايزة؛ لصلته القوية والمباشرة بما نتحدث فيه، ذكر ذلك في حوادث سنة 968هـ 1561م، قال: وفيها كان أمير الحاج عثمان أزدمر باشاه... وأفحش السيرة مع أهل الدرك، فقطع عوائدهم ومرتباتهم، فلم يقابله غالبهم، ومن أتى إليه لم يَفُزْ منه بطائل، وحال بينه وبين عوائده كل حائل، فغضبت بنو عطيه، واستمر عصيانهم، وعصت عربان الأحامده والعزايزه في الذهاب والإياب(). ومما تقدم من نصوص في الرحلات نستخلص:
1- وجود قبيلة العزايزه في الساحل في القرن العاشر من الهجرة، مع ما لهم من شأن كبير من وجود القبائل السابق ذكرها منذ ذلك الحين في الساحل ومن بينها عبس.
2- إن يكون للعزايزه درك لحماية الحاج في ناحية من الساحل في القرن العاشر للهجرة، مقابل مرتبات تدفع لهم من قبل أمير الحاج، ومثل هذا لعبس، وفي منطقة لم تكن جزءاً من ديارهم القديمة دليل على أن اتحاد هذه القبائل نسباً كان أم صلة قرابة أم حلفاً هو الذي – في اعتقادي – مكّن كل قبيلة من هذه التشكيلة أن تكون لها في هذه المنطقة ناحية يحق لهم فيها ما يحق لغيرهم في أي ناحية أخرى من الساحل يبسطون عليها نفوذهم القبلي.
3- إطلاق اسم (اصطبل عنتر)، على موضعين؛ أحدهما في طريق الحاج الشامي، بين المدينة والعلا، والآخر في طريق الحاج المصري، بين (الأزلم) والوجه) يظهر أن بعض الكيانات القبلية، ممن لهم بعنترة رابطة دم، أو صلة من أي وجه كان قد اتخذوا من هذين الموضعين مكاناً لفرض ضريبة على حجاج البر القادمين من مصر والشام، ولهذا أطلقوا عليها هذا الاسم، كرمز من رموز أمجادهم التاريخية القديمة.
4- في جلوة المضابرة – سكان جبلي أبانين – من شمال الحجاز في أوائل القرن الثاني عشر من الهجرة تقريباً وردت إشارة إلى هذا الوجود في غاية الأهمية، فقد ذكر عقيدهم يومئذٍ (بدوي) أنهم استعاضوا عما كان يتقاضونه من ضريبة من الحاج الشامي والمصري بالنخل في جبل (أبان)، فيقول:


يا ناشداً عنّا ترانا هنييه



أبان ركّزْنَا النخل في هضابهْ

حقي من الشامي لعوده مخليه




وحقي من المصري سَلِيم غدابهْ



ويروى أن عودة أخوه وسَلِيم ابن عمه، وفي ذلك دليل على الدور الذي كان لأسلاف بني رشيد في هذه الجهة. ولا تفوت الإشارة إلى أن أباناً كان في القرن الرابع من ديار بني عبس.

 
 
 
 
 
 
 
 
من مشاهيرهم:
زهير بن جذيمة سيد عبس في الجاهلية

كان في زمانه السيد المسود في عبس وغطفان كلها، قاد الحلف الأعظم بين أسد وغطفان، نظموا له الخرازات، لتتويجه ملكاً على هذا الحلف، وبظل هذا الوضع أصبح ذا نفوذ قوى بين القبائل، ثم كان من سمو المقام أن بسط نفوذه على بعض قبائل قيس عيلان، كهوازن مثلاً، فيفرض عليها إتاوةً سنوية()، ولشرفه وسؤدده تقرّب إليه أحد ملوك الحيرة، وهو النعمان بن امرئ القيس؛ جد النعمان بن المنذر، فتزوج ابنته (المتجردة)، فنال كل واحدٍ منهما عزّاً رديفاً، بهذه المصاهره.
بعد حين من اختفاء ابنه شأس أثناء عودته من الحيرة محملاً من صهره النعمان بن امرئ القيس بالهدايا الثمينة علم زهير بن جذيمة أن ابنه قد قتله رجل من غني على ماء بوادي منعج (وادي دخنه حالياً)، وكان بنو غنى يومئذٍ حلفاء لبني عامر، فأوقع بغني مقتله عظيمة، ثم عظم الشرّ بين عبس وبني عامر، وساءت معاملة زهير بن جذيمة لهم().
ثم أن زهير بن جذيمة كان قد تنحّى عن قومه في أهل بيته، فنـزل النفروات منصرفاً من سوق عكاظ، وهناك التقاهم أخو زوجة زهير وأمّ ولده، وهي تماضر بنت الشريد بن رياح بن يقظه بن عُصَيّه السلميّة وكان قد أصاب دماً فلحق ببني عامر، فبُعِثَ ليكون عيناً لبني عامر علي زهير، فأعلمهم بمكانه وقلّة جمعه. فانطلق فرسان من بني عامر وعلى رأسهم خالد بن جعفر الكلابي، فباغتوهم، فأُصيب زهير بن جذيمة برأسه إصابة بليغة مات من أثرها بعد ثلاث ليالٍ. وحادثة مقتل زهير تُعرف بين أيام العرب بـ (يوم النفروات)؛ وهي أكمات في صحراء ركبه تعرف اليوم بـ (النُّفُر) غرباً من الموية().
وقال خالد يمنُّ على هوازن بقلته زهيراً:


أبلغ هوازن كيف تكفر بعدما



أعتقتهم فتوالدوا أحرارا

وقتلت ربهم زهيراً بعدما




جدع الأنوف وأكثر الأوتارا

وجعلت مهر نسائهم ودياتهم


عقل الملوك هجائناً وبكاراً



وقد علم خالد أن غطفان لن تترك دم سيدها يذهب سدًى. فسار إلى النعمان ملك الحيرة، ليستجير به فأجاره، فضرب له قبّة، ولكن غطفان تمكنت من أخذ ثأرها منه بسيف ابن ظالم، وهو تحت القبّة التي بناها النعمان له.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل استعرت نار الحرب بين قبائل العرب في شبه الجزيرة، فكان من جراء ذلك وقعة يوم (أريك)() على بني ذبيان وحلفائهم بني أسد، ثم يوم رحرحان، ثم يوم شعب جبله، وهو أشهر أيام العرب، ثم انتهى المطاف بالحارث بن ظالم أن التجأ إلى يزيد بن عمرو الغساني بالشام، وهناك عدا الحارث على ناقة لمجيره يزيد فنحرها لزوجته، فعلم يزيد بذلك من رجل من بني تغلب يقال له الخمس، فماكان من الحارث إلا أن قتل هذا التغلبي، فأمر يزيد ابن التغلبي المقتول أن يقتل الحارث بن ظالم ويأخذ سيفه، فكان ذلك. وفي سوق عكاظ حضر هذا التغلبيّ، ومعه سيف ابن ظالم، وكان يعرضه على الناس، وهو يتباهى بما فعل، وقد صادف ذلك أن قيس بن زهير في السوق، فما كان من قيس إلا أن أخذ سيف ابن ظالم منه فقتله ثأراً لمقتله الحارث بن ظالم().


سعد الرشيدي 31-12-2012 10:01 PM

منازل غطفان في الجاهلية وصدر الإسلام




 
  
  
 
حول مُجير خالد بن جعفر الكلابي


لقد اختلفت الروايات التاريخية في (مجير) خالد بن جعفر الكلابي اختلافاً أثار معه شيئاً من الإشكال في أن يكون المجير هو النعمان امرئ القيس جد النعمان بن المنذر، لأن زوجته كانت (المتجردة) بنت زهير بن جذيمة، فالقاتل لا يحتمي بمن تحته بنت مقتولة.
فخالد بن جعفر الكلابي حين قتل زهير بن جذيمة لجأ إلى أحد ملوك الحيرة في العراق لحمايته من غطفان، فهل كان المجير لخالد هو النعمان بن امرئ القيس أم النعمان بن المنذر؟ والواقع أن في ذلك ثلاث روايات؛ الأولى: في كتاب ((الأغاني: 11/90)) وفيه: فلمّا استحق عداوة عبس وذبيان أتى النعمان بن المنذر ملك الحيرة... والثانية؛ في كتاب: ((العقد الفريد: 6/7)) وفيه أن المضيف لخالد هو الأسود بن المنذر... والثالثة في كتاب: ((الكامل في التاريخ: 337-338 لابن الأثير)) وفيه: فعلم خالد أن غطفان ستطلبه بسيدها، فسار إلى النعمان بن امرئ القيس فاستجاره، فأجاره، فضرب له قبّة...
ولعل في خبر استنجاد لقيط بن زراره بالنعمان بن المنذر، لمساعدته في حرب بني عامر وما كان بعد ذلك يوم شعب جبله ما يزيل عنّا الإشكال في مجير خالد، فقد ذكر ابن عبد ربه في ((العقد الفريد: 6/10)) هذا الخبر وقال: أتى لقيطٌ الجونَ الكلبي وهو ملك هجر... قال له: هل لك في قوم عادين، قد ملأوا الأرض نعماً وشاءً، فترسل معي بنيك، فما أصابنا من مال وسبي فلهما ومن دم فلي؟ فأجابه الجون إلى ذلك، وجعل له موعداً رأس الحول، ثم أتى لقيط النعمان بن المنذر فاستنجده وأطمعه في الغنائم، فأجابه، وكان لقيطاً وجيهاً عند الملوك، فلما كان على قرن الحول من يوم رحرحان. أنهلّت الجيوش إلى لقيط... وأقول: إذا علمنا أن وقعة رحرحان قد وقعت بعد مقتل خالد بن جعفر في الحيرة تأكّد لنا أن مجير خالد بن جعفر هو النعمان بن المنذر وليس النعمان بن امرئ القيس، ومن ذلك يظهر أن الاتفاق في الاسم بين الاثنين هو الذي أوقع الخلط بينهما فنسب لأحدهما من الأخبار ما للآخر،ليس هذا فحسب، بل كان مثل هذا التشابه في الاسم أيضاً بين زوجتيهما فالنعمان بن امرئ القيس زوجته المتجردة بنت زهير بن جذيمة سيد عبس، والنعمان بن المنذر زوجته أيضاً المتجردة() جعفرية عامرية، فقد كانت حين قتل خالد بن جعفر ممن بكاه وشقّتْ عليه جيبها،وفي ذلك يقول عبدالله بن جعده في رثاء خالد:

 

يا حار لو نبهته لوجدته



لا طائشا رعشا ولا معزولا

شقّت عليه الجعفريّة جيبها




جزعا وما تبكي هناك ضلالا

فانعوا أبابحر بكل مجرّب


حران يحسب في القناة هلالا

فليقتلنّ بخالد سرواتكم


وليجعلن لظالم تمثالا



فأجابه الحارث:


تالله قد نبهته فوجدته



رخو اليدين مواكلا عسقالا

فعلوته بالسيف أضرب رأسه




حتى أظل بسلحه السربالا



 
 
قيس بن زهير سيد عبس وصاحب الجواد داحس

ساد عبساً بعد مقتل أبيه، وكان قائداً حازماً، وداهية ذا رأي سديد، وبقيادته كان قدر عبس أن ابتلُوا بحروب كثيرة، مع عدد كبير من قبائل العرب في الجاهلية،وقد خرجوا من كل هذه الحروب – بدهاء قيس – وهم من أجلّ قبائل العرب مجداً، وأعزّهم كياناً، وأبعدهم ذكراً.
ومن حديث يوم الفروق() سُئِل قيسٌ: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: مائـة فارس كالذهب، لم نَكْثُرْ فنفشل، ولم نقلّ فنضعف. وكان الفرزدق قد تعرض في معرض التهاجي بينه وبين جرير إلى ذكر أيام بني تميم على قيس عيلان، فأجابه مذكراً إياه أن لقيس عيلان على بني تميم أياماً أدهى، فذكر منها يوم الفروق لعبس على بني سعد من تميم وقال:


لقد حظيت يوماً سَلَيْمٌ وعَامِرٌ



وعبس بتجريد السيوف الصوارمِ

وَعبْسٌ هُمُ يوم الفروقين طرّفوا




بأسيافهم قدموس() رأس صلادمِ



وعبس هذه هي عبس قيس بن زهير، وبرئاسته كانت إحدى شوامخ القبائل القيسية التي أشاد جرير بأمجادها كمفاخر لقيس عيلان ككل وقال:


وقَيْسٌ هُمُ قَيْسُ الأعِنَّةِ والقنا



وقَيْسٌ حماةُ الخيلِ تَدمَى نُحورُها

سُلَيمٌ وذُبْيَانٌ وَعبْسٌ وعَامِرٌ




حُصُونُ إلى عِزٍّ طِوَالٍ عُمورُها

ألم تَرَ قيساً لا يرامُ لها حِمىً


ويَقْضِي بِسلْطانٍ عليك أميرُها

ملوك وأخوالُ الملوك وفيهم


غيوث الحيَىَ يُحيِى البلادَ مطيرُها



وقد فرض بنو بدر – سادة فزارة وذبيان – على قيس بن زهير حرب داحس والغبراء فرضاً مُبِيَّتاً()، وهي حرب تبدو في ظاهرها أنها قامت بسبب الرهان بين حذيفة بن بدر وقيس على إجراء السباق بين داحس والغبراء،غير أن مجيء داحس سابقاً، وإعاقته من قبل فتيان من فزارة كانوا في كمين معدّاً سلفاً لهذا الغرض، ليفسحوا المجال للغبراء أن تصل الغاية وهي في المقدمة، وإصرار حذيفة – ظالماً – على أن يخرج قيس من هذا السباق خاسراً، مع سدّ كل أبواب الصلح في تسوية الخلاف بينهما ينبئ أن إشعال الحرب بين عبس وذبيان كان هو الغاية لدى بني بدر، وعليه فليس من المستبعد أن تكون غايتهم من هذه الحرب هي تحميل أوزارها قيس بن زهير، ليبعدوه عن منافستهم على رئاسة غطفان.
وحقاقاً للحق لقد كان قيس يدعو أهل الحل والعقد في غطفان أن يتفادوا الانزلاق في حرب أي قتيل فيها من أنفسهم، ويحذرهم من العواقب الوخيمة التي تنتظرهم أن هم انقادوا خلف من يعمل على إذكاء نار الفتنة فيهم، ويقول:


يودُّ سنان لو يحاربُ قومنا



وفي الحرب تفريق الجماعة والأَزْلُ

يدبُّ ولا يخفى ليفسد بيننا




دبيباً كما دبّتْ إلى حُجرِها النملُ

فيا بني بغيض راجعا السَّلْم تسلما


ولا تشمتا الأعداء يفترقُ الشملُ

وإن سبيل الحرب وعرٌ مُضِلّةٌ


وإن سبيلَ السَّلْم آمنةٌ سَهْلُ



ولكن بنو بدر ومن لفّ لفّهم من بني ذبيان لم يتركوا باباً فُتِحَ للصلح إلا أغلقوه، فكانت الحرب، وفيها تمكّن قيس بن زهير وجماعة من فرسان عبس من قتل رؤساء بني بدر، وهم قادة بني ذبيان يوم جفر الهباءة، وهم وإنْ كانوا يمثلـون خصم سوء، لقيس وقومه إلا أن قيساً وُجِدَ نفسه بعد مقتلهم كمن يحارب بيد جَذْمَى (بلا أصابع)، كما يقول:


شفيت بقتلهم لغليل صدري



ولكني قطعتُ بهم بناني



مثله في ذلك مثل قومه، قال الربيع بن زياد أحد سادة بني عبس المعتبرين:


وحرَّق قيسٌ عليَّ البلادَ



حتى إذا اضْطرمَتْ اجذما


فقد وجدوا بعد جفر الهباءة أن لا مقام لهم بديار غطفان، فجلُوا، ليحتموا بجوار من هم أكثر ترحيباً بهم من قبائل العرب، وقد اكتشفوا لاحقاً أنهم قد استبدلوا بعدوّهم عدوّاً باغياً، ثم غادروهم بعد أن أذاقتهم سيوف بني عبس هزيمة مرة، وكذا كان حالهم مع عدد كبير من قبائل العرب(). ولهذا أشار قيس على بني عبس أن يجنحوا للسلم ويتصالحوا مع قومهم، فالموت مع بني ذبيان خيرٌ من البقاء مع غيرهم، فقاد الربيع بن زياد وفدهم إلى السلم، فاصطلح القوم، أمّا قيس فقد تنصّر وساح في الأرض، حتى انتهى إلى عُمان، وهناك مات مقتولاً بلا معين ولا مجير على يد رجل من عبدالقيس().

عنترة بن شداد

كان من نوادر زمانه خُلُقاً وشجاعة وبسالة، شهد بداية ونهاية حرب داحس والغبراء، وفي ميدان تلك الحرب التي طال أمدها ظهرت فروسيته، وفيها شاع ذكره في الآفاق، كبطل من ألمع أبطال العرب المعدودين، عاش عزيزاً عفيفاً، ومات كريماً خالداً في التاريخ.
ومثلما برز في ميدان الحرب فارساً مغواراً برز أيضاً في ميدان الشعر، علماً شامخاًأنزله في منازل أصحاب المعلقات، ومن شعره في ساحة الفخر:


للهِ دَرَّ بني عَبْسٍ لقد نسلوا



مَنَ الأكَارمِ مَا قَدْ تَنْسُلُ العَرَبُ

لَئِنْ يَعِيبُوا سَوَادي فَهْوَ لي نسبٌ




يوم النِّزَالِ إذا مَا فَاتَنِي النسبُ

إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ يا نُعْمَانُ أنَّ يَدِي


قَصِيرةٌ عَنْكَ فالأَيّامُ تَنْقَلِبُ

اليوم تَعْلَمُ يا نُعْمَانُ أيَّ فتىً


يَلْقَى أخاك الذي قد غَرَّهُ العُصَبُ

إنَّ الأفَاعِي وإنْ لانَتْ مَلاَمِسُها


عِنْدَ التّقَلُّبِ في أَنْيَابِهَا العَطَبُ



ويروى عن عمر بن شبّه، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: أُنْشِد النبيُّ صلى الله عليه وسلم قول عنترة


ولقد أبيتُ على الطُّوى وأظلُّه




حتى أنال به كريمَ المأكلِ



فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما وُصِف لي إعرابيٌّ قطُّ فأحببتُ أن أراه إلا عنترة)) ومن جانب آخر حدّث عمر بن شبّه، قال: قال عمر بن الخطاب للحُطَيئة: كيف كنتم في حروبكم؟ قال: كنّا ألف فارس حازمٍ. قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازماً فكنّا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنّا نحمِل إذا حمل ونحجم إلى أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا رأي فكنّا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عُرْوة بن الورد فكنّا نأتمّ بشعره، فكنا كما وصفت لك. قال عمر: صدقت.

وفاته واختلاف الروايات في سببها ومكانها

من أقدم من ذكر سبب ومكان وفاته من المؤرخين:
1- ابن الكلبي (ت: 204هـ) وعنده أن عنترة أغار على بني نبهان من طيء، فطرد لهم طريدة، وهو شيخ كبير، فجعل يرتجز وهو يطردها ويقول:
آثار ظلمانٍ بقاعٍ مخرمِ
قال: وكان رِزٌّ بن جابر النبهاني في فُتُوّةٍ، فرماه وقال: خذها وأنا ابن سلمى، فقطع مطاه()؛ فتحامل بالرّمية حتى أتى أهله؛ فقال وهو مجروح:


وإنّ ابنَ سَلمى عنده فأعلموا دَمي




وهيهات لا يُرجى ابن سلمى ولا دمي

يحلُّ بأكناف الشعاب وينتمي


مكان الثُّريَّا ليس بالمُتَهضَّمِ

رماني ولم يَدهَش بأزرقَ لَهَزمٍ


عشيَّة حلُّوا بين نعفٍ ومخرمِ



قال ابن الكلبي: وكان الذي قتله يلقّب بالأسد الرهيص.
2- وذكر أبو عبيدة (209هـ) أنه كان قد أسنّ واحتاج وعجز بكبر سِنِّه عن الغارات، وكان له على رجل من غطفان بَكرٌ، فخرج يتقاضاه إياه؛ فهاجت عليه ريحٌ من صيف وهو بين شرج وناظرة، فأصابته فقتلته.
3- ذكر أبو عمر الشيباني (ت: 213) أنه قد غزا طيّئاً مع قومه، فانهزمت عَبْسٌ، فخرّ عن فرسه ولم يقدر من الكبر أن يعود فيركب، فدخل دغلاً، وأبصره ربيئةُ طيئ فنـزل إليه وهاب أن يأخذه أسيراً فرماه وقتله().
ومن هنا ترى أن من قال: أنه مات بين شري وناظره أخذ برواية أبي عبيدة، ومن قال: أنه مات بناحية من سلمى: أخذ برواية أبي عمر الشيباني، ومن قال: أنه مات في مكان آخر أخذ ذلك من قصص لا يقوم عليها دليل من العلم.
وأقول: مما تقدم يظهر أن أبا الفوارس عنترة بن شداد مات متأثراً بجرحه من قبل الأسد الرهيص، مع علّة الريح وكبر السن بين شري وناظره والله أعلم.

 
عروة بن الورد

نسبه: عُرْوة بن الورد بن زيد؛ وقيل: عمرو بن زيد بن عبدالله بن ناشب بن هريم بن لُدَيم بن عوذ بن غالب قُطَيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نِزَار بن معد بن عدنان.
وقد عرّف صاحب: "الأغاني" عروة وقال: شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها وصُعلوك من صعاليكها المعدودين الأجواد. وكان يُلقَّب عُروة الصعاليك؛ لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم، ولم يكن لهم معاش ولا مغزى، وقيل لُُقِبَ عُروة الصعاليك لقوله():

 

لحى الله صُعلوكاً إذا جَنَّ ليلُه


مصافي المشاش آلفاً كلَّ مجزرِ

يَعُدُّ الغِنى من دهره كلَّ ليلةٍ


أصاب قِراها من صديق مُيسّرِ

واللهِ صُعلوكٌ صفيحةُ وجهه


كضوءِ شهابِ القابس المتنوّرِ



وأقول : الواقع أن عروة لم يكن مهتماً بأمر الصعاليك وحدهم، وإنما كان الناس إذا أصابتهم شدة من الدهر تركوا المرضى والفقراء والعجزة منهم في ديارهم، فيقوم عروة ويكنُفُ عليهم الكنُفُ (حضاير) ليسكنهم فيها، فيذهب يلتمس لهم سبيل الرزق، فإذا أتى به أشركهم معه فيه، ولهذا كان معاوية بن أبي سفيان يقول: ((لو كان لعروة وَلْدٌ لأحببت أن أتزوج إليهم)) وقال عبدالملك بن مروان: ((ما يسرني أن أحداً من العرب ممن ولدني لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله:


إني امرؤٌ عافي إنائي شركة


وأنتَ امرؤٌ عافي إنائك واحدُ()



وفي رواية أخرى قال عبدالملك بن مروان: ((من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة)).
وتجدر الإشارة إلى أن عامر بن الطفيل العامري حين بلغه قتل عنترة، قال: لا ترك الله لطيء أنفاً إلا جدعه، أمّا علينا فليوث – يعني عبساً – وأمّا على جيرانهم فلا شيء؛ وقد قتلوا فارس العرب. وكانت عبس – كما تقول الرواية – إنما تنتظر من طيء مثل تلك الغِرّةِ حين نزلوا من الجبل، وأصابت عبسٌ حاجتها فقال عروة في ذلك():


أبلِغْ لديكَ عامراً إن لقِيتَها



فقد بلغت دارُ الحفاظ قرارها

رحلنا من الأجبال أجبال طَيء




نسوق النساءَ عُوذَها وعشارها

ترى كُلَّ بيضاء العوارض طَفْلَةٍ


تُفَرّي إذا شال السماكُ صِدارَها

وقد علمتْ أنْ لا انقلابَ لرحلها


إذا تركتْ من آخر الليلِ دارَها



كان عروة بن الورد فارساً مظفراً وشاعراً كان قومه بنو عبس يأتمّون بشعره مات مقتولاً سنة 616م على الراجح عند أهل العلم، بعد فترة غير بعيدة من وفاة عنترة.

 

3-
بنو أشجع بن ريث بن غطفان

منهم: بنو بكر، بنو سُبَيع، بنو خلاوة، بنو فتيان، بنو قنفذ()، بنو دهمان، بنو حُلَيْس، بنو زهدم، بنو سُلَيْم، بنو غُفَيْله()، ومنازلهم كانت تمتدُّ من واحة خيبر شمالاً، حتى المدينة المنورة جنوباً غربياً، منتشرة بالمواضع الغربية الجنوبية من حرّة النار، وقد خلفتهم في ديارهم القديمة فروع من قبيلة بني رشيد، أكثرهم عدداً وأوسعهم منازلاً قبيلة الذيبة؛ واحدهم ذيابي.
قال ابن خلدون: وليس لهذا العهد() منهم بنجد أحد إلا بقايا حول المدينة النبوية، وبالمغرب الأقصى منهم حيّ عظيم الآن يظعنون مع عرب المعقل بجهات سجلماسة ووادي ملوية، ولهم عدد كبير وذكر(). ومن الباحثين في عصرنا هذا من يرى أن الذيبة من بني رشيد هم من بقايا أشجع، وعلى رأسهم الشيخ المحقق حمد الجاسر.

ومن مشاهيرهم من الصحابة الكرام


1- جعدة بن هبيرة الأشجعي.
2- زاهر بن حرام، كان يسكن المدينة، وقد شهد بدراً، فإذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه إلا بطرفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل حاضرة بادية، وبادية آل محمد زاهر بن حرام.
3- نعيم بن مسعود الذي شتت جموع الأحزاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
4- حُسَيْل() بن نويره، دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر.
5- نبيط بن شريط.
6- معقل بن سنان؛ كان على المهاجرين يوم الحرّة، وقد قتله مسلم بن عقبة المرِّي يومئذٍ صبراً.وفيه يقول القائل:


أصبحت الأنصار تبكي سراتها



وأشجع تبكي معقل بنسنان



وغيرهم، والأشجع مشاهير كثر، منهم حُلَيس بن نصر بن دهمان، وهو الذي جعلت على يديه الرهان يوم داحس والغبراء.

 
4-


بنوعبدالله بن غطفان

قال ابن حزم في "جمرة النسب": ولُد غطفان: ريث وعبدالعُزَّى، بدّل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اسمه، فسمّاه عبدالله، فهم بنو عبدالله بن غطفان، منهم عُقْبَة بن وهب بن كلده بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدِيّ بن جشم بن عوف بن بهثه بن عبدالله بن غطفان، أحد السبعين الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليلة العقبة، وهاجر إلى مكة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ثم هاجر إلى المدينة، كان حليفاً لبني الحُبْلَى، وهم بنو سالم بن غنم من بني عوف بن الخزرج من الأنصار، ومنهم ضرار بن عمرو، المتكلّم، أحد شيوخ المعتزلة، وكانت فيه ثلاثة أعاجيب، كان معتزلياً كوفياً، وكان عروبيّاً شعُوبياً، وزوّج ابنته من علج أسلم،وكان يختلف إليه، ومات وله تسعون سنة، بالدماميل، ومنهم: سالم بن داره الشاعر. ومنهم: كان بإشبيله بقرية قَرْشانه من الشرف الطفيل بن العبّاس بن معاوية بن المضاء بن المهلّب بن معاوية بن محمد بن الكوثر بن يزيد بن زهدم بن الأدهم بن مالك بن عبدالله بن غطفان. مضى بنو عبدالله بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان.
وكان قد قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو عبدالعُزَّى، فقال: بل أنتم بنو عبدالله()..
ومن أشهر فروعهم: بنو بريمة، وبنو المرقّع، وبنو سُحَيْم، وغيرهم ومنازلهم القديمة كانت تمتدُّ من الحاجر بمحاذاة الضفة الشرقية لوادي الرمّة نحو الجنوب الشرقي إلى أن تقترب من جبل قطن، وقد ذكر المتقدمون من منازلهم في هذه الجهة: ذا العشيرة (المباري حالياً) ومبهلاً (المحلاني) والتلبُوت (الشعبة) وهذه أودية كلها تصب في وادي الرمة في مستقبل الجنوب وفيها مياه كثيرة، ومن جبالهم: المجيمر وكتيفه والوتدات وأبارق الأثوار، وبعضها لا يزال معروفاً في هذه الناحية().


سعود العبسي 01-01-2013 12:44 AM

- في جلوة المضابرة – سكان جبلي أبانين – من شمال الحجاز في أوائل القرن الثاني عشر من الهجرة تقريباً وردت إشارة إلى هذا الوجود في غاية الأهمية، فقد ذكر عقيدهم يومئذٍ (بدوي) أنهم استعاضوا عما كان يتقاضونه من ضريبة من الحاج الشامي والمصري بالنخل في جبل (أبان)، فيقول:


يا ناشداً عنّا ترانا هنييه



أبان ركّزْنَا النخل في هضابهْ

حقي من الشامي لعوده مخليه




وحقي من المصري سَلِيم غدابهْ

بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ العزيز الفاضل المورخ والباحث القدير الشيخ / عطاالله ضيف الله بن حنيه المظيبري الرشيدي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أشكرك جزيل الشكر ياأستاذي القدير على هذا المجهود الذي لايقدر بثمن وان دل ذلك على شئي إنما يدل بعد النظر وسعت البال والمثابرة والبحث عن المجهول الذي قد وثق من قبل الباحثين بالتاريخ وإظهاره للجميع من داخل معجمات الكتب القديمة ليتعرف عليه من يحاول ان يعرف عن ما قالوه المؤرخين عن تارخ القبائل العربية ومساكنهم في الماضي والحاضر ومهم بني عبس وصلة بني رشيد بهم وماحكى عنهم التاريخ عبر الازمان وما سطروا من بطولات يتباها بها من ينتسب لهم , وهذا شرفا للجميع يجب علينا حفظه وقرءاته والتذكير به في جميع المناسبات العامة والخاصة ليطلع عليه الجميع ويعرفون الكثير عن تاريهم 0
أستاذي العزيز لقد ذكرت وستشهدت في قصيدة زعيم المظابره في الجلوة إلى أبانات الشيخ القدير / بدوي بن عامر أباالخير المظيبري الرشيدي العبسي الذي أثبت في قصيده بأن بني رشيد يسيطرون على قوافل الحجيج القادمين من الشام ومصر وهذا يدل على أتساع رقعة ديارهم في ذلك الزمان وملوك لها وتحترم أراضيهم وتدفع لهم الاموال لحمايتهم منقطاعين الطريق خلال الحج والعمرة والعودة لديارهم في أمان , والقصيدة أطول من ذلك وقد حصل عليها بعض التحريف على بعض البيوت ومن هنا يجب التعديل وتصحيح الاخطاءفيها :
ياركبن حرن معفيه راعيه *** من خشم ابان اللي عذين شرابه
مافوقه إلا الدشن والخرج يزهيه*** وبديرته ومخففينن زهابه
يلفي أربوعن شوفهم نفتخرفيه *** أهل العلوم الطيبه والمهابه
اللي رجع عنا ترى الخوف مضنيه *** تراجعوا مايدركون الحرابه
حقي من المصري لعوده مخليه *** وحقي من الشامي سلامه غدابه
ياسالن عنا وش اللي نسويه *** ابان غرسنا النخل في هضابه
ملكن لنا معادوالله نخليه *** الناشرف أرضه ونحمي جنابه
واللي هواء راسه عن الحق مغويه *** قله ترانا طاحنينن زهابه
الحق غالي وان بدى الميل نوفيه *** عداتنا من قبل عصر الصحابه
والقصيدة اطول من ذلك بس ضاع الكثير منها 0
تحياتي لك يأستاذي العزيز وجميع مرتادي هذا الصرح الشامخ

برق الشمال 01-01-2013 12:51 AM

ماشاء الله بحوث تاريخية فريدة بارك الله جهود علامتنا ابوماجد ومتعه الله بالصحة والعافية وقد اختص شبكة عبس بهذا البحث التاريخي العظيم حول منازل غطفان في الجاهلية صدر و الأسلام .. شكرا للعلامة عطالله الرشيدي , والشكر موصولك يابومحمد.

^_^ 02-01-2013 01:57 PM




جزاك الله خيرا وتسلم ايدك الباحث التاريخى/ عطالله بن ضيف الله المظيبري
وبارك الله فيك لجهودك المبذولة في خدمة كل ما تقدمه لأبناء القبيلة من بحوثات تاريخيه

بارك الله فيك واثابك الخير الكثير ... وكلنا نحن ابناء قبيلة عبس الغطفانية نفتخر ونعتز بانجازات رجالها

تسلم ايدك اخوي سعد الرشيدي على الطرح الرائع


دمتم بودي بطاعة الرحمن

^_^


الساعة الآن +4: 12:51 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
هذا المنتدى يعمل على نسخة في بي بلص